تساؤلات عديدة تثارُ حول تحقيق الحزب الحاكم في موريتانيا فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية والإقليمية والبلدية التي جرت قبل أيام قليلة. وبحسب النتائج الرسمية المؤقتة التي نشرت يوم أمس الأحد، فاز الحزب الذي يتزعمه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بأكبر عدد من المقاعد النيابية، وهو ما يعزز سلطته في البلاد، فيما نددت المعارضة بما وصفته ” التزوير الكبير”.

التساؤلات تدور حول دلالة ومعاني انتصار الحزب الحاكم في البلاد بهذه النتيجة الكبيرة، وما إذا كان يمكن اعتبارها بداية للسيطرة على المشهد السياسي للبلاد، أم ثمة شيء آخر يقف وراء ذلك، وفي ظل شجب أكثر من عشرة أحزاب من الأغلبية الرئاسية من أوجه القصور وضعف أداء اللجنة الانتخابية المستقلة ودعوتها إلى إعادة التصويت في عموم البلاد خلال مؤتمر صحفي، ما احتمالات إعادة الانتخاب وهل ستكون هناك أدوات لتكون الانتخابات مستقلة كما ترنو إليها المعارضة.

على ضوء نتائج الانتخابات قررت المعارضة الخروج واللجوء إلى الشارع من خلال تنظيم مهرجان احتجاجي يوم الخميس المقبل، بالتالي ما فرص قيام احتجاجات شعبية في موريتانيا، بجانب احتمالات حدوث أزمة سياسية حادة بين الحكومة والمعارضة، والآثار المترتبة على البلاد بشكل عام.

نتائج الانتخابات بـ موريتانيا

الانتخابات الموريتانية هدفت إلى اختيار 176 نائبا و13 مجلسا إقليميا و238 مجلسا بلديا، قبل عام واحد من الاقتراع الرئاسي. وفاز حزب الأغلبية الرئاسية “الإنصاف” بقيادة الغزواني، الحاكم منذ آب/أغسطس 2019، بثمانين مقعدا في “البرلمان”، وفق النتائج التي تلاها رئيس “اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة”، داه عبد الجليل.

الانتخابات في موريتانيا- “وسائل الإعلام”

في حين حصلت عشرة أحزاب أعضاء في الحركة الرئاسية على 36 مقعدا، وفازت المعارضة بـ 24 مقعدا منها تسعة لحزبها الرئيسي “التواصل الإسلامي”. ويفترض أن تجرى دورة ثانية في 27 أيار/مايو الجاري لنصف مقاعد المجلس البالغ عددها 176 مقعدا، نظرا لوجود نظامين انتخابيين تبعا لأنواع الدوائر، وفقا لما نقلته “فرانس برس“، يوم أمس الأحد.

كذلك، فاز الحزب الحاكم بالمجالس الإقليمية الـ 13 وتقدم في 165 بلدية من أصل 238. في حين توزعت أحزاب الغالبية الرئاسية والمعارضة باقي مقاعد البلديات. وبلغت نسبة المشاركة 71,8 بالمئة في هذه الانتخابات التي شارك فيها 25 حزبا سياسيا. وعلى المحكمة العليا المصادقة على الأرقام الإجمالية الرسمية.

بهذا المعنى فقد حسم الحزب الحاكم، معظم الدوائر الانتخابية، حتى تلك التي كانت إلى وقت قريب تُعتبر معاقل تقليدية لأحزاب المعارضة. بالتالي هذا الأمر أشعل الجانب المعارض بالتزامن مع تحذيرات من اندلاع أزمة سياسية حادة، إذا لم تتم معالجة الأزمة الانتخابية الحالية في إطار تشاوري، إلى جانب مطالب أخرى مثل عقد اجتماع للجهات المسؤولة عن الانتخابات لحلحلة الموضوع قبل بدء الدورة الثانية، وناشد آخرون رئيس البلاد بالتدخل، وفق تقارير إعلامية.

المحلل السياسي المتخصص بالشأن المغاربي، إدريس أحميد، يقول إن موريتانيا من الدول الفقيرة في القارة الإفريقية والدول العربية بشكل عام. من خلال الأحزاب السياسية أو الوعي السياسي رغم وجود أزمة اقتصادية في البلاد. وقد عانت فترات عدة من عدم الاستقرار والانقلابات، لكن السنوات الأخيرة شهدت استقرارا سياسيا وأجريت انتخابات في عدة مرات، تميزت بها دولة موريتانيا ومجتمعها، سواء من خلال الأحزاب السياسية أو الوعي السياسي، حتى لو كانت هناك أزمة اقتصادية في البلاد.

خاصة وأن الرئيس الحالي جاء عبر انتخابات وليس بانقلاب عسكري أو بوسائل غير شرعية، وهكذا اتسمت موريتانيا في السنوات الأخيرة بالاستقرار السياسي وإحدى أفضل الديمقراطيات في الوطن العربي. ولعل الانتخابات النيابية والبلدية والإقليمية الأخيرة خير دليل على وجود حراك سياسي وحزبي ووعي لدى المجتمع الموريتاني رغم أن هذا المجتمع يعاني من النزعة الجهوية والقبلية، حسبما يوضح أحميد لموقع “الحل نت”.

لكن هذا الحراك والزخم أعطى موريتانيا والعملية السياسية هناك دورا مهما في مواصلة إجراء الانتخابات، خاصة الإقبال الكبير من المواطنين في الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى مشاركة الأحزاب المتعددة، بما في ذلك الموالية والمعارضة، على الرغم من وجود بعض الانتهاكات بحسب تعبير أحميد.

دولة ناشئة للديمقراطية

حزب “الإنصاف” كان الوحيد الذي قدم مرشحين في جميع الدوائر، والحزبان الرئيسيان المنافسان له كانا “التواصل الاسلامي”، و”الصواب” ذا الميول القومية العربية الذي يستفيد من تحالفه مع الناشط المناهض للعبودية بيرام ولد الداه ولد عبيدي، الذي حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

أحزاب المعارضة على إثر معارضتها بحدوث خروقات في الانتخابات، قالت خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة، الماضي، أنها تنوي التظاهر الأسبوع المقبل للتنديد بالنتائج والمطالبة بإعادة التصويت في نواكشوط وبوتليميت الواقعة على بعد 150 كلم شرق العاصمة.

بحسب تقدير أحميد، فإن أي عملية انتخابية في دول المنطقة تشوبها انتهاكات، وستفترض المعارضة بالتأكيد أن هناك عملية تزوير فيها، وهذا أمر طبيعي في العمليات الانتخابية، خاصة في الدول الناشئة للديمقراطية. ولذلك أصبحت الانتخابات في موريتانيا بحسب أحميد، بشكل جيد، لما له من مشاركة لبرلمانيين جدد، وبالتالي ستشهد البلاد المزيد من التفاعل والعمل السياسي الذي يميّز موريتانيا بكفاءاتها وأحزابها ونُخبها، وهذا يصب في مصلحة الديمقراطية هناك.

لذلك، مسألة توجه الحكومة لإعادة الانتخابات أمر مستبعد، خاصة وأن الدولة لا تملك هذه الإمكانيات التي تخوّلها لإجراء الانتخابات عدة مرات، فضلا عن أن النتائج كيفما كانت فإنها لا ترضي جميع الفرقاء السياسيين. إلا أنه قد تكون هناك جملة من الاجتماعات والتشاورات بغية التوصل إلى صيغة تفاهم مع أحزاب المعارضة، خاصة وأن الحزب الحاكم هو الهيئة السياسية الوحيدة التي استطاعت تغطية كافة الدوائر الانتخابية بمرشحين عنها، مستهدفة حصد غالبية المقاعد في هذه الاستحقاقات.

بالتالي يرى أحميد أن الانتخابات بهذا الشكل الحالي وفي هذا الوقت الراهن لما تشهده البلدان المجاورة والعربية عموما من قمع وتضييق للحريات، فإن موريتانيا والتي هي في بداية ظهور الديمقراطية وتعزيز العملية السياسية تسير نحو الاتجاه الصحيح في مسار العملية الانتخابية.

هذا وتعد هذه أول انتخابات تُجرى في عهد الرئيس الغزواني، الذي وصل إلى القصر الرئاسي في 2019 خلفا لمحمد ولد عبد العزيز.

مكاسب سياسية؟

رئيس “اللجنة المستقلة للانتخابات” أعلن في مؤتمر صحفي يوم أمس الأحد في مقر اللجنة بنواكشوط، أن نتائج الدور الأول تم حسمها في 40 دائرة برلمانية، بينما تأجل الحسم في 22 دائرة إلى جولة الاعادة. وقال ولد عبد الجليل إن الاقتراع حُسم في جميع المجالس الجهوية وفي البلديات ما عدا بلدية واحدة سيجري فيها التصويت في جولة الإعادة، موضحا أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم بلغ مليونا و177ألفا و835 ناخبا من أصل مليون و786 ألفا و488 ناخبا سُجلوا على اللائحة الانتخابية.

كما أشاد بالمشاركة الكبيرة للشعب الموريتاني بهدوء وانضباط في عملية التصويت. وقال إن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة تشارك الطبقة السياسية الإرادة القوية والطموح لتنظيم انتخابات عادلة مشيرا إلى الصعوبات الهائلة التي واجهتها في تنظيم هذا الاقتراع الثلاثي.

هذا وجرت الحملة في أجواء هادئة. وأتاح حوار بين المعارضة والسلطات مطلع العام التوصل إلى توافق بشأن تنظيم الانتخابات. ويعتمد الرؤساء الموريتانيون دائما على الأغلبية القوية في المجلس منذ إدخال نظام التعددية الحزبية في 1991.

بالعودة إلى أحميد فقد أشار إلى أنه في الانتخابات الحالية كانت هناك انتخابات جهوية، وهي فكرة جديدة بعد حل “مجلس الشيوخ” الموريتاني، حيث إن اختصاصه كان العمل على تنمية المناطق والأقاليم، وهي خطوة تؤكد أن موريتانيا تسعى للنهوض والتنمية، وهي خطوة مهمة تسير أيضا في اتجاه تعزيز العمل السياسي والاهتمام بالقضايا المحلية، ويرى أحميد أن البلاد بهذه الطريقة تتجه نحو الديمقراطية أكثر فأكثر.

اخبون ينتظرون أمام مركز للاقتراع في العاصمة الموريتانية نواكشوط في 13 أيار/مايو 2023 afp_tickers

أما بالنسبة للخروقات الي حدثت في الانتخابات فليس بالضرورة حتما أن تقف وراءها الحكومة ذات الحزب الحاكم، فربما تقف جهات أخرى وراءها، خاصة وأن رئيس حزب “الإنصاف” الحاكم، محمد ماء العينين ولد أييه، أبدى انزعاجه إزاء الاتهامات التي طالته بإحداث تزوير في الانتخابات، في الوقت الذي يريد فيه الحزب حصد ثقة وتأييد الشارع الموريتاني، خاصة لما أدخل ممثلين يمثلون كافة الشرائح، وفق بعض المراقبين.

الأطراف الأخرى التي ربما تكون قد تسببت في حدوث خروقات في الانتخابات قد تكون راجعة إلى رغبة البعض في خلق توترات في البلاد، لا سيما أن بعض أحزاب المعارضة هددت فورا بالنزول إلى الشارع وإقامة احتجاجات شعبية، مما يدل على رغبتها في الحصول على مكاسب سياسية في الحكومة المقبلة، خاصة أنها طالبت بعقد اجتماعات مع السلطات وطالبوا الرئيس بالتدخل. وبالتالي أمر حدوث أزمة سياسية حادة بين الحكومة والسلطات غير مرجح، ربما تحصل بعض التوترات السياسية، ولكنها لن تطول.

لذلك، يأمل أحميد أن يستفيد المواطنون من العملية السياسية هذه والتي قامت بشكل جيد، وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى تسيّد التيارات القبلية والجهوية، خاصة الحكومة استطاعت أن تتجه نحو إجراء الانتخابات بشكل مقبول جدا مقارنة بدول الجوار، إذ إنها اعتمدت على الانتخابات التي شارك فيها جميع الأطراف.

هذا وكان الناطق باسم اللجنة، محمد تقي الله ولد الأدهم، قال في تصريحات نقلها موقع “صحراء ميديا” المحلي، إن اللجنة لم تلاحظ حتى الآن ما يشكك أو يهز مصداقية الانتخابات، رغم صعوبة العملية الانتخابية، مضيفا أن اللجنة لم تصلها أي طعون رسمية من الأحزاب.

الغزواني والذي يبلغ من العمر 66 عاما ويعد من أكبر مهندسي نجاح موريتانيا في مواجهة التيار المتطرف منذ 2011 عندما كان قائدا للجيش، حرص على الامتناع عن الحديث عن إمكان ترشحه لولاية ثانية، لكن ذلك يبدو مؤكدا في موريتانيا. ورأى آدم هيليلي المحلل في “المجموعة الاستشارية الأميركية المتخصصة بإفريقي”، (14 نورث ستراتيجيز) أن حزب “الإنصاف” سيحقّق أغلبية في كل الانتخابات، وسيعزّز الرئيس الغزواني فرص إعادة انتخابه في 2024.

الغزواني بعد التباطؤ الاقتصادي بسبب جائحة “كوفيد-19” ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، وضع مكافحة الفقر على رأس أولوياته. وقد نفّذ برنامجا اجتماعيا طموحا تضمن توزيع المواد الغذائية والمال على الفئات الأكثر فقرا. ويعد ارتفاع كلفة العيش أحد الهواجس الرئيسية للناخبين.

بالتالي، فإن هذا يشير إلى أن الأحزاب المعارضة لنتائج الانتخابات قد ترغب في تحقيق مكاسب سياسية، في ظل عدم فوزها بأكبر عدد من المقاعد، أو الفوز بأصوات وثقة الشارع الموريتاني، وهو ما لا يرجح أن يؤدي إلى حدوث موجة من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة أو أزمة سياسية حادة في البلاد، ولكن كل الاحتمالات مفتوحة، وسط سعي بعض الأطراف الخارجية بتوطيد نفوذها في موريتانيا مؤخرا، نظرا لموقعها الاستراتيجي كبوابة دخول لقارة إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات