ألقت السلطات الإسرائيلية باللوم على “حزب الله” المدعوم من إيران في الهجوم الصاروخي على ملعب لكرة القدم في قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان؛ مما أسفر عن مقتل 12 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عاماً، يوم السبت الفائت، وتعهدت بإسرائيل بالرّد العنيف على الهجوم الذي استهدف المدنيين، فيما نفى “حزب الله” مسؤوليته عن الهجوم.

الهجوم على القرية الدرزية يمثّل حلقة جديدة في الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” الذي بدأ منذ تشرين الأول/أكتوبر الفائت، عندما أدى هجوم “حماس” على جنوب إسرائيل إلى اندلاع حرب غزة، ثم انخرط “حزب الله” وإسرائيل في أسوأ تصعيد لهما منذ خوضهما حرب تموز/يوليو عام 2006.

على الرغم من أن كلا من إسرائيل و”حزب الله” لم يتجاوزا الخطوط الحمراء في الجولات السابقة، وحاولا قدر الإمكان تجنب توسيع المواجهة، إلا أن الأضرار الجسيمة وعدد الضحايا الكبير من المدنيين قد يؤدي إلى تغيير الواقع على الأرض، خاصة مع تعهّد إسرائيل بالرّد القوي، والذي قد يدفع “حزب الله” إلى الرّد مرة أخرى.

يتنصل من المسؤولية والصاروخ إيراني

بعد الهجوم على القرية الدرزية مجدل شمس، سعى “حزب الله” إلى نشر معلومات مضللة، مدّعياً أن “هجوم السبت على ملعب كرة القدم ربما كان بسبب صاروخ إسرائيلي مضاد للصواريخ”، في محاولة منه للتنصل من الهجوم الذي وقع من الأراضي اللبنانية.

قوات الأمن والمسعفون الإسرائيليون ينقلون المصابين من موقع سقوط قذيفة من لبنان في قرية مجدل شمس في منطقة الجولان التي ضمتها إسرائيل في 27 يوليو 2024. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

فيما نفى المتحدث الإعلامي لـ”حزب الله”، محمد عفيف، المسؤولية عن الحادث، وزعم أن الهجمات الأخيرة التي شنّها الحزب “ضربت ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية، شملت عشرات صواريخ الكاتيوشا بالإضافة إلى صواريخ بركان”.

كما يبدو أن الحكومة اللبنانية قد اتخذت موقف “حزب الله”، في محاولة التنصل من مسؤولية الحزب في الهجوم، حيث أدان رئيس الوزراء اللبناني المؤقت نجيب ميقاتي الحادث الصاروخي في منطقة مجدل شمس، وطالب بوقف الأعمال العدائية على كافة الجبهات فورا، ومن جانبه علّق الرئيس السابق لـ”الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان، وليد جنبلاط، محذراً من أي خطة لإسرائيل لإثارة الفتنة واستخدام الحادث كذريعة لشنّ هجوم على بلاده، على حدّ وصفه.

من جانبه، ألقى وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، باللوم على “حزب الله” في إطلاق الصاروخ، وبحسب مسؤولين في المخابرات الأميركية فإن الولايات المتحدة ليس لديها أدنى شك في أن التنظيم اللبناني مسؤولٌ عن الهجوم على مجدل شمس، إلا أن المسؤولين ذكروا أنه من غير الواضح ما إذا كان “حزب الله” ينوي ذلك لضرب ملعب كرة القدم أو لهدف آخر ووقع الهجوم بـ”الخطأ”، 

إسرائيل من جانبها، بدأت في تقديم أدلة تثبت تورّط “حزب الله” في الهجوم، وأوضحت أن الحزب يتحمل المسؤولية الكاملة عن هجوم “مجدل شمس”، وأفادت التحقيقات الإسرائيلية أن الصاروخ المُستخدم في الهجوم هو صاروخ “فلق 1” والذي استخدمه “حزب الله” ضد إسرائيل خلال الشهور الأخيرة، فيما استخدمه لأول مرة في كانون الثاني/يناير الماضي، وأعلن الحزب حينها استخدامه للصاروخ ضد إسرائيل.

وبحسب تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن هذا الصاروخ صُنع في إيران، وتم تطويره في التسعينيات، ويبلغ قطر الصاروخ 240 ملم، وطوله 1.32 متر، ومداه حوالي 10 كيلومترات، ويعمل بالوقود الصلب وله رأس حربي كبير، ويمكن تركيب الصاروخ على سيارات الجيب ويمكن إطلاقه من قاذفات أرضية، كما يمكنه إصابة أهداف بحرية، ويبلغ وزنه 111 كيلوغراما، ويمكن تشبيهه بالصاروخ الروسي” BM24″. لكن الصاروخ الذي استُخدم في الهجوم على مجدل شمس، كان يحمل رأسا حربيا يبلغ وزنه 50 كيلوغراما.

منذ كشف “حزب الله” عن استخدامه صاروخ “فلق” ضد إسرائيل، تبنى الحزب في الأشهر الأخيرة أكثر من مرة المسؤولية عن إطلاق الصاروخ على إسرائيل، باتجاه مستوطنتي بيرنيت وزاريت في الجليل الغربي.

استهداف قرى عربية درزية مسلمة ومسيحية

لا يُعتبر الهجوم على قرية مجدل شمس هو الهجوم الأول لـ”حزب الله” على مدنيين أو قرية درزية، فخلال خلال الشهور السابقة، كان هناك أكثر من سابقة هجوم لـ”حزب الله” على قرى عربية درزية ومسلمة ومسيحية في شمال إسرائيل.

السكان المحليون يواسون بعضهم البعض وهم يتجمعون في موقع سقوط قذيفة من لبنان في قرية مجدل شمس في منطقة الجولان التي ضمتها إسرائيل في 27 يوليو 2024. (تصوير جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)

في 5 حزيران/يونيو الماضي، أعلن “حزب الله” اللبناني مسؤوليته عن الهجوم على قرية حرفيش وهي بلدة عربية تقع في الجليل شمال إسرائيل، قائلا إنه أطلق عدة طائرات مسيّرة مفخخة على موقع للجيش في المنطقة، فيما علق المدير العام لنجمة داود الحمراء، إيلي بن، للقناة “12” الإسرائيلية، إن 11 شخصا أصيبوا في الهجوم الذي استهدف ملعبا، من بينهم شخص في حالة حرجة، و3 أشخاص في حالة متوسطة، والباقين إصاباتهم طفيفة. 

كما استهدف “حزب الله” بلدة عرب العرامشة العربية البدوية عدة مرات على الحدود، وفي 14 نيسان/أبريل الماضي، مع استمرار تصاعد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة 14 جندياً، 6 منهم بجروح خطيرة، في هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة في شمال إسرائيل، تبناه “حزب الله” اللبناني وقال إنه استهدف مركز قيادة عسكرياً، فيما جاء ذلك الهجوم بعد عدداً من عمليات الإطلاق من لبنان باتجاه بلدة “عرب العرامشة”. 

الهجمات السابقة لم تلقَ اهتماماً كبيراً لأنها كانت هجمات محدودة ولم تسفر عن إصابات كبيرة، لكن الهجوم على قرية مجدل شمس الدرزية يمثل ورطة حقيقية لـ”حزب الله”، من عدة جوانب، فمن ناحية الهجوم استهدف مدنيين أطفال بشكل مباشر، وهو ما يعتبر ورطة للحزب أمام المجتمع الدولي (رغم نفيه).

ومن ناحية أخرى، فإن مجدل شمس هي قرية درزية ويسكنها في المقام الأول فرع من الإسلام الشيعي، ولديهم روابط قوية مع الدروز في سوريا ولبنان، مما يعمق المشكلة، كما أن الدروز في الجولان (لا يقبل الغالبية العظمى منهم الجنسية الإسرائيلية، (على الرغم من اعتراف الولايات المتحدة في عام 2017 بضم إسرائيل للجولان)، مما يعمق المشكلة بين “حزب الله” والدروز، ففي الوقت الذي دائماً ما يتباهى الحزب بقتل الإسرائيليين، فهذه المرة هم خارج المعادلة، والضحايا هم أقارب أبناء شعبه.

من جانبها علّقت إيرينا تسوكرمان، المحامية بالأمن القومي والمحللة الجيوسياسية، لـ”الحل نت”، أن سبب رفض “حزب الله” الفضل لنفسه في الهجوم هو قلقه من الرّد الإسرائيلي الساحق؛ كما أن لديه عدد كبير من السكان الدروز، وهو ما قد يسبب مشاكل داخلية؛ والدروز في إسرائيل لديهم قضايا قبلية مرتبطة ببلاد الشام ولا يعملون دائمًا تحت السلطة المباشرة للحكومة الإسرائيلية، لذا كما حدث في الحوادث السابقة عندما رفض عملاء “حماس” إعادة جثة أحد أفراد المجتمع الدرزي، فقد يأخذون الأمور بأيديهم.

هذا يشير إلى أن “حزب الله” يريد على أقل تقدير تجنب المواجهة الإضافية بشأن القضايا الاجتماعية، خاصة وأن الدروز معروفون بمقاتليهم الشرسين، كما أنه قلق بشأن مستوى الردع الذي قد تفرضه إسرائيل في النهاية.

هل يتسبب الرّد الإسرائيلي في اندلاع حرب؟

أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشاورات مع كبار المسؤولين الأمنيين أمس الأحد، حيث عرض عليه خيارات الرد على هجوم “حزب الله”، فيما أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، في وقت سابق يوم الأحد أن جاهزية إسرائيل للمرحلة المقبلة من القتال في الشمال سيتم رفعها إلى “المستوى التالي”، وذلك بحسب ما أورد الجيش الإسرائيلي في أعقاب زيارة هاليفي إلى مجدل شمس، السبت، في أعقاب الهجوم.

صاحب متجر للهدايا التذكارية يعرض نظارات مزينة بصور حسن نصر الله، زعيم جماعة حزب الله الشيعية في لبنان، في ضاحية بيروت الجنوبية في 12 مايو 2016. (باتريك باز /أ ف ب)

وأضاف هاليفي: “إننا نرفع بشكل كبير من جاهزيتنا للمرحلة المقبلة من القتال في الشمال وفي نفس الوقت نقاتل في غزة. نحن نعرف كيف نضرب بعيدا جدا عن دولة إسرائيل. وعندما يتطلب الأمر سنعمل بقوة”.

أمس الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف أهدافا إرهابية متعددة لـ”حزب الله” في عمق الأراضي اللبنانية وجنوب لبنان، وشملت الأهداف التي تم استهدافها مخابئ أسلحة وبنى تحتية إرهابية في مناطق شبريحا، البرج الشمالي، البقاع، كفركلا، رب الثلاثين، الخيام، وطير حرفا، وهو ما اعتبر كردّ أولي على الهجوم. 

فيما أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، مشاورات مع كبار هيئة الأركان العامة وغيرهم من كبار المسؤولين في النظام من أجل صياغة رد قوي بما فيه الكفاية، رد يوضح لـ”حزب الله” ثمن تغيير القواعد ومهاجمة مدنيين.

وحول إمكانية اندلاع حرب واسعة، علق الصحفي السياسي الأميركي، عدنان ناصر، لـ”الحل نت”، بأن الفرص أصبحت أكبر الآن، ولكن ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة الدولية تسارع إلى احتواء الموقف، وكل شيء معلق بكيفية رد إسرائيل، فإيران مهتمة بخفض التصعيد، لإنها لا تريد المخاطرة بخسارة أقوى حلفائهم في الشرق الأوسط، وهو “حزب الله”.

بينما ترى تسوكرمان، أن إسرائيل تريد احتواء الحرب وتجنب التصعيد، ولذلك فقد تنخرط في تدابير ردع أكثر جدية لوضع حد للهجمات في المنطقة من قبل جميع وكلاء إيران، وقد يشمل ذلك استهداف مواقع وأهداف رفيعة المستوى من جميع الوكلاء أو أكثر في وقت واحد، خاصة بعد أن أظهرت تقارير الاستخبارات أن “الحوثيين” يخططون بالفعل لهجوم كبير داخل مركز إسرائيل رداً على الضربات على البنية التحتية للطاقة في الحديدة. 

لذلك، قد تهاجم إسرائيل في الأيام المقبلة “حزب الله” و”الحوثيين” و”حماس” وغيرها من الميليشيات والمنظمات التابعة لطهران في المنطقة، وقد تكون هذه الضربات شديدة بما يكفي لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، ومن الممكن أن تتضمن القضاء على قيادات عسكرية أو سياسية رفيعة المستوى في صفوفها كرسالة ووضع حد للتصعيد.

من ناحية إسرائيل، فإنها ستريد أن ترد بقوة وبقسوة وبشكل يوجع “حزب الله”، ويثأر لهجوم مجدل شمس، ويهدئ من الانتقادات الداخلية التي تطالب الحكومة الإسرائيلية بشن حرب واسعة على “حزب الله”؛ لكن القيادة الإسرائيلية الحالية كما يبدو سيكون هدفها هو القيام بضربة محدودة ومُكثفة وقوية وقصيرة قدر الإمكان، ولا تشكل بداية لحرب واسعة في الشمال، ولكن مع سياسة “حزب الله” بأن هناك رد على كل رد إسرائيل فهذا يفتح ما يسمى بـ”دوامة التصعيد”.

وهذه التقديرات تتسق مع ما قدره فيما مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، حيث علق أنه على الرغم من أن الرد سيكون قاسيا، إلا أنه لن يؤدي إلى حرب شاملة. ومع ذلك، يمكن التقدير أن الهجوم الإسرائيلي من المرجح أن يقابل برد أكثر حدة من المعتاد من “حزب الله”. في إسرائيل، وعدوا برد قاس إلى حد كبير، وهو ما سيكلف “حزب الله” ثمناً باهظاً، ولكن من ناحية أخرى، أوضح مسؤول إسرائيلي أنه لا توجد نية لإشعال حرب إقليمية.

ورغم أن الطرفين غير معنيان بفتح مواجهة شاملة، إلا أن الأحداث والرد عليها من الممكن أن تنزلق عن طريق الخطأ وتتدهور بسرعة إلى حرب واسعة غير محسوبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات