ربما لا تحتاج لبذل أي جهد لتدرك أن العاصمة اللبنانية بيروت قد بدّلت وجهها الممتلئ بكافة تفاصيل الحياة إلى العبوس والارتباك وتوقع الأسوأ دائماً في حالة من الامتعاض، وأن معيشة المواطنين قد أضحت في ضيق وتدني وقلق.

تلك المشاعر التي تلمسها على خلفية التوترات الميدانية في الجبهة الجنوبية مع تصاعد وتيرة الأعمال الخشنة بين “حزب الله” وإسرائيل. وتوجه الأول الاستراتيجي نحو العمل كجبهة إسناد لحركة “حماس” وجناحها العسكري في غزة. فضلاً عن كون ذلك تحرّكٌ تكتيكي من “حزب الله”، لدعم توجهات طهران السياسي نحو حشد دور تفاوضي في هذا الملف يضمن لها حيّز جيوسياسي في جغرافيا الشرق الأوسط.

لبنانيون وتوقع الأسوأ

كانت رحلة الثلاث أيام إلى لبنان كافية ليرى القادم إليها أن المواطن اللبناني عبر كافة مدنه ومناطقه يضجر من تراكم الأزمات التي ارتفعت حدّتها خلال الشهور الأخيرة، خاصة مع انخفاض وصول الكهرباء الحكومية إلى ساعتين فقط في اليوم، وتركهم لمافيا المولدات الكهربائية بقية ساعات اليوم، والتي تكلّف الأسرة اللبنانية حوالي 200 دولار كمتوسط في فصول الصيف، لا سيما مع موجات الحرارة المرتفعة ونسب الرطوبة العالية بحسب عدد من المواطنين.

زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله – إنترنت

مواطنون كُثر تحدثوا إلى “الحل نت” معبرين عن غضبهم الشديد من تردي الأوضاع في لبنان بشكل عام وتفاقم ذلك السوء خلال الشهور الفائتة. 

وحسم هؤلاء حديثهم أن تلك الطغمة الفاسدة – حزب الله وشركاؤه في الحكم – والتي ترفع شعارات المقاومة وتجر البلاد لسيناريو الحرب هي من تدير مافيا المولدات في مناطقها، بينما لفت آخر إلى أن عدد المنازل التي تهدمت في الجنوب وصلت لأكثر من ألفي منزل حتى اللحظة. 

وثمة آخرين تصلهم الأموال أينما كانوا مما يمايز وضع التداعيات الحياتية بين أبناء البلد المواطن على حساب الهوية والطائفة والانتماء المذهبي.

أفاض كثيرون ممن التقى بهم “الحل نت” بشكل منفرد عن صعوبة الحصول على مقتضيات المعيشة؛ نظراً للارتفاعات المتوالية في أسعار كافة السلع فضلاً عن قدرة الدولة على توفيرها خلال هذه الفترة ومصاعب الاستيراد. 

صرخة في وجه نصرالله

في هذا الإطار، تحدث المرجح الشيعي اللبناني العلامة، علي الأمين، قائلا: إن لبنان يمرُّ  بأوضاع صعبة على المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، وكذا على المستوى السياسي إذ يعاني لبنان من فراغ دستوري في ظل حكومة تصريف أعمال بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من سنة.

المرجح الشيعي اللبناني العلامة، علي الأمين يمين والكاتب والباحث المصري المختص في شؤون التطرف الديني يسار، رامي شفيق - "الحل نت"
المرجح الشيعي اللبناني العلامة، علي الأمين يمين والكاتب والباحث المصري المختص في شؤون التطرف الديني يسار، رامي شفيق – “الحل نت”

وقد زادت حدّة الحرب المحدودة في جنوب لبنان من صعوبات الأوضاع، وأضاف الأمين في إطار حديثٍ خصّ به “الحل نت”، أنه مع الخسائر شبه اليومية بالأرواح والممتلكات منذ اندلاعها، يخشى أن تتسع رقعة الحرب كما تتحدث التقارير المختلفة، في ظل ما “نشهده من عدم استعداد الدولة اللبنانية لهذه المواجهة، وكذلك حزب الله، حيث إن الحرب مع تل أبيب غير متكافئة، كما شهدنا فصولها في حرب تموز 2006 وكما نشهده اليوم في غزة”. 

هذا بحسب المرجع الشيعي، ما يجعل لبنان يدفع الأثمان الباهظة التي لا يمكن أن يتحملها ومن دون أن تؤدي هذه الحرب على أرضه ومن أرضه إلى وقف الحرب والمجازر عن غزة،  كما نراه في المشهد الحاضر، وقد استمرت الحرب المدمرة على غزة واستمرت فيها “مجازر” الأطفال والنساء والشيوخ، واستمر القصف والتدمير على مناطق في جنوب لبنان وغيره.

وبسؤال صاحب كتاب “لبنان دولة الطائفة أم دولة الإنسان” عن أزمة المواطن اللبناني عامة وفي الجنوب بخاصة من تطورات الأوضاع وسيطرة اللادولة وهيمنة “حزب الله” على لبنان، أشار قائلاً: إن “حزب الله دخل الحرب من جنوب لبنان دون الرجوع إلى الدولة اللبنانية، ومن دون الرجوع إلى رأي عموم اللبنانيين”.

“حزب الله” من خلال امتلاكه لأدوات القوة العسكرية وارتباطه بإيران لا يرى نفسه ملزماً بالرجوع إلى الشعب وإلى الدولة، وهنا تكمن الأزمة، فهو لا يرى مرجعية للدولة  اللبنانية في اتخاذ القرارات المصيرية، والناس الذين لا تحميهم الدولة والمتواجدون في أماكن هيمنة “حزب الله” والمتحالفين معه لا يمكنهم الإعلان عن رفضهم لقرار الحرب الذي اتخذه الحزب، فيتحملون النتائج من دون أن يكون لهم رأي في الأسباب. وهذا ما ينعكس أزمة للمواطنين في جنوب لبنان وغيره من المناطق اللبنانية، وفق الأمين.

رسالة الأمين لنصرالله

بسؤال المرجع الشيعي، علي الأمين، عمّا إذا كانت له ثمة رسالة للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، في تلك اللحظة الحرجة، فماذا عساه يقول، فيجيب الأمين: “ما أقوله اليوم هو ما قلته قبل حرب تموز في 2006 وبعدها (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)”. 

حسن نصر الله حزب الله لبنان إيران النظام الإيراني الحرس الثوري فيلق القدس إسماعيل قآاني إسرائيل لبنان
جندي إسرائيلي يرتدي رقعة على ظهر سترته الواقية تظهر زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كهدف، يقف أمام مدفع هاوتزر ذاتي الدفع في الجليل الأعلى في شمال إسرائيل. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

ويردف الأمين، “نحن في لبنان جزء من العالم العربي، ولبنان ملتزم بقرارات الجامعة العربية، فإذا اختاروا الحرب فنحن جزء منها، يصيبنا ما يصيبهم، وإن لم يختاروا الحرب فلا يمكن للجزء أن يتحمل تبعات الحرب وحده، لأنها ستكون حرباً غير متكافئة، وستؤدي إلى تدمير هذا الجزء، من دون أن يكون ذلك مفيداً لغزة”. 

ما يفعله “حزب الله” وفق الأمين، يجرّ على لبنان وشعبه إلى أكبر الأخطار ولا تدفع عن غزة وأهلها ما يحصل من القتل والأضرار، مضيفا “ولا ينبغي أن نكون جراء تلك المغامرات أضاحي لشطط حزب الله و تبعيته المطلقة لمصالح إيران الاستراتيجية دون حساب لمصالح لبنان ومواطنيه”.

الحقيقة المرّة

بحسب الأكاديمي اللبناني باسل صالح، فإن الأزمه مع “حزب الله” ليست جديدة، بل قديمة تبدأ بـ هيمنته على الدولة، وسياسة تعطيل كافة مفاصلها ومؤسساتها (وآخرها تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية)، ومصادرته قرار الحرب والسلم، ومشاركته في قمع الشعب السوري، وتدخّله في العراق واليمن… وأخذه البلاد رهينة للمصالح الإيرانية.

لكن ما يزيد الطين بلّة، هو أن “حزب الله” دخل اليوم في هذه الحرب دون مشاورة أحد، ودون أي اعتبار لوضع اللبنانيين الداخلي الذين يرزحون تحت انهيار تام وكامل منذ العام 2019.

وبالتالي، “فإن المشكلة اليوم هي مشكلة مضاعفة، مشكلة الأزمة المعيشية، وفي نفس الوقت مشكلة ناتجة عن الحرب والمخاطرة بحياة اللبنانيين، وبأمنهم الشخصي، بمواجهة جيش يمارس كل أنواع البطش، ويمعن في التدمير واستخدام آلته الحربية بالطريقة التي لم تعد تخفى على أحد وهي التدميرية الشاملة”. يقول صالح لـ”الحل نت”. 

ويردف: “لذلك، يعيش اللبنانيون اليوم بوضع لا يحسدون عليه، وأساسه الخوف على مصيرهم، وعلى حياتهم، وعلى مستقبلهم في هذا البلد، في ظل الانسداد الحاصل على المستوى السياسي الداخلي، وعلى المستوى السياسي الدولي، وفي ظل الحرب المستعرة والمستمرة منذ أشهر، وأثّر كل ذلك على وضع اقتصادي واجتماعي، واليوم أمني، على المحك”.

الكلمات التي هزّت لبنان

هنا، لابد من الإشارة، ولا بد من تخصيص الكلام عن الجنوبيين بالمجمل، وعلى رأسهم البيئة الشيعية المؤيدة لـ”حزب الله”، الذين وبسبب الحرب، نزحوا من قراهم، ومن منازلهم في الجنوب، باتجاه صيدا وصور وبيروت وغيرها من المناطق في لبنان. 

نزوحهم كان من دون تأمين أبسط مستلزمات عيشهم الكريم، مع تكاليف معيشية مرتفعة جدا بسبب التضخم الاقتصادي السائد وتدهور الرواتب والقدرة الشرائية، ما يعني مسؤوليات مضاعفة يتحملونها لتأمين حياتهم، وحياة أولادهم، وتعليمهم، في ظل كلام عن أرقام مرتفعة جدا للمنازل المدمرة كليا. 

يشير تقرير “الدولية للمعلومات” منذ حوالي أسبوع، عن 1880 وحدة سكنية مدمرة دمارا كاملا، ناهيك عن تلك المدمرة جزئيا، أو المتضررة والمصابة، والأخيرة لا أرقام دقيقة بشأنها. 

هذا بالإضافة إلى الخسائر التي طالت المواسم الزراعية، ليس فقط اليوم بل في المستقبل القريب أيضا جرّاء استخدام الجيش الإسرائيلي القنابل الفوسفورية وتشرّب التربة لهذه المادة السامة، وضرب المواسم الزراعية التي يعتمد عليها الجنوبيون ليؤمنوا حاجياتهم ومستلزمات عيشهم الكريم.

وبالمحصلة، يتساءل كثيرٌ من اللبنانيين اليوم عن جدوى الدخول في هذه الحرب، إذ إنها لم تؤثر على مجريات الحرب في غزة، ولم تخفف عن الغزاويين، بل على العكس من ذلك أثّرت بشكل دراماتيكي على اللبنانيين، خصوصا الجنوبيين، فبدل أن تخفف المأساة والإبادة عن أهل غزة، ها هم اليوم يتساوون معهم في المأساة التي لا يعرف أحد أين وكيف ستنتهي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة