المراكز الثقافية “الحوثية”: سمٌّ قاتل لتغيير الهوية اليمنية ودعم معركة المد الإيراني

تواصل ميلشيات “الحوثي”، منذ سنوات مضت، عبر عدة فعاليات تنشط في شهور الصيف وبعد انتهاء العام الدراسي نحو تأسيس مجموعات موالية لهم من خلال الدعم المالي واللوجيستي الذي يستقبله من إيران لربط الواقع الأيديولوجي والمذهبي فيما بين طهران والمجتمع اليمني.

يحشد زعيم التنظيم الولائي المدعوم من إيران عبد الملك الحوثي، جملة المصالح المختلفة، السياسية والإقليمية والأيدولوجية، من خلال تلك المراكز والمخيمات الأفكار الخاصة بولاية الفقيه، حيث يتم تنفيذ حملات دعائية مكثّفة لزيادة عدد المشاركين ومراكمة توظيف المدارس النظامية، وبعض المدرسين، وكذا المساجد كنقاط استراتيجية لاستخدامها نحو ذات الهدف المؤدلج والمسيّس.

حرب ثقافية على اليمن

مصادر يمنية متطابقة، أشارت أن ميلشيا جماعة “الحوثي” تهدف بشكل مباشر نحو توظيف انتهاء العمل الدراسي والطلاب الراسبين والضغط على أولياء الأمور لضرورة إرسال أبنائهم والطلاب لتلك المراكز الثقافية، وكذا بعض المدرسين الموالين لهم من تلك المدارس للعمل والانتظام في مقراتهم الخاصة لتكريس الهوية الطائفية، ومن ثم، خلق مجموعات وظيفية تعكس هوية مذهبية داخل المجتمع اليمني.

يمنيون يهتفون بشعارات أثناء مشاركتهم في مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، في 19 أبريل/نيسان 2024، صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/غيتي)

إلى ذلك، أضافت المصادر التي تحدثت لـ”الحل نت”، أن عبد الملك الحوثي ومن ورائه مؤسسات إيرانية مرتبطة بالكيانات الداعمة للمراكز الثقافية والدينية العسكريتارية التابعة والتي تُعد ضمن أذرع “الحرس الثوري” الأيديولوجية، يهدفون بشكل رئيس إلى “دعم جبهات القتال نحو بؤر التوتر بهؤلاء الشباب المؤدلجين برؤاهم وأفكارهم”. 

فيما تعتمد تلك المراكز الصيفية على عدد من المؤلفات منها مؤلف لمؤسس الجماعة “الحوثية”، بدر الدين أمير الدين الحوثي، وعدد من الكتيبات الخاصة لحسين بدر الدين الحوثي. 

في هذا السياق يشير الدكتور نجيب غلاب، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، إلى أن المراكز الصيفية التي يشتغل عليها جماعة “الحوثي” تسير باتجاه واحد ومركزي، مفاده دعم مصالح إيران في استيعاب المجتمع اليمني وتطييفه بعيداً عن هويته الثقافية والتاريخية، الأمر الذي بدا واضحاً في خطاب عبد الملك الحوثي مؤخراً مما يصيغ مسار تهيئة جيل جديد يعمل من خلال هذا المسار وذلك الهدف.

يتابع غلاب في إطار حديثه لـ” الحل نت”، بقوله إن النتيجة المنتظرة لجماعة “الحوثي” من خلال نواتج تلك المراكز الصيفية والمخيمات التي تقيمها من خلال الجغرافيا التي تفرض سيطرتها ونفوذها عليها، هي أن يحارب هذا الجيل العالم ابتداءً من أبناء وطنه، ولا ينظر لهم سوى من الناحية الطائفية، ثم يصبح الصراع على أساس الاقتتال الهوياتي. 

ليس ذلك فحسب، بل الانتقال لمحيطه الجغرافي والسياسي في الشرق الأوسط الذي يقع تحت وطأة “الحرب المقدسة”، وفي النهاية يتم تعميم سردية طهران للعداء نحو الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما باعتبارهم ضمن “قوى الاستكبار العالمي.

على جبهة غير عسكرية

“الحوثيون” من خلال تلك المخيمات والمراكز الصيفية الثقافية، يهدفون إلى أن يرتهن أبناء الشعب اليمني في قائمة “المخزون الاستراتيجي” لنظام ولاية الفقيه، عبر عشرة آلاف مدرسة ومركز صيفي، ينتح نحو مليون طالب من خلال أن يخرج من هذه المدارس “مجموعات مؤدلجة” بفكرة الولاية ويؤمنون بقضاياهم السياسية والدينية.

بائع متجول يمني يبيع لافتات تصور زعيم الحوثيين عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، في 19 أبريل/نيسان 2024، صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

زعيم الميليشيا عبد الملك الحوثي، ألقى كلمة بهذه المناسبة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة أشار فيها إلى أن ما يميز تلك الدورات الصيفية التي تقيمها جماعته أنها “تأتي على أساس الهوية الإيمانية للشعب اليمني” بحسب تعبيره. لا سيما مع توسع جماعة “الحوثي” نحو افتتاح عدد كبير من تلك المراكز الثقافية في مختلف المحافظات اليمنية خاصة ذمار والحديدة وإب وصعدة.

من جانبها حذرت الحكومة من مخاطر فتح الميليشيا مئات المعسكرات الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها لاستدراج وتجنيد الأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية.

وزير الإعلام معمر الإرياني، أوضح أن الميليشيا تنفذ حملات الحشد والتعبئة، مطالباً المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالقيام بمسؤولياتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية والتحرك لوقف التجنيد الجماعي للأطفال، بحسب منشور جاء على منصة “إكس” (تويتر سابقا).

بدوره يلفت عضو مشاورات الرياض ومستشار وزير الثقافة والسياحة اليمني، الباحث السياسي ثابت الأحمدي، إلى ضرورة أن نسمي الأمور بمسمياتها. إذ ليست هناك مراكز ثقافية بالمعنى القاموسي والثقافي لمصطلح: “مراكز ثقافية”.

ويتابع الدكتور الأحمدي لـ”الحل نت”، أن ثمة معسكرات صيفية حربية للطلبة الذين يتم تجميعهم من مختلف المناطق إلى مراكز معينة، ثم حشو أدمغتهم بالخرافات والأساطير السلالية الزائفة التي تقدس فكرة الوصاية والولاية وآل البيت. 

وعلى هامش هذه التعبئة يمارس الطلبة ــ وكلهم في سن المراهقة ــ بعض الأنشطة التي يصح أن نسميها ترفيهية من قبيل المجاز فقط، وإلا فلا ترفيه أساسا في بيئة حربية عدوانية.

تغيير هوية الأجيال

اليوم، يتم تفخيخ جيل كامل، أي صناعة ألغام بشرية متحركة، هي خطر على نفسها قبل أن تكون خطرا على غيرها. لم تعد تهدد اليمن فقط، ولكن الجزيرة العربية قاطبة، حسبما يوضح عضو مشاورات الرياض ومستشار وزير الثقافة والسياحة اليمني. 

المراكز الثقافية الحوثية سم قاتل لتغيير الهوية اليمنية ودعم معركة المد الإيراني (4)
متظاهر يمني يرفع لافتة مكتوب عليها “هجمات إيران على إسرائيل أسعدت المسلمين” أثناء مشاركته في مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، في 19 أبريل/نيسان 2024، صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/غيتي)

ويردف الأحمدي: “لقد ابتدأت هذه المراكز الثقافية في مناطق قصية ونائية على مرأى ومسمع من الدولة، وكانت الدولة تقول: ما عساهم أن يفعلوا؟ مجرد شباب مراهقين، يرددون شعارات خرافية. وما هي إلا سنوات قليلة حتى سطوا على الدولة وأسقطوها. واليوم ها هم في العاصمة صنعاء، بالآلاف، إن لم يكن أكثر، ولا شك أن مشاريعهم أصبحت عابرة لليمن”.

من منظور نفسي يشير الدكتور ثابت الأحمدي، أن الأفكار التي يتلقاها الطلبة في الدورات الخاصة، وفي مثل هذه المراكز الثقافية أكثر ثباتا في الذهن، وتعلّقا بالنفس من الأفكار التي يتلقاها الطلبة في “التعليم الصفي”- الرسمي -بحكم رتابة المناهج التعليمية، ورتابة النشاط المدرسي نفسه، بصرامة التقاليد المدرسية المعروفة. 

وقد سمعنا كثيرا خلال السنوات السابقة أن بعضا من طلبة هذه المراكز الثقافية أو الدورات قد عاد إلى قريته وقتل أباه أو أمه أو صديقه أو قريبه، لمجرد الخلاف، أو لأنه ذكر جماعة “الحوثي” على حقيقته بكلمة نابية.

صناعة الطائفية وعسكرة الهوية

مرة أخرى نحن اليوم أمام خطر لا يتهدد “اليمن فحسب؛ بل المنطقة كاملة. ونحن أمام ثقافة جديدة يتم استزراعها لا علاقة لها بالثقافة الإسلامية الصحيحة، ولا بالثقافة العربية، وإنما جزء من الثقافة الخمينية الإيرانية لتقويض أمن الجغرافيا المتاخمة، وبالأحرى المنطقة كلها”. يقول الأحمدي.

فيما يبين أن ثمة أنشطة مصاحبة غير معلنة، يتم فيها التركيز على الشباب النابهين، للاهتمام بهم وتسفيرهم إلى إيران أو لبنان، وأيضا على الشباب الذين لديهم فائض من النشاط والحركة للزّج بهم في المعركة، خاصة حين يسلمونه بندق “الكلاشنكوف” والتي يشعر معها بشيء من انتشاء المراهق، فيصبح ــ من ثم ــ مشروع قاتل أو مقتول.

يختتم الأحمدي تصريحاته لـ” الحل نت”، أن عدة مواسم عملت من خلالها تلك المراكز الثقافية الصيفية التي تتبع “الحوثي” وفيها يتم حشو أدمغتهم بأدبيات خرافية دينية، هي من صلب الثقافة الشيعية الخمينية المعاصرة، ولا علاقة لها بالثقافة الإسلامية الصحيحة. 

والخلاصة هذه معسكرات حربية لا مراكز ثقافية، يتم الزّج بهم بعدها في الجبهات للقتال.

تبديد الانتماء الوطني

في المحصلة يتفق حديث الساسة اليمنيين مع تقرير حقوقي أميركي، أكد أن محتوى المناهج التي تدرّسها جماعة “الحوثي” للأطفال اليمنيين في المراكز الثقافية الصيفية تقدس الموت وتكرس ثقافة العنف والكراهية داخل المجتمع. 

المراكز الثقافية الحوثية سم قاتل لتغيير الهوية اليمنية ودعم معركة المد الإيراني (1)
بائع متجول يمني يبيع لافتات تصور زعيم الحوثيين عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال مظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، في 19 أبريل/نيسان 2024، صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

وقال المركز الأميركي للعدالة (ACJ) في تقرير بعنوان “صناعة العنف والكراهية” إن “محتوى المناهج التي تدرّسها جماعة “الحوثي” للأطفال في المراكز الصيفية وما تتضمنه من مفردات وتعاليم تكرس ثقافة العنف وتقدس الموت وتدعو إلى العنف والكراهية والفرز المجتمعي. 

التقرير أوضح، أن هذه المناهج مليئة بالشعارات الطائفية للجماعة ومواقفها من الجماعات الأخرى وأنشطتها الدعائية والتحريض على العنف والقتل والحث على جهاد الأعداء.

بيّن التقرير أن المراكز الصيفية تنقسم إلى نوعين: المفتوحة وهي الغالبية العظمى ويتم فيها الاهتمام بالثقافة العسكرية التعبوية والمشاركة في فعاليات ومناسبات جماعة “الحوثي” كزيارة مقابر قتلاها، والمراكز المغلقة وهي أشبه بمعسكرات التجنيد ويتم فيها تهيئة الملتحقين بها بالتدريب على استخدام الأسلحة والأساليب القتالية وتنفيذ الحملات عبر الإنترنت ومشاهدة فيديوهات تحريضية ضد المناوئين للجماعة.

من جانبه، يذهب الكاتب اليمني، همدان العلي، أن المراكز الصيفية التي يعمل من خلالها جماعة “الحوثي” تؤدي إلى طمس الهوية الثقافية والتاريخية للشعب اليمني عبر تغيير معتقدات اليمنيين بهدف مشروعهم السياسي، وتبدّل هوية الشعب نحو التشيع خاصة أبناء المراحل العمرية في سنّ الشباب والمراهقة.

يتابع همدان العلي، صاحب كتاب “الجريمة المركبة أصول التجويع العنصري في اليمن”، حديثه لـ”الحل نت”، أن “المراكز الصيفية التي تعمل من خلالها استراتيجية الحوثي في اليمن هي مصانع الإرهاب في البلاد”.

إن الميليشيات “الحوثية” تقيم آلاف المخيمات والمراكز الثقافية في مناطق سيطرتها وتسعى إلى استقطاب الأطفال وغسل أدمغتهم وتحويلهم كوقود نحو الجبهات الساخنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة