بين خسارة الدعم الداخلي وانتظار الرد الإيراني عصيبة هي الأيام التي يعيشها ما يطلق على نفسه “محور المقاومة”، من بعد مقتل فؤاد شكر أحد كبار قيادة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية اللبنانية، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في طهران؛ مما وضع “محور المقاومة” وعلى رأسه حسن نصرالله في موقف حرج وهذا لعدم رده حتى الآن على مقتل القادة على يد إسرائيل. 

أصبح العالم يعيش في حالة من الترقب بين الرد، والرد المضاد. ليطل علينا في هذه الأثناء حسن نصرالله من خلال كلمة ألقاها في الاحتفال التأبيني للقيادي الحزب فؤاد شكر. ليبدو ثابت من حيث المظهر الخارجي والانتقال بين الفقرات في رشاقة، والصلبة في الرأي والقدرة على المجابهة والرد. إلا أنه ما أن تمعن النظر وتتفحّص الفقرات، وتقارن خطابه بالواقع ليتكشّف أمامك زيف الخطاب المقدم، وتظهر المفارقات واضحة بين كلمات معسولة مخادعة وبين واقع غارقٌ في القتل والدم. 

تكشف كلمة حسن نصرالله مدى الخطاب المزيف الذي يعتمد عليه “محور المقاومة”، ومدى الشعور بالضعف الذي بات يستبيح بدمائهم.

بدأ محذراً

بدأ حسن نصرالله كلمته بشيء من الاستعراض الممزوج بلغة الفاهم والعارف والمتوقع لكل ما قد يُقدم عليه العدو قائلا: “أود أن ألفت في البداية أنه قد يلجأ العدو ‏أثناء الاحتفال أو الآن، أثناء الكلمة وهذا يدل أن (عقلاته كثير صاروا صغار) إلى خرق جدار الصوت فوق ‏الضاحية من أجل استفزاز الاحتفال أو إخافة الموجودين في هذا المهرجان، لو حصل ذلك يُرد عليه إن شاء الله ‏بالشعار المناسب مثل هذا الشعار “هيهات منا الذلة“.‏ 

حسن نصرالله خلال خطابه في أسبوع تأبين فؤاد شكر – إنترنت

وعلى قدر ما كانت البداية في كلمته تحمل قدراً من الثقة المفتعلة على قدر ما كانت تحمل في مضمونها دلالات واضحة من الحذر والتركيز مع الجانب الإسرائيلي، الذي أضحى مسيطرا على كل أبعاد الموقف حتى أن “حزب الله” بات يدرك أنه قادر على إفساد حفل التأبين ولهذا بدأ كلمته محذراً وناصحاً.

تشتيت الانتباه 

تحدث حسن نصرالله في كلمته عن دور فؤاد شكر في “المقاومة” ونقول له: “أنت ما شاء الله تُفكر لكل الأمة” ليجد نفسه محرج بين أمرين، بين أن يؤدي بعض حق ‏القائد الشهيد وبين ألّا يُضخم أو يُبرز إنجاز العدو الذي ينتظر هناك فيضحك ويشمت”. 

ثم يعرج في حديثه عن إسماعيل هنية: “ليس هناك شك بأن استشهاد القائد إسماعيل هنية هو خسارة كبيرة لحماس وللمقاومة ‏الفلسطينية وللشعب الفلسطيني و لمحور المقاومة”، ثم يشير في حديثه إلى دور إسرائيل في إشعال الموقف ومدى الدعم الغربي لها، من خلال عرض حديث وزير المالية الإسرائيلي الذي قال: “لن يسمح لنا أحد بقتل مليوني شخص جوعًا في غزة يعني هو ليس ‏عنده مشكلة بقتل مليونين شخص جوعًا في غزة، ولكن هو مشكلته أن العالم لن يسمح له وإن ‏كان يسمح له“. 

هنا يقدّم حسن نصرالله نفسه وحزبه وكأنه ردّ فعل على ما تقوم بها إسرائيل في غزة، فكل ما يعاني منه الحزب اليوم هو نتيجة محاولات لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني. وهنا تظهر أول محاولة من حسن نصرالله في كلمته لطلب العون والمساعدة من “محور المقاومة” والذي تمثّل “حماس” عنصر من عناصره، فهو يريد أن يرسّخ في الوجدان العربي أنه مدافع عن القضية الفلسطينية. 

ويسترسل في حديثه عن صعوبة قيام الدولة الفلسطينية، معتبراً أن هذه الحقيقة بمثابة صفعة قوية لكل الدول العربية الإسلامية التي تصدق إسرائيل وعملت على قيام الدولة الفلسطينية في الوقت الذي كانت إسرائيل وحلفائها يعملوا ضد هذا المعنى. حيث اعتمد نصرالله هنا على الخطاب العاطفي الذي يجمع فيه بين المغالطة التاريخية وبين الأحاديث العاطفية ليضمن استمرار الدعم له ويظهر هو أنصاره في مظهر الأبطال المضّحين عن الهوية العربية. 

تعليقا على ذلك، تقول الباحثة في الشأن العربي الدولي، ريتا بولس شهوان، في حديثها مع “الحل نت”، إن المشهد الذي يعيشه الحزب ليس في إمكاني أن أصفه بالارتباك بل هو نوع من “حرب نفسية” قوامها تضليل المعلومات في ظل الضعف العسكري نتيجة العقوبات في سياق تفاوضي آخر تحت عنوان أكبر؛ سباق التسلح أيضا ألا وهو القنبلة النووية التي أدت إلى عقوبات اقتصادية على النفط. 

هذه الحرب النفسية، والحديث للمصدر ذاته، سيدفع ثمنها لبنان كما دفعت غزة! لأن في واقع  “حزب الله” لا يملك إلا أرواح اللبنانيين كما الغزاويين كدروع بشرية.

يكذب على نفسه وأنصاره

حسن نصرالله في كلمته يسعى إلى محاولة إثبات تطبيق نظرية “الصبر الاستراتيجي”: “والآن في ظل الحديث عن رد من إيران أو رد من حزب الله أو من اليمن أو من مجمل المحور… إسرائيل لم تعد قوية كما كانت، لا أريد أن أقول ضعيفة غير دقيق، لم تعد قوية كما كانت، هيبتها لم تعد كما كانت، قوتها، قدرتها، إمكانيات دفاعها، والدليل في عملية الوعد الصادق الإيرانية… هذه هي إسرائيل والآن إسرائيل الخائفة المنتظرة من الرد الإيراني أو رد حزب الله أو رد المحور غير مكتفية أن تدافع عن نفسها مع أنه هو يقول أنه أقوى جيش في المنطقة“. 

حسن نصرالله وحزبه يعيشون أيام صِعاب بسبب عجزه عن الرد على مقتل رجاله وأنصاره. إلا أن إسلام المنسي الباحث المختص في الشأن الإيراني في تحليله لـ”الحل نت” يؤكد على: أن الحزب في موقف صعب ليس بمفرده وإنما كل المحور الإيراني، فهو يعيش بين نارين، نار ضرورة الانتقام، ونار الخوف من اتساع الصراع. 

وبالتالي هو أما معادلة صعبة، فهو يسعى إلى صورة الرّد دون حقيقتها، هذا ما حاول أن يعبّر عنه نصرالله  حينما قال إن تأخير الرّد جزء من الرد؛ لأنه هنا يعتمد على الحرب النفسية التي تضر بإسرائيل أكثر من “حزب الله”.

فشل المقاومة في سوريا

حسن نصرالله حمّل في خطابه فشل “محور المقاومة” في سوريا على المعارضة السورية التي تتعامل مع أميركا وإسرائيل حسب ادعائه، محاولا أن يجد لـ”محور المقاومة” مبررا لفشله قائلا: إن “مخاطر هزيمة محور المقاومة على سوريا، تكمن في انعدام الأمل باستعادة الجولان السوري”. 

وتحدث نصرالله عن مخاطر في الداخل السوري، إذ اعتبر أن هزيمة “المقاومة” ستؤدي إلى عمل إسرائيل على مشروع أن يكون من يحكم سوريا صديقًا لها وأداة من أدواتها وعميلًا من عملائها. وأضاف، و”هذا ما رأيناه في بعض المعارضة العلمانية السورية، لأن الإسلاميين سيقولون لم نكن كذلك، الفرق أن تكون عميلًا لدى إسرائيل أو الأميركيين“. 

في هذا الصدد تعلّق ريتا قائلة: “يظهر في كلام نصرالله ضعفه العسكري والدبلوماسي أمام قوة العلاقات الدولية لصفوف الأطراف غير الممانعة، وضعفه مخابراتيا، وقلة نظره من ناحية خطوط حماية نفسه ومحيطه، ومن هذا المنطلق بدء في الاتهامات في العمالة باعتبار أنه يريد أن يشد الصفوف اللبنانية”.

مقاومة مهترئة

تحدث حسن نصرالله عن دول “محور المقاومة” التي من المفروض أن تقدم الدعم للمحور في مثل هذه الظروف التي يمرّ بها، لنكتشف من خلال حديث نصرالله مدى الضعف الذي ينهش في هذا المحور المزعوم، من لبنان ذات الاقتصاد المدمر ومن حربٍ باتت وشيكة على حدودها، واليمن الذي يعاني صعوبات على كل المستويات بعد ما حدث في ميناء الحديدة وما قبله. 

هذا بالإضافة إلى استبعاد حسن نصرالله المشاركة من سوريا ومن إيران، ثم يعود ويطلب الدعم المعنوي والسياسي والعسكري، ليظهر هنا نصرالله في غاية السوء رغم ما يبدو عليه من صلابة الشكل، إلا أن مضمون كلامه يفضح مدى الهشاشة العسكرية والسياسية التي يعيشها المحور ودوله. 

وللتذكير بما قاله نصرالله، فهو تحدث: “ليس ‏مطلوباً من إيران أن تدخل قتالا دائما، وأضيف لأن البعض يناقش ‏بسوريا، وليس مطلوبا من سوريا أن تدخل في القتال، بسبب ظروفها ‏الداخلية، …..وذكرت في أكثر من مرة، لأن قواتها المسلحة ما زالت تنتشر ‏على خط مئات الكيلومترات داخل سوريا في مواجهة المشروع الآخر ‏الذي ما زالت عينه على دمشق”. 

وتابع، “سوريا وإيران المطلوب منهم في هذه ‏المعركة ما طلبناه نحن في حركات المقاومة هو الدعم المعنوي والسياسي ‏والمادي والعسكري والتسهيلات، رغم كل ما تتعرض له هاتان الدولتان ‏من ضغوط ومن تهديدات، موقفهم صامد وثابت ولم يتغير، في لبنان ‏نحن أيضاً نُدرك هذه المخاطر”.

من حتمية الرد إلى الانتظار الاستراتيجي  

يحاول حسن نصرالله التأكيد على الرّد من “محور المقاومة” دون أن يحدد من عليه الرّد، لأنه استشعر أن الرّد تأخر كثيرا، فبدأ يقدم أحاديث وهمية عن فلسفة المحور في عدم الرّد السريع. في محاولة منه لاستقطاب الجميع، مؤكداً على الانتظار الذي تعيشه إسرائيل، وكأنه يريد  القول أن التأخير جاء بناء على رؤية استراتيجية وليس عن عجز أو خوفاً من عواقب الرد. 

بنظر نصرالله أنه بسبب تأخير الرد هو الفائز، فوفق فلسفته شركات الطيران تتوقف على بيروت وتتوقف على ‏تل أبيب، الرعايا يخرجون من لبنان ويخرجون من إسرائيل، أهل الجنوب في القرى الأمامية يُهجّرون ‏والإسرائيليين في شمال فلسطين 270 ألف يُهجّرون.

ولهذا تؤكد ريتا على أن موقف “حزب الله” مرتبك ومخادع، لأنها تعتقد أصلا أن الرّد سيكون قوي، لأن التساهل حدث لتحصل الخطوة في ظل إعادة علاقات دبلوماسية عربية. وهذا التساهل بنظر إيران ورقة اطمئنان لبعض دول الخليج بتغير سياستها خليجيا، وهذا ما تحتاج إليها دول “محور المقاومة” حتى تستطيع المُضي قدما في سياستها التخريبية.

وأخيراً، جاء خطاب نصرالله غارقاً في الإنشائية، مختبئ خلف لغة العواطف والتوسل المبطّن، متراجعاً عن شعاره “زوال إسرائيل من الخريطة” كما كان يؤكد في السابق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة