العديد من الدول لها يد في الإتجار بالعقاقير المخدرة، ومنها اليد الصينية في العقار المخدر “الفنتانيل”، والذي أضحى من إحدى القضايا الشائكة والإشكالية في علاقة الصين بالولايات المتحدة الأميركية. فما هو هذا العقار، وما علاقة الصين في تصنيعه وتهريبه؟  

محادثات صريحة وبنّاءة أجراها وزير الأمن الداخلي الأميركي، أليخاندرو مايوركاس، مع نظيره الصيني وانغ شياو هونغ، مؤخرا، في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تهريب مخدر “الفنتانيل” إلى أميركا، في أول اجتماع للجانبين بعد اتفاقهما على معالجة أزمة المخدر خلال قمة فرانسيسكو التي جمعت الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. 

ووفقاً لوكالة “CNN” على لسان أحد المسؤولين الأميركيين، “كانت هناك إجراءات ملموسة ومحددة اتخذتها الصين لمكافحة الفنتانيل، مثل تبادل الصين المزيد من المعلومات حول عملها في مكافحة المخدرات مع مراقبي المخدرات المدعومين من الأمم المتحدة”. وكانت الصين قد علّقت تعاوناً مع الولايات المتحدة بشأن تهريب المخدرات بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب/ أغسطس 2022، حسب “فيننشال تايمز”.

إلى جوار ذلك، أشار المسؤول الأميركي إلى نية بكين إضافة العديد من المواد الكيميائية (السلائف) التي تستخدم في صنع المخدرات إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة. إذ أصبح “الفنتانيل” إحدى أكثر القضايا حساسية وخطورة في العلاقة بين واشنطن وبكين، فبعد حظر الحكومة الصينية بيع المخدر عام 2019، تحولت الشركات الكيميائية الصينية إلى تصنيع مكونات العقار بدلاً من المنتج النهائي. 

أعتى أصناف المخدرات

تأتي معظم كميات المخدر من مكونات مصنوعة في الصين يتم تهريبها من المكسيك عن طريق عصابات المخدرات. وتعتقد إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA)، أن المهربين الصينيين قد تحولوا من التصنيع النهائي للعقار بشكل أساسي لتصدير سلائفه إلى الكارتلات المكسيكية، التي تصنع الفنتانيل وتسلم المنتج النهائي. حيث يعمل المهربون الصينيون على زيادة تعاونهم مع هذه الكارتلات، خصوصاً أكبر عصابتين للجريمة وهما “كارتل سينالوا” و”جاليسكو نيو جينيريشن كارتل”، حسب وكالة “رويترز” للأنباء.

أكثر من 109 آلاف شخص في أميركا توفوا بسبب جرعة زائدة من المخدرات خلال مدة 12 شهراً انتهت في آذار/ مارس 2022، وفق بيانات مؤقتة لمراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، ويرتبط معظمها بالفنتانيل، بحسب “رويترز“. منوهة لتقرير هيئة استشارية يشير لبقاء الصين كمصدر رئيسي للعقار المخدر والمواد غير المشروعة المرتبطة به، رغم حظرها للعقار ونظائره عام 2019.

رجل يعيش في شوارع سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، يعرض ما يقول إنه عقار الفنتانيل الاصطناعي. 27 فبراير 2020 – (رويترز)

 عليه، تحذر الهيئة الاستشارية من الفجوات الكبيرة في التعاون بين أميركا والصين لمكافحة المخدرات، لافتة لتأخير السلطات التنظيمية الصينية طلبات الوصول لتفتيش المواقع المحتملة والتحقيق فيها، حيث تقوم الشركات بشكل غير قانوني بتصنيع سلائف كيماوية تستخدمها عصابات المخدرات المكسيكية والأجنبية الأخرى لإنتاج “الفنتانيل”، المنتمي للمواد الأفيونية الاصطناعية القوية المشابهة للمورفين، لكنه أقوى بنسبة 50 إلى 100 مرة. ورغم صرفه بوصفة طبية، كعلاج للمرضى الذين يعانون من آلام مزمنة حادة، أو لتخفيف الآلام غير المحتملة لدى المرضى، لا سيما بعد العمليات الجراحية، إلا أن خطورته تكمن باستعماله كمخدر بطرق غير شرعية. حيث يشكل مع غيره من المواد المخدرة الشبيهة السبب الأول للوفيات في أميركا.

“لا يوجد مجتمع آمن من هذا السم “. قالت مديرة وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، آن ميلغرام، في جلسة استماع في “مجلس الشيوخ”، مشيرةً إلى أنه أخطر تهديد للمخدرات واجهته أميركا على الإطلاق، موجود في كل مكان، من المناطق الحضرية الكبيرة إلى المناطق الريفية. أيدها في ذلك، آندي بيغس، رئيس اللجنة الفرعية التابعة للسلطة القضائية في مجلس النواب بالقول: “المجتمعات في جميع أنحاء هذا البلد تعاني من هذا السم”. 

البديل.. عصابات المخدرات المكسيكية!

في سابقة هي الأولى من نوعها، وجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات جنائية لأربع شركات صينية لتصنيع الكيماويات و8 أفراد بسبب مزاعم الاتجار غير المشروع بالمواد الكيميائية المستخدمة في صناعة “الفنتانيل”، بحسب “العربية نت“. فقد اتهمت تلك الشركات الصينية ببيع مواد كيميائية لعصابة سينالوا في المكسيك. إذ أعلن المدعي العام الأميركي، ميريك جارلاند، أن هذه الشركات وموظفيها تآمروا عن علم لتصنيع هذا المخدر وتوزيعه في أميركا. وإن واحدة فقط من هذه الشركات شحنت أكثر من 200 كيلوغرام من المواد الكيميائية الأولية المرتبطة بالعقار المخدر إلى أميركا بغرض تصنيع 50 كيلوغراماً منه، وهي كمية قد تحتوي على جرعات مميتة كافية لقتل 25 مليون أميركي.

العقار المخدر يصنع في الصين بشكل أساسي تم حظره فيها مؤخراً، ولكن تحايلاً على ذلك عملت الشركات الصينية على إنتاج عقار بديل له يحتوي على نسبة معينة من مكونات “الفنتانيل” ليسهل ترويجه داخل الصين وخارجها، حسب الباحث في العلاقات الدولية، والمختص بالشأن الأميركي، البروفيسور حسين الديك. مضيفا، يتم إدخال هذا المخدر إلى الولايات المتحدة الأميركية من خلال عصابات التهريب عبر الحدود المكسيكية، مستفيدة من الحدود الطويلة بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي يصعب السيطرة عليها لاعتبارات عدة.

خلال حديثه مع “الحل نت”، يضيف الديك، نتيجة لشبه استحالة منع التهريب، فالأفضل لواشنطن في هذه الحالة فرض المزيد من القيود والضوابط على المنتجين في الصين. وطبعاً، هذا ينعكس سلباً إذا استمرت العلاقة المتوترة والفاترة إلى حد ما بين واشنطن وبكين. فهناك نقاش مستمر بينهما حول هذا العقار، كما تحدث وزراء داخلية البلدين في أمره أكثر من مرة، وناقشوا المواضيع المتعلقة به. مشيراً لتجاوب صيني وصفه بالجيد والعالي المستوى للتعاطي مع هذه المسألة. 

بدورها، أشارت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، إلى أن معظم العقاقير المخدرة تنتجها عصابات “سينالوا” و”خاليسكو” بكميات كبيرة في مصانع سرية في المكسيك. فيما قالت مديرتها، آن مليغرام: “أولى أولويات إدارة مكافحة المخدرات هي القضاء على عصابتي المخدرات المكسيكية، سينالوا وخاليسكو، المسؤولة بشكل أساسي عن الفنتانيل الذي يقتل الأميركيين اليوم”.

بكين واستثمار المخدر سياسياً

الصين نفت تورطها في أي تجارة غير مشروعة تتعلق بمخدر الفنتانيل مع المكسيك، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، إنه لم يتم إخطار بلادها من قبل الحكومة المكسيكية بمصادرة أي مواد كيميائية صينية تستخدم في صنع هذا المخدر، حسب وكالة “أسوشيتد برس”. ونتيجة للدعوات المتزايدة من بعض المشرعين الجمهوريين الأميركيين لاتخاذ إجراءات أكثر حدة ضد العصابات المكسيكية، أرسل الرئيس المكسيكي، مانويل لوبيز أوبرادور، خطاباً إلى نظيره الصيني لطلب المساعدة. 

وفي ردها على ذلك، أشارت ماو بينغ، بعد التعبير عن تعاطفها مع موقف المكسيك، إلى أن بكين اتخذت بالفعل إجراءات قوية ضد “الفنتانيل”، وفرضت قيوداً صارمة على المواد المرتبطة بتصنيعه والتي تتجاوز حتى ما فعلته الولايات المتحدة. وحسب ماو: “الصين تدعم بشدة جهود المكسيك لحماية استقلالها ومعارضة التدخل الأجنبي، وتدعو الدول المعنية إلى وقف ممارسات التنمر والهيمنة ضدها، كما أننا في الوقت نفسه نأمل أن تتخذ المكسيك تدابير أقوى فيما يتعلق بمكافحة المخدرات”. 

“بأسلوب في غاية الاحترام، سنرسل هذه المعلومات لتكرار الطلب بالمساعدة”. يضيف الرئيس المكسيكي، إن بلاده تمتلك دليلاً على وصول شحنات غير قانونية من المخدر من الصين، من خلال ضبط عبوات تزن 34-35 كيلوغراماً، وفيها آثار “الفنتانيل” و”الميثامفيتامين” مخبأة في صفائح الوقود، تم اعتراضها في ميناء لازارو كارديناس على المحيط الهادئ. وكانت الشحنة قد غادرت مدينة تشينغداو الصينية ومرت عبر بوسان في كوريا الجنوبية قبل أن تصل إلى المكسيك، حسب وزير البحرية المكسيكية رافائيل أوجيدا.

الوعود الصينية والنقاشات البناءة ما بين واشنطن وبكين، أدت إلى نوع من التفاهمات الودية حول إنتاج هذا العقار في الصين أو مكوناته في بعض المنتجات الصينية من المنبع والأساس، حسب البروفيسور محمد الديك. وهو ما يمكّن الولايات المتحدة من تقليل دخوله إلى أراضيها عبر عصابات التهريب المكسيكية، التي تستغل حالة الفلتان في تلك المناطق الحدودية، مع استغلالها للحدود الطويلة والشاسعة والخلافات الأميركية الداخلية ما بين الجمهوريين والديمقراطيين على قضايا الحدود والهجرة واللاجئين من الحدود المكسيكية، كونها حدود طويلة ومفتوحة ما بين البلدين. معتقداً أن الأمور ذاهبة إلى نوع من التفاهمات الودية بين الولايات المتحدة والصين، ولن تتطور إلى أزمة كبيرة أو أزمة سياسية بسبب العقار المخدر.

ختاماً، إشكالية القضايا السياسية بين الدول المتنافسة، يجب ألا يتم توسيع مداها لتطال قضايا تتعلق بالسلامة العامة وتحصين المجتمعات ضد الجرائم، أو التهريب والاتجار وتعاطي المخدرات. وهو ما لم تراعه بكين، بتعليق تعاونها مع واشنطن بموضوع “الفنتانيل”، احتجاجاً على زيارة بيلوسي لتايوان صيف العام الماضي. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات