بعد أشهر من الهدوء النسبي والأمل بانفراج الحل أمام الشعب السوري، يبدو أن الوضع في سوريا على وشك أن يشتعل من جديد. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأردن مع دول الخليج إلى إعادة دمشق إلى “الجامعة العربية” وحل المشاكل العالقة لعودة الاستقرار إلى البلاد، تستمر موسكو وطهران في دعم جبهة رافضة للحل العربي داخل أروقة السلطة في دمشق وترفضان الانسحاب من عرقلة الحل في سوريا.

في سياق هذه التطورات، وما اعتبر إيذانا بصنع العقبات أمام مبادرة عمّان و”الجامعة العربية”، جاء إعلان الممثل الخاص لبوتين ميخائيل بوغدانوف على هامش المنتدى الروسي الإفريقي، بأن الاجتماع الحادي والعشرين لمسار “أستانا” المنهار عمليا بشأن سوريا سيعقد في كازاخستان قبل نهاية العام الجاري.

ليس ذلك فحسب، بل إن إعلان بوغدانوف الذي جاء رغم اقتراح وزارة الخارجية الكازاخستانية لجعل الجولة الـ20 لمحادثات “أستانا”، الجولة الأخيرة من اللقاءات بهذه الصيغة، كون سوريا عادت إلى “الجامعة العربية” وهو الأساس الذي بني عليه المسار، لحقه تحرك من طهران لتنفيذ اتفاقياتها الاقتصادية خلال زيارة فيصل المقداد الأخيرة.

في ظل حالة الجمود السياسي والعسكري، يواجه السوريون احتمالية مواجهة صيف ساخن، وهنا تثار التساؤلات حول إذا ما كانت الاتفاقيات الاقتصادية ترمز إلى تباعد سوريا عن الخط العربي، وما هي آفاق التفاوض السياسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي تسعى دمشق للوصول إليه، ومن هم الجهات المعنية بتسهيل هذا التفاوض.

عرقلة التفاوض السياسي

من بين المستجدات التي أثارت جدلا واهتماما هو وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الأحد الفائت، إلى العاصمة الإيرانية طهران على رأس وفد سياسي واقتصادي، حيث أبرم اتفاقيات اقتصادية هناك. وهذه الخطوة تُفسّر على أنها تنبّؤ بتبنّي دمشق مواقف لا تتماشى مع الخط العربي، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع توجهات المنظومة العربية. 

وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الأحد الفائت، إلى العاصمة الإيرانية طهران - إنترنت
وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الأحد الفائت، إلى العاصمة الإيرانية طهران – إنترنت

صحيفة “الوطن” المحلية، نقلت عن السفير السوري لدى طهران، شفيق ديوب، أن وفد دمشق يحلّ في طهران للمشاركة في اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، ومتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم الـ15 الموقعة خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق.

من جهته موقع “فويس أوف أميركا”، في تقرير له، سلط الضوء على استمرار علميات تهريب المخدرات من سوريا باتجاه الأردن، لافتا إلى أن هناك اعتقاد سائد بعدم وجود “تحرك يذكر” من دمشق لمكافحة المخدرات وتهريبها عبر الأردن، والذي كان أحد شروط الانفتاح العربي على دمشق.

كما أن عدم تحرك دمشق دمشق نحو اتفاقيات اقتصادية مع الدول العربية، يؤكد التكهنات بأن الحكومة السورية ربما تحت ضغوط لا تستجيب للمبادرة العربية، حيث ذكر يوسف الشمالي، وزير الصناعة والتجارة والتموين والعمل في الأردن، في نهاية تموز/يوليو الفائت، أنه لا مانع لدى الأردن من التبادل التجاري مع سوريا، لكن الجانب السوري منع دخول البضائع الأردنية بالرغم من إعادة فتح معبر نصيب.

هذه التطورات ترسم صورة معقدة لوضع دمشق الراهن، وتطرح تساؤلات حاسمة حول الخيارات التي ستتبناها الحكومة السورية في المستقبل. إذ إن استمرار توجه دمشق نحو طهران وموسكو لا نتائج له سوى أنه سيكون له تأثيرات جذرية على الاقتصاد السوري.

اجتماعات التقييم بدأت

يبدو أن نشر صحيفة “عكاظ” السعودية مقال رأي تحت عنوان “الحل العربي للأزمة السورية يتعثر” كان له دلالات بعيدة، إذ بحسب مصادر خاصة لـ”الحل نت”، فإن هناك اجتماع عربي يجري الأيام الحالية، من أجل تقييم موقف دمشق، خصوصا أن إيران تقترب من تدشين علاقة مصرفية مع سوريا.

تطورات ترسم صورة معقدة لوضع دمشق الراهن - إنترنت
تطورات ترسم صورة معقدة لوضع دمشق الراهن – إنترنت

المبعوث الألماني الخاص لسوريا، بيّن اليوم الأربعاء، في تصريحات صحفية أن الانتعاش الاقتصادي لن يتحقق إلا بتفاوض سياسي بناء، وأن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية يشير إلى ضرورة توقف سوريا وروسيا، عن العرقلة والمشاركة في الحل السياسي.

الدبلوماسي والخبير في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط، أكبر أحمد، أوضح لـ”الحل نت”، أنه ما يزال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت مبادرة عمّان و”الجامعة العربية” في طريقها للانهيار. ومع ذلك، يبدو أن دمشق تميل إلى التركيز على علاقاته مع إيران وروسيا، بدلا من الانخراط في عملية سلام وحل سياسي برعاية “الدول العربية”.

الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها سوريا مع إيران بحسب تحليل أحمد، هي ترمز إلى تباعد سوريا عن الخط العربي. وعلى الرغم من الإيعاز ضمنيا لدمشق خلال الاجتماعات التي حضرها المقداد في الأردن والسعودية، بأن الدول العربية ستتكفل ماليا بمساعدة دمشق للخروج من الضائقة الاقتصادية، إلا أن الزيارة الأخيرة أرسلت دلالات بأن مستوى النشاط الاقتصادي بين إيران وسوريا يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية بين البلدين.

تأثير على المبادرة العربية؟

على الرغم من أن اتفاقيات دمشق مع طهران وحتى مع روسيا والصين لها قصة طويلة تواجه معضلة عدم التنفيذ، إلا أنه من المرجح طبقا لحديث أحمد، أن تتفاعل الدول العربية مع موقف دمشق بمزيج من التحفظات والرغبة في إيجاد حل. فالدول العربية لا تريد أن ترى سوريا تقع في قبضة إيران، ولكن لا تريد أيضا أن تدفع سوريا إلى المزيد من العزلة.

اتفاقيات دمشق مع طهران وحتى مع روسيا والصين لها قصة طويلة تواجه معضلة عدم التنفيذ - إنترنت
اتفاقيات دمشق مع طهران وحتى مع روسيا والصين لها قصة طويلة تواجه معضلة عدم التنفيذ – إنترنت

أما حول آفاق التفاوض السياسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي تسعى دمشق لتحقيقه ما تزال ضعيفة. فالحكومة السورية تبعا للخبير في شؤون الشرق الأوسط، لا تبدو مستعدة للدخول في حوار سياسي.

أيضا لا يبدو أن الدول العربية مستعدة للاعتراف بالحكومة في وضعها الحالي دون إجراءات من دمشق بناء على البنود المتفق عليها من العمل على عودة اللاجئين وتهيئة الظروف المعيشية لهم وطرد الميليشيات الأجنبية، والعمل بما يتوافق مع القرار الدولي “2254”.

الجدير ذكره أن قناة “إيران إنترناشيونال”، لفتت الأحد الفائت، إلى أنه بناء على المعلومات التي تلقتها، فقد سعى قاسم سليماني إلى ترسيخ نفوذ “فيلق القدس” في بنية الجيش السوري من خلال إنشاء “لواء الإمام الحسين” وإدراجه في الجيش السوري، ولهذا السبب تمول إيران جزءا مهما من الجيش السوري عبر تمويلها لهذا اللواء.

من المرجح أن تؤدي اجتماعات التقييم الحالية وفق توقعات أكبر إلى مفاوضات السياسية تشمل الاستثمارات الأجنبية والقروض الدولية وستكون من أهم العوامل التي ستساعد في إعادة إعمار سوريا وتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ومن أهم الجهات المعنية بتسهيل هذا التفاوض الدول العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

صيف حار يتنظر دمشق، حيث تتصاعد التطورات وتتجاذب القوى في المنطقة التي تشهد أشد معدلات حرارة منذ قرون، وتكتنف سوريا بالأحداث الدولية التي تلقي بظلالها على مستقبلها، فيما تأثيراتها المترقبة تربك الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات