يمثل هجوم إيران على إسرائيل ليلة السبت الماضي تصعيداً غير مسبوقٍ بين البلدين، مما يحوّل الصراع بينهما الذي امتد لعقود من السرّية إلى العلنية، رغم أن الهجوم الإيراني لم يسبب أضراراً ملموسة في إسرائيل.
إلا أن الأخيرة كما يبدو تتوعد بالرّد، والذي إما قد يكون نهاية لهذه الجولة من الصراع أو بداية لحرب أوسع؛ لكن ما هي استراتيجية الرّد الإسرائيلي؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامها؟
مطالب إسرائيلية بالرّد
أطلقت إيران أكثر من 100 صاروخ باليستي وصواريخ كروز وأكثر من 100 طائرة بدون طيار، ما يشكل مجموعه أكثر من 300 شكل من أشكال الهجوم الجوي على إسرائيل، ورغم أن الهجوم لم يسفر عن أضرار كبيرة (إصابة طفلة مسلمة وأضرار جانبية في قاعدة نفتاليم لم تخرجها عن الخدمة)، إلا أنه من وجهة النظر الإسرائيلية فإن إيران تجاوزت الخط الأحمر مما يستلزم الرّد.
اجتمع “الكابينت” الحربي الإسرائيلي لبحث أساليب الرّد على الهجوم الإيراني، والقرار الآن في يد نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بيني غانتس.
بعد ساعات من الهجوم، بدأ المسؤولون الإسرائيليون بإطلاق تصريحات، فعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “سندافع عن أنفسنا ضد أي تهديد وسنفعل ذلك بثبات وتصميم”، وقال وزير الدفاع يوآف غالانت: “نحن مستعدون لأي تهديدات أخرى ومصمّمون على الدفاع عن مواطنينا”.
وقبل انعقاد جلسة “الكابينت”، قال غانتس: “شنّت إيران هجوماً على إسرائيل – وقابلت قوة النظام الأمني الإسرائيلي، إيران مشكلة عالمية، إنها تحدي إقليمي وهي خطر أيضاً على إسرائيل، وقد وقف العالم جنباً إلى جنب بشكل واضح. شعب إسرائيل يواجه الخطر ضد إسرائيل، والعالم ضد إيران – هذه هي النتيجة، وهذا إنجاز استراتيجي، يجب علينا تعزيزه من أجل أمن إسرائيل”.
كما تداولت أنباءٌ عن ضغط الوزيران بيني غانتس و غادي آيزنكوت على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، للقيام بهجوم مضاد على الفور، ونفى مكتب نتنياهو هذا التقرير ووصفه بأنه “عكس الواقع تماما”، وبحسب ما ورد قال غانتس وآيزنكوت إنه كلما طال انتظار إسرائيل للرد على القصف الإيراني ، قل الدعم الدولي الذي ستحصل عليه للقيام بذلك.
وأضاف التقرير أن نتنياهو اختار الانتظار حتى يتحدث مع الرئيس الأميركي جو بايدن قبل إطلاق هجوم مضاد، ونُقل عن أحد المسؤولين قوله: “كانت هناك عدة خيارات للانتقام، لكن المكالمة مع بايدن أوقفته”، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.
بينما قال مسؤول إسرائيلي لم يذكر اسمه، إنه سيتم تنسيق ردّ إسرائيل مع الحلفاء، وكما يبدو أن إسرائيل تتوعد بالرد في عمق إيران، لأن الهجوم جاء من الأراضي الإيرانية، وبحسب مصدر إسرائيلي لصحيفة “يديعوت أحرونوت: “من المستحيل أن تهاجم إسرائيل هدفاً في سوريا، رداً على هجوم جاء من إيران ومستحيل أن يحدث هجوماً من الأراضي الإيرانية إلى الأراضي الإسرائيلية، وإسرائيل لن ترد”.
في المناقشات تمت الموافقة على خطط الهجوم، والتي سيتم تنفيذها، بأمر من مجلس الوزراء الحربي، لكن لا أحد حتى تلك اللحظة يعرف متى وكيف.
فيما كتب وزير الأمن القومي اليميني إيتمار بن غفير، على موقع “إكس” (تويتر سابقا) :”إسرائيل لا يمكنها تقديم رد متخبط”، مضيفًا أن “سياسات الاحتواء انتهت في 7 تشرين الأول/أكتوبر”، بينما كتب عضو “الكنيست” جدعون ساعر: “لقد أعطى الدفاع الجوي المثير للإعجاب الليلة الماضية إسرائيل مجالًا للمناورة والمرونة الاستراتيجية، من الضروري اعتماد الصبر الاستراتيجي، فإسرائيل لا تحتاج إلى التسرّع في ردها”.
وقال زعيم حزب “العمل” المعارض، وعضو “الكنيست”، ميراف ميخائيلي: “إن إسرائيل يجب أن تستغل التعاطف الذي اكتسبه الهجوم الإيراني من أجل التوصل إلى اتفاق مع حماس لإعادة 133 شخصاً تحتجزهم كرهائن”، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”.
تحديات أمام القرار الإسرائيلي بالرّد
على الرغم من الدافع في إسرائيل خاصة من قبل اليمين الإسرائيلي بالرّد على إيران، ورغم أن نتنياهو يريد الحفاظ على الائتلاف، إلا أن قرار إسرائيل بالرد يرتبط بشكل وثيق بالموقف الأميركي الذي يريدون تجنّب حربٍ واسعة النطاق.
وتحاول واشنطن إقناع نتنياهو أن “الدفاع المبهر يُعد انتصارا استراتيجيا كبيرا، قد لا يتطلب جولة أخرى من الرّد، فضلاً عن أن إسرائيل لم تنسّق عملية الاغتيال في دمشق مع الولايات المتحدة، ولم تبلّغهم فرقة العمليات في الجيش الإسرائيلي بالعملية إلا في نفس الوقت الذي سقطت فيه القنابل على المبنى، فانفجر الأميركيون بالغضب، بحسب ما ورد في موقع “يديعوت أحرونوت”.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إنه بينما أوضح الرئيس بايدن لنتنياهو أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل “مصنوع من الحديد”، إلا أنها لن تشارك في هجوم ضد إيران. وقال بايدن لنتنياهو: “اكتفوا بالنصر ولا تردوا على إيران”.
وفي وقت سابق، قال مصدر آخر في الإدارة ومصدر أمني أميركي إن مسؤولين أميركيين كبارا يشعرون بالقلق من أن إسرائيل ستردّ بسرعة دون التفكير في العواقب.
و بالربط بين التصريحات العلنية والمؤشرات السابقة، وتحليلاً لشخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – الذي خلال عقدٍ من وجوده في الحكم – وضع إيران نصب عينيه، وجعلها هدفه، ومع رغبته في المحافظة على تحالفه الحكومي الذي يدفع نحو الانتقام من إيران، فمن الصعب التقدير بأن إسرائيل قد تتلقى هذه الصواريخ والمسيرات ولا ترد مُطلقاً.
لكن كما يبدو أن نتنياهو قد “يؤجل” الرّد حتى اللحظة المناسبة، لضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو أن تكون إيران غير مستعدة لاستقبال الرد، والثاني أن يستفيد خلال الفترة القادمة من الدعم العالمي لتحقيق خطوات إضافية في غزة.
ومن الصعب أيضاً تجاهل الشراكة الإقليمية التي لعبت دورًا في وقف الهجوم الإيراني، حيث لعب الإسرائيليون والأميركيون والبريطانيون والأردنيون وغيرهم دورًا في اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ. هذه هي بداية شراكة يمكن البناء عليها.
الكاتب المُهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، ذكر لـ”الحل نت”، أن الرّد الإسرائيلي يتعلق بمدى نجاح واشنطن في تحجيم وضبط الرّد الإسرائيلي أو فشلها في ذلك. ففي حال نجاح واشنطن في ذلك، غالبا ما سيقتصر الرد الإسرائيلي على ضرب أحد أو بعض مواقع تخزين النفط الإيراني على الشواطئ القريبة من إيران، أو ضربة نوعية لأحد وكلاء إيران الإقليميين.
ويرجح جلو، أن تكون ضد “حزب الله”، أما في حال فشل واشنطن بالضغط على إسرائيل، قد تكون الضربة الإسرائيلية موجّهة ضد أهداف عسكرية على الأراضي الإيرانية، يرجّح أن تطال مواقع تصنيع الطائرات المسيرة أو الصواريخ المواجهة.
استراتيجية الرد الإسرائيلي: ردع وليس حرب
معرفة ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه من الرد على الهجوم، سيحدد بشكل أفضل خياراتها في الرّد. كانت إسرائيل قبل هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر تتبع سياسة الاحتواء، والرّد المحدود منعاً لاندلاع حربٍ ليست ضرورية لكن هذه الفكرة تغيرت بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تبدد الوهم القائل بأن الاحتواء قادر على ردع الأعداء، فهذه هي الفكرة التي تحرّك تيار اليمين في إسرائيل.
ورغم أن قادة إسرائيل يدركون هذه الحقيقة، فإن هناك تيار آخر يحاول تجنب الحاجة إلى مواجهة إيران، خشية أن يؤدي أي هجوم انتقامي إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا، وهم التيار الذي يحاول تصوير عملية الاعتراض الناجحة للهجوم الاعتراض الناجح للطائرات بدون طيار والصواريخ على أنه انتصار كبير. ويقولون إن إسرائيل فازت في هذه الجولة من خلال حرمان إيران من صورة النصر المتمثلة في طائرة بدون طيار تضرب قاعدة عسكرية أو صاروخ يضرب ديمونة.
ويريدون الاكتفاء بأداء هندسة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي – القبة الحديدية (قصيرة المدى)، ومقلاع داود (متوسط المدى)، وسهم 2 و3 (طويل المدى) – كان أداءً ملحوظاً يوم الأحد فيما لا يمكن وصفه إلا بأنه شهادة على البراعة الإسرائيلية، وكذلك قوة التحالف مع الولايات المتحدة التي تعمل بشكل مشترك على تطوير هذه الأنظمة وتوفير التمويل اللازم لها.
لكن الحقيقة إنهم أيضاً يدركون أن حتى لو كان الدفاع قوياً فهو لايكفي لتحقيق الردع، ويدركون أيضاً إنه من الصعب ابتلاع الصواريخ دون ردّ حتى لو هادئ، والمعضلة الآن في تصميم “ردٍّ” يقود إلى ردع إيران وليس فتح حرب كبيرة.
مسؤول إسرائيلي قال لشبكة “سي إن إن” الأميركية، إن إسرائيل سترد على الهجوم الإيراني، لكن نطاق الرّد لم يُتحدد بعد. وبحسب المصدر نفسه، فإن إسرائيل لم تقرر بعد ما إذا كانت “تكسر الأدوات” أو تتصرف بطريقة أكثر اعتدالا.
وفي أحسن الأحوال، قد يقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرّد ويتخذ خطوات لمهاجمة أهداف إيرانية، ربما في إيران، بطريقة محددة واحتوائية ولن تؤدي إلى ردّ إيراني كبير آخر.
وفي أسوأ الأحوال، سيكون الرّد الإسرائيلي مكثّفاً، وسيشمل قصف مواقع إيرانية مهمة، ربما يدفع إلى مهاجمة إسرائيل مرة أخرى، لكن الافتراض أن تقوم إسرائيل بالاستفادة من الوضع الحالي والدعم الغربي، لتصل إلى اتفاق الولايات المتحدة للدخول إلى رفح والقضاء على “حماس” هناك وفي وسط البلاد، فيما تؤجّل الرّد على طهران إلى “الوقت المناسب” كما يحب المسؤولون الإسرائيليون أن يحددوه.
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس “المنتدى العربي” لتحليل السياسات الإيرانية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية: إن هذا أضخم هجوم بالطائرات المسيّرة في التاريخ، لكن إسرائيل لم تعلن عن وقوع ضحايا وقتلى لأنها لا تريد أن توسّع نطاق المعركة، وتريد أن تسدل الستار على هذا الأمر، وسيكون هناك ضغوط عربية وإقليمية لعدم توسيع المعركة في الشرق الأوسط.
ويضيف أبو النور في حديثه لـ”الحل نت”، أنه يرى أن هذه العملية لن تتوسع أكثر من ذلك، وأن إسرائيل لن ترد هذه المرة. لأن أي ردٍّ إسرائيلي سيتسبب في ردّ إيراني وهو ما قد “يُفلت” الصراع من مجرد عمليات وجولات بين الجانبين إلى حرب واسعة، وهذا سيجبر واشنطن ودول أخرى على الدخول في هذا الصراع.
خيارات الرّد الإسرائيلي
أمام إسرائيل ثلاثة خيارات للرّد، الأول والذي يعتبر قريباً من التنفيذ وهو مهاجمة البُنى التحتية التي تمّ منها الهجوم الإيراني، وهو الخيار الذي يحقق معادلة الردع دون فتح جبهة كبيرة.
فقد تقوم إسرائيل بمهاجمة البنية التحتية التي استُخدمت في الهجوم، ومراكز تصنيع الطائرات، ومستودعات القذائف، ليس فقط للتأثير على أسعار النفط، ولكن لإظهار أن إسرائيل “قادرة على الرد”.
أما عن كيفية تنفيذ هذا الهجوم، فيمكن أن يتم بالطائرات المقاتلة “الشبح” من طراز “F-35” التي بإمكانها أن تطير عبر طرق منفصلة لضرب مواقع في إيران التي تقع على بعد 1200 ميل من إسرائيل، كما من الممكن أن تستعين إسرائيل أيضاً بطائرات نسور “F-15” الإسرائيلية، وصقور “F-16” المقاتلة.
ولكن هذا قد يواجه بعض المعوّقات مثل أن هذه الطائرات قد تطير على الحدود بين سوريا وتركيا (وهي دول قد تعارض ذلك)، وقد تحلق عبر المجال الجوي السعودي (الذي من غير المؤكد إنه سيعارض) ولكن مع الآخذ في الاعتبار معارضة واشنطن للضرب قد يعقّد الوضع مع الرياض، وفي هذا الخيار ستحرص إسرائيل على عدم وقوع ضحايا بيد أن الهجوم الإيراني لم يسبب خسائر في الأرواح.
أما الخيار الثاني، وهو الذي يتفق مع رغبة نتنياهو التي استمرت لعقد وهو: مهاجمة المنشآت النووية، وهي التي اعتبرها نتنياهو منذ فترة طويلة تهديداً وجودياً لإسرائيل، لكن من الصعب الإقرار أن نتنياهو سيُقدم على هذه الخطوة بدون موافقة أميركية.
وإذا قرر نتنياهو وحكومته تبني هذا الخيار، سيكون تحدّياً كبيراً، حيث ستوجه الطائرات (السابق ذكرها) وقد يكون هناك حاجة لموجات إضافية من الطائرات للمساعدة في الاختراق عميقاً تحت الأرض لتدمير المنشآت النووية الإيرانية الكبرى في فوردو و نطنز.
ومن المحتمل أيضًا أن يستخدم الجيش الإسرائيلي عدداً كبيراً من صواريخه الباليستية أرض-أرض، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخبارية والطائرات الهجومية.
فالغرفة الرئيسية لمبنى فوردو مدفونة على عمق 80 متراً تحت الأرض، وهو العمق الذي لا يمكن تدميره على الفور إلا بالقنابل الخارقة للتحصينات التي تزن 30 ألف رطل والموجودة في الترسانة الأميركية.
ولكن حتى في ظل إدارة ترامب، رفضت الولايات المتحدة دائمًا تزويد إسرائيل بمثل هذه الصواريخ الخارقة للتحصينات، ولكن يظل هناك خيار آخر، وهو إنه ليس بالضرورة أن تقوم إسرائيل بتدمير المنشأة بشكل كامل حتى تخرجها عن الخدمة، فيمكن لسلسلة متكررة من الضربات أن تمنع وصول الطاقة الكهربائية إلى طهران، وتدفن مداخلها ومخارجها، وتقطعها عن العالم، وتحقق الهدف.
هناك أيضاً منشآت إضافية قد تضربها إسرائيل، مثل مفاعل الماء الثقيل في آراك، ومحطة تحويل اليورانيوم بالقرب من أصفهان، ومفاعلات الأبحاث في بوناب، و رامسار، وطهران، وغيرها من المنشآت التي تقدمت فيها إيران للأمام في قضايا التسلح – على الرغم من أن هذه قد تكون المنشآت ذات أولوية أقل لأنها نقاط مبكرة في دورة الأسلحة النووية.
وحول مدى الاستعداد الاستخباراتي لإسرائيل للمعلومات حول تلك المواقع، اعتباراً من منتصف عام 2023، تم الكشف أيضاً عن أن استخبارات الجيش الإسرائيلي شكّلت وحدة جديدة تضم عشرات الضباط بهدف واحد: جمع وتقييم المعلومات الاستخبارية لتطوير بنك أهداف ضخم لضرب إيران بما يتجاوز برنامجها النووي فقط، فيمكننا الجزم بأنهم مستعدون.. ولكن السؤال هو: هل تريد إسرائيل أن تصعّد إلى هذا الحدّ في ذلك الوقت؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.