يبدو أن التوتر بين الصين وتايوان لن يتوقف مطلقا، فهو كلما دخل مرحلة الهدوء النسبي، إلا وعاد سريعا لأسباب عديدة تطرأ، وقد يكون أحد الأسباب عرضية مُفاجِئة ليس بالقيمة التي تدفع للتوتر، لكنها مع ذلك تستغلها بطين ذريعة للتصعيد، وهذا ينطبق على الحادث الأخير، فما القصة؟ وهل يدفع نحو الاقتراب من الحرب؟ 

الجديد يتعلق بمقتل مواطنَيْن صينيَّبْن وإصابة مثلهما، قبيل أيام وجيزة جدا، خلال محاولة قارب، على متنه مواطنون صينيون، الفرار من سفينة تابعة لخفر السواحل التايواني، بالقرب من جزر تايوانية قرب البر الصيني.

هذا الحادث دفع الحكومة الصينية إلى القول، إنه “لا توجد حدود أو مناطق محظورة لصيد الأسماك حول مجموعة من الجزر التايوانية القريبة من ساحل الصين”، وإن بكين تحتفظ بالحق في اتخاذ المزيد من الإجراءات.

تايوان تدافع والصين: “لن نتسامح”!

تايوان دافعت عن تصرفات خفر السواحل بعد مقتل الشخصين الصينيَّين، مشيرة إلى أن الطاقم الصيني رفض التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون.

واشتكت تايوان في السنوات القليلة الماضية من قوارب الصيد الصينية والسفن الأخرى العاملة في المياه التي تسيطر عليها تايوان، خاصة حول جزر كينمن وماتسو التي تقع على مسافة غير بعيدة من ساحل الصين، بحسب وكالة “رويترز” البريطانية.

في وقت متأخر من السبت المنصرم، قال مكتب شؤون تايوان الصيني، الذي أدان تايوان بسبب الحادث الذي وقع بالقرب من جزيرة بيدنغ في كينمن، إن مقتل الشخصين تسبب في “سخط شديد” في الصين.

المكتب أضاف: “الصيادون على جانبي مضيق تايوان يعملون في مناطق الصيد التقليدية في منطقة شيامن – كينمن البحرية منذ العصور القديمة، ولا يوجد شيء اسمه مياه محظورة أو مغلقة”، وفقا لما ذكرته “رويترز”.

ما يجدر بالذكر، أن كينمن التي تسيطر عليها تايوان منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1949، تقع بجوار مدينتي شيامن وتشوانتشو الصينيتين.

مكتب شؤون تايوان الصيني، قال إن الحكومة لديها حسن النية تجاه شعب تايوان، لكنها لن تتسامح أبدا مع تجاهل تايوان لسلامة الصيادين الصينيين، فيما أردف بأن: “البر الرئيسي يحتفظ بالحق في اتخاذ المزيد من الإجراءات، وستتحمل تايوان كافة العواقب”، دون الخوض في تفاصيل إضافية.

وتطالب الصين بتايوان التي تتمتع بحكم ذاتي على اعتبارها جزءا من أراضيها، وتدهورت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة بشكل لافت جدا.

دعوة الصين إلى “العقلانية”

في السياق، أفاد رئيس الوزراء التايواني تشين شيان-جين، أول أمس الثلاثاء، بأنه تم اطلاع الجانبين على “المناطق البحرية الخاضعة للقيود والمحظورة” منذ العام 1992.

وقال للصحافيين خارج مقر البرلمان التايواني: “سنواصل حماية هذه المناطق البحرية لضمان السلامة في مياهنا الإقليمية وحقوق صيادينا”.

جين بدا قلقا خشية من ردة فعل صينية قد تكون غير مدروسة، بقوله أن تايوان تأمل من بكين أن تتصرف بعقلانية، معربا عن أمله بتعاونها مع بلاده لضمان سلامة مياه كينمين-شيامن ليكون بإمكان الناس على جانبي المضيق التعامل مع بعضهم بعضا بشكل صحي ومنظّم.

من تدريبات الجيش الصيني قرب تايوان – إنترنت

من جانبه، أكد وزير الدفاع التايواني تشيو كيو-تشينغ، بأن الجيش لن يكون طرفا في المسألة وسيترك لخفر السواحل مهمة مراقبة المياه حول كينمين “نظرا إلى أننا نرغب بتجنّب الحرب”.

وقال للصحافيين: “إذا تدخلنا، فسيؤدي ذلك إلى تصعيد النزاع وهو أمر لا نريده. فلنتعامل مع المسألة بشكل مسالم”.

ولم تستبعد بكين يوما استخدام القوة لإخضاع تايوان إلى سيطرتها وكثّفت في السنوات الأخيرة خطابها بشأن “التوحيد”، كما كثّفت الضغط العسكري على تايوان عبر نشر طائرات حربية وسفن تابعة لسلاح البحرية في محيط الجزيرة بشكل يومي تقريبا.

الثلاثاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية، بأنها رصدت 24 طائرة حربية صينية في محيط الجزيرة خلال 24 ساعة منذ السادسة صباحا، في زيادة طفيفة مقارنة بالأيام الأخيرة.

دق طبول الحرب؟

عقب الحادثة، أعلنت الصين تعزيز الدوريات في محيط المياه التايوانية وصعد عناصر من قوة خفر السواحل التابعة لها على متن سفينة سياحية تايوانية، الاثنين الماضي، للتحقق من معلومات القبطان والركاب.

المشرعة في كينمين، تشين يو-جين، قالت إن السفينة السياحية دخلت مياه البر الرئيسي بمسافة بلغت “نحو كيلو متر”، وأضافت: “عندما كانت العلاقات بين الجانبين مسالمة نسبيا، لم نكن نصعد على متن سفن بعضنا بعضا بسبب وجود تفاهم ضمني حينذاك، ولأن الطرفين لم يكونا يتخذان إجراءات أكثر تشددا”.

لكن مع توتر العلاقات أكثر عبر المضيق الآن، حضّت القوارب السياحية التايوانية والصيادين على البقاء ضمن مياه الجزيرة، قائلة: “هذه الطريقة الأكثر أمانا”.

الباحث السياسية ريم الجاف، تقول في حديث مع “الحب نت”، إن التوتر دائما ما تُحدثه بكين لأي سبب كان، بهدف إدامة فكرة إظهار أن تايوان دولة لا تنوي الخير معها، وأن الحل هو بضمها لصالحها، كي لا تترك تايبيه تتنفس قليلا وتتوجه لرؤية مصالحها كدولة مع بقية الدول. 

بحسب الجاف، صحيح أن الحادثة الأخيرة أسفرت عن توتر جديد عقب التوتر الذي أسفرت عنه الانتخابات الرئاسية في تايوان الشهر الماضي، إلا أن هذا التوتر ليس كبيرا لدرجة يدفع الصين لدق طبول الحرب ودخول معركة شرسة مع تايوان وخسارة الملايين من الأموال على تلك الحرب. 

في الشهر الماضي، أجرت تايوان انتخابات رئاسية انتهت بفوز لاي تشينغ تي من “الحزب الديمقراطي التقدّمي”، وهو مرشح تعتبره بكين “انفصاليا” يبحث عن انفصال تايوان من الصين، لذلك نشبت توترات سياسية لأكثر من أسبوعين حينها.

بالتالي، فإنه وعلى حد قول الجاف، الحرب فكرة مستبعدة ميدانيا، وهي فكرة إعلامية فقط لا غير تطرحها وتديمها بكين بهدف إرغام تايوان لا أكثر، فالوضع الحالي ليس خطيرا للدرجة التي تدفع لإعلان الحرب، والصين ستظل تحاول ضم تايوان بالسلم إلى أن تفقد الأمل تماما، حينها قد تفكر بالحل العسكري.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات