لا استجابة لطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الذي وُصف لاحقا بالتلميح- إرسال قوات برية من “حلف الناتو” إلى أوكرانيا بهدف دعمها ضد الاحتلال الروسي الذي دخل عامه الثالث، ولكن لماذا تم رفض الطلب الفرنسي؟ وكيف كان رد روسيا على باريس؟

القصة تبدأ هكذا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال أول أمس الاثنين، إنه يجب على الحلفاء الغربيين ألاّ يستبعدوا أي خيارات في سعيهم لتفادي انتصار روسيا في أوكرانيا، ومنها تعزيز الجانب العسكري في كييف.

دول “الناتو” تنأى بنفسها 

ماكرون أدلى بتصريحه بعد اختتام مؤتمر للقادة الأوروبيين بشأن المساعدات الأوكرانية في باريس، وجاء تصريحه في غمرة مكاسب ميدانية للقوات الروسية في شرق أوكرانيا، فضلا عن تفاقم نقص الذخائر والأفراد على الجانب الأوكراني، تزامنا مع دخول الغزو الروسي لكييف عامه الثالث.

في هذا السياق، فإن ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وبولندا وجمهورية التشيك، نأت بنفسها عن أي اقتراح باحتمال التزامها بإرسال قوات برية إلى الحرب في أوكرانيا عبر “حلف شمال الأطلسي”، إذ قال المستشار الألماني أولاف شولتس: “لن ترسل الدول الأوروبية ولا دول حلف شمال الأطلسي قوات برية إلى أوكرانيا”.

شولتس أردف، أن بلاده ستدعم أوكرانيا “لكننا سنبذل كل ما في وسعنا -وأنا كمستشار أقف مع هذا- من أجل ضمان عدم حدوث تصعيد لهذه الحرب؛ بحيث لا تتحول إلى حرب بين روسيا والناتو”، ونوه، إلى أن هذا كان دائما المبدأ التوجيهي لجميع القرارات.

المستشار الألماني، أكد أيضا رفضه لتسليم صواريخ “تاوروس” الموجهة إلى أوكرانيا، وأوضح أن الأساس في ذلك يتمثل في حقيقة أنه لا ينبغي للجنود الألمان أن يشاركوا في الحرب، وقال إن نظام “تاوروس” بعيد المدى للغاية ويحتاج على سبيل المثال إلى برمجة.

الجدير بالذكر هنا، أن صواريخ “تاوروس” تعد أحدث صواريخ سلاح الجو الألماني، ويمكنها إصابة أهدافها من ارتفاعات ومسافات كبيرة، ويمكنها تدمير المخابئ على سبيل المثال.

شولتس  قرر مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عدم توريد صواريخ “تاوروس” الجوالة إلى أوكرانيا بشكل مبدئي خوفا من إمكانية أن تصيب هذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كيلومتر، الأراضي الروسية. فيما أشار إلى أن الجزء الأكبر من الائتلاف الحاكم يؤيد إمداد أوكرانيا بهذا النظام وينتقد رفض شولتس.

موقف “الكرملين” من ماكرون

“البيت الأبيض” من جهته، قال إنه لا يعتزم إرسال قوات برية إلى كييف، لكنه حث المشرعين الأميركيين على الموافقة على مشروع قانون متعثر لتقديم مساعدات أمنية تضمن حصول القوات الأوكرانية على الأسلحة والذخائر اللازمة لمواصلة القتال.

وفي وقت سابق، رفض رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، حليف الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الغالبية الجمهورية الضئيلة في المجلس، التصويت على مشروع قرار بطلب من الرئيس جو بايدن لتخصيص نحو 60 مليار دولار لأوكرانيا.

“الكرملين” وبعد تصريحات ماكرون، قام بالتحذير من أن أي تحرك من هذا النوع -أي زج قوات برية في أوكرانيا- لأنه سيؤدي حتما إلى صراع بين روسيا و”الناتو”، إذ قال المتحدث باسم “الكرملين” دميتري بيسكوف: “هذا ليس في مصلحة هذه الدول بتاتا. يجب أن تدرك ذلك”، معتبراً أن مجرّد إثارة هذا الاحتمال يشكّل “عنصرا جديدا مهما جدا” في الصراع.

نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، قال بدوره، أمس الثلاثاء، إن الإرسال المحتمل للقوات البرية من قبل دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى أوكرانيا قد يفسر بأنه “مشاركة مباشرة للحلف في الأعمال العدائية، بل وأيضا هو إعلان للحرب”.

كوساتشوف علّق على تصريح ماكرون قائلا: “هذا الطرح يتجاوز مشاركة حلف الناتو في الحرب (لأن ذلك يحدث منذ فترة طويلة)، ولكن يمكن تفسيره على أن الحلف متورّط في الأعمال العدائية بشكل مباشر أو حتى أنه إعلان للحرب”.

عقب الرفض الأوروبي والأميركي والتحذير الروسي، ذهبت باريس إلى توضيح تصريحات ماكرون، إذ قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورن، الثلاثاء، إن ماكرون كان يفكر في إرسال قوات إلى أوكرانيا للاضطلاع بمهام محددة مثل المساعدة في إزالة الألغام وإنتاج الأسلحة والدفاع الإلكتروني.

سيغورن أوضح للمشرعين الفرنسيين، أنه “تمت دراسة طرق جديدة لدعم أوكرانيا تلبي احتياجات شديدة الخصوصية (…) وهذا قد يتطلب وجودا (عسكريا) على الأراضي الأوكرانية، دون الوصول إلى حد القتال”.

لماذا الرفض الأوروبي للمقترح الفرنسي؟

لماذا تم رفض المقترح الفرنسي؟ أسباب عديدة وراء الرفض من قبل حلفاء باريس، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية علاء مصطفى في حديث مع “الحل نت”، أهمها تجنب تمدد نطاق الحرب في أوروبا، على حد تعبيره. 

مصطفى يردف، أن الموافقة على طلب أو مقترح ماكرون، سيعني بالضرورة نشوب حرب بين روسيا و”الناتو”، وهذا ما أكدته موسكو، التي لا تتردد بالدخول في جبهة صراع ثانية، تضاف لغزوها لأوكرانيا؛ لأنها تبحث عن أقل الحجج ضد “الناتو” للاشتباك معه. 

توسع نطاق الحرب أمر لا تحتمله القارة العجوز، إذ ستأكل الحرب هذه المرة الأخضر واليابس، وستمتد تداعياتها إلى معظم أنحاء العالم، لذلك فإن قرار الرفض من قبل الزعماء الأوروبيين كان عقلانيا جدا، لأن حرب روسيا على أوكرانيا لوحدها لم تنتهِ انعكاساتها بعد، يبيّن مصطفى مُختتما.

فيما يخص الوضع الميداني للحرب الروسية على أوكرانيا، فإن موسكو تقدمت في احتلالها لمواقع قرب أفدييفكا ودونيتسك شرق أوكرانيا، بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيش بالتوغل داخل الأراضي الأوكرانية بعد مرور عامين على بداية الحرب الشاملة.

تقرير أوكراني أفاد بوقوع اشتباكات حول أفدييفكا، التي سيطرت عليها القوات الروسية الأسبوع الماضي، ومناطق أخرى يدور حولها قتال منذ أشهر، لكن التقرير لم يشر إلى أي مكاسب روسية في منطقة دونيتسك، وهي النقطة المحورية لتقدم موسكو البطيء في شرق أوكرانيا.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية صد القوات الأوكرانية بالقرب من 3 بلدات جنوبي باخموت، وهي مدينة استولت عليها القوات الروسية في أيار/ مايو الماضي، ولكن لا تزال القوات الأوكرانية تنشط فيها، مؤكدة صد 7 هجمات مضادة أوكرانية في المنطقة، ودمرت إجمالي 77 مسيرة أوكرانية.

إلى ذلك، أفادت تقارير رسمية صادرة عن كييف بأن القوات الروسية أطلقت النار على 7 أسرى حرب أوكرانيين، فيما أعلن مفوض حقوق الإنسان الأوكراني دميترو لوبينيز عبر تطبيق “تليجرام”، الأحد الماضي، أن عملية الإعدام وقعت يوم السبت بالقرب من مدينة باخموت التي استولت عليها روسيا في منطقة دونباس شرقي البلاد.

وكان الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، قال خلال مؤتمر صحفي في كييف مطلع هذا الأسبوع، أن عدد الجنود الأوكرانيين الذين قتلوا في الحرب مع المحتل الروسي بلغ 31 ألف جندي، في تصريح رسمي نادر بشأن الخسائر العسكرية التي تكبدتها بلاده خلال الحرب المتواصلة منذ عامين.

وردا على سؤال عن إمكانية هزيمة أوكرانيا وصعوبة الوضع المتوقع وارتفاع عدد الضحايا المحتمل، أشار زيلينسكي إلى أن ذلك يعتمد على دعم حلفاء كييف لها، وأردف “إذا كنا أقوياء ومسلحين، فلن نخسر هذه الحرب”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات