مرتديا عباءة عربية اختتم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان جولته الأولى خارجيا في العراق، بزيارة محافظة البصرة وألقى كلمة أمام حشد من شيوخ العشائر والسياسيين.
وكان بزشكيان قد وصل إلى العاصمة العراقية بغداد، الأربعاء، الموافق لـ11 من أيلول/سبتمبر الجاري، ووقع مع الحكومة الاتحادية 14 مذكرة تفاهم في التجارة والتدريب والعمالة وتفويج السياحة الدينية.
تعد زيارة بزشكيان إلى العراق أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسا لإيران، حيث زار خلالها ست مدن عراقية؛ أربيل/ هولير والسليمانية، والنجف، وكربلاء، واختتمها بمدينة البصرة الحدودية مع إيران، فضلا عن العاصمة بغداد حيث التقى رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
ما وراء زيارة بزشكيان للعراق.
ينبغي النظر نحو زيارة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان إلى العراق داخل دائرة الوضع السياسي المضطرب على خلفية التصعيدات العسكرية المباشرة في أكثر من نقطة ساخنة داخل الشرق الأوسط بمشاركة جماعات ولائية لطهران، وكذا تداعيات الحرب الدائرة في غزة والتي ترتبط مباشرة بتحرك تلك الجماعات.
كما ينبغي التدقيق في مسار تلك الزيارة عبر استجابة بزشكيان لتوجيهات المرشد الإيراني بالتواصل الحيوي مع الدوائر الإقليمية ومنحها الأولوية القصوى بهدف كسب رضاء مؤسسات بيت المرشد، خاصة “الحرس الثوري”، مما قد يعزز من رسائله التي تفضي نحو الانفتاح على العالم الخارجي، الأمر الذي بدا مع ارتدائه لعباءة عربية في محافظة البصرة وحديثه حين قال بزشكيان، في كلمة ألقاها في المركز الثقافي النفطي بالبصرة، أمام حشد من شيوخ القبائل والسياسيين: “كنّا دائما معا، ويجب أن نعود متحدين لأن ذلك يؤمِّن تقدمنا العلمي والاقتصادي”، مما يعكس براغماتية متجذرة في عقل الرجل ومنهجيته سياسيا، سواء في ما يتعلق بدوائر الحكم والنفوذ في الداخل أو ربط بلاده بدوائر إقليمية تحقق مشروع طهران التوسعي في الشرق الأوسط.
قُبيل مغادرته إيران متجها إلى العراق، قال بزشكيان إن زيارته للعراق تهدف إلى “تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، كما تأتي انطلاقا من السياسات التي أُعلنَ عنها من قبل، وكذلك السياسة المعلنة للمرشد الأعلى في ما يتعلق بالعلاقات الوثيقة مع جيراننا، بخاصة العراق، وهو الدولة التي كانت لنا علاقات معها في عدد من المجالات، كما أن العراق بلد مسلم وصديق لإيران وشريكها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، كما أنه يشكل مركز العلوم والثقافة الإسلامية، ومنه نشأ رجال الدين”، وفق ما نقلته وسائل الإعلام.
إلى ذلك، علق المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، سبهان الملا جياد، على زيارة مسعود بزشكيان لبلاده، بالقول: “لا شك أن الجوانب السياسية والاقتصادية تمثل أهم جوانب زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان”، مضيفا في حديث خاص مع “الحل نت”، أن الاقتصاد الإيراني مثقل بالعقوبات الأميركية ويشكل العراق المحطة الأهم، خاصة في جانب الحصول على العملة الصعبة.
وتابع سبهان الملا جياد قوله، “أما في الجانب السياسي فإن التحديات الإقليمية والدولية الضاغطة على إيران كبيرة، ولذلك يحاول بزشكيان أن يكون العراق شريكا لإيران في مواجهة بعض هذه التحديات من خلال مواقفه المتعاطفة مع القضية الفلسطينية من جهة، وكذلك من خلال علاقاته الجيدة أو يحاول أن يحسن علاقاته مع الغرب والولايات المتحدة من جهة أخرى، على اعتبار أن بزشكيان من التيار الإصلاحي، ولذلك تحاول طهران استغلال ذلك للتخفيف من عن أعبائها وتحدياتها.
إذاً ومن هذه المنطلقات ومن دور العراق المتزايد في المنطقة ورغبته في علاقة متميزة مع العراق، جاءت كل هذه المسارات والتداعيات التي دفعت الرئيس الإيراني بزشكيان إلى القيام بزيارته الخارجية الأولى إلى العراق.
ويلفت الملا جياد إلى أن العراق يدرك تماما محيطه وعمقه الاستراتيجي ويتحرك في هذا الاتجاه بمدركات الواقع السياسي، من خلال الوساطة بين الحكومة في دمشق وأنقرة والعمل على إعادة العلاقات فيما بينهما، ثم أردف قائلا لـ”الحل نت”، إن عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة ليس باليسير ويتعرض لكثير من التحديات والعثرات.
العراق كمتنفس اقتصادي لإيران
على صعيد آخر متصل، يلفت الأكاديمي العراقي، نبيل المرسومي، لـ”الحل نت” إلى أن مؤشرات تطور الصادرات الإيرانية إلى العراق جاء من خلال أن إيران تصدر إلى العراق 2200 سلعة من أصل 3500 سلعة تصدرها إيران إلى الخارج، كما أن الصادرات الإيرانية إلى العراق ارتفعت من 145 مليون دولار عام 2004 لتصل إلى 10 مليارات و238 مليون دولار عام 2023، أي أنها ارتفعت بمقدار 71 ضعفا خلال 20 سنة. وبالتالي تسعى إيران إلى زيادة صادراتها إلى 20 مليار دولار سنويا في السنوات القادمة.
تمثل زيارة بزشكيان إلى العراق في هذا التوقيت حقيقة أن بغداد رئة اقتصادية تتنفس من خلالها إيران، وبالتالي فإن طهران تحتاج إلى العراق، وذلك يتضح من الاتفاقيات العديدة التي تم التوقيع عليها خلال هذه الزيارة.
وتشكل الصادرات الإيرانية إلى العراق 20 بالمئى من نسبة الصادرات الإجمالية الإيرانية إلى الخارج، فضلا عن كون العراق يستورد قرابة 30 بالمئة من المحاصيل الزراعية والغذائية الإيرانية، إضافة إلى أن أكثر من 60 بالمئة من صادرات السيراميك الإيرانية وكذلك منتجات مثل الحقائب والأحذية والأدوات المنزلية وأدوات المطبخ والمستلزمات الصناعية تذهب إلى العراق.
ويشغل قطاع الصادرات الإيرانية إلى العراق أكثر من مليون عامل إيراني وأكثر من نصف رجال الأعمال الإيرانيين النشطين في الأسواق العالمية يتواجدون في السوق العراقية لفتح آفاق جديدة للصادرات الإيرانية وللبحث عن فرص استثمارية جديدة في العراق.
في السياق يقول الكاتب السياسي فلاح المشعل، إن قراءة دلالات زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق تأتي من خلال عدة مسارات بدءا من كونها هي أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس الإيراني ويرتبط ذلك يقينا بالعزلة الشديدة التي تعاني منها طهران، وتداعياتها السلبية على الجانب الاقتصادي بكافة صوره، وظلال ذلك على الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني.
يتابع الرئيس السابق لتحرير “جريدة الصباح” العراقية فلاح المشعل حديثه إلى “الحل نت” أن الزيارة إلى العراق في هذا الوقت تمثل كون بغداد رئة اقتصادية تتنفس من خلالها إيران، وبالتالي فإن طهران بحاجة إلى العراق وذلك يتضح من عديد الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها خلال هذه الزيارة التي استهدفت في جانبها الاقتصادي، تطوير التفاعل التجاري وفتح المزيد من الأسواق العراقية للبضائع الإيرانية.
وينوّه المشعل إلى أن حجم التبادل السنوي يزيد على عشرة مليار دولار، إذ تتحرك طهران على جانب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من خلال الاستثناءات التي تحظى بها بغداد من القوى الدولية، خصوصا في مجال النفط وكذا التبادل السلعي.
استثمار السياسة العراقية
الموضوع الآخر وما زال الحديث ممتد للمصدر ذاته، فيما يرتبط بمسارات زيارة بزشكيان للعراق يتصل بجانب الوضع السياسي، خاصة التوازنات الإقليمية وتحركات بغداد الأخيرة سواء فيما يتعلق بالوساطة بين دمشق وأنقرة والعمل على إعادة العلاقات بينهما، رغم أنه من المقدر أن الزيارة لم تضع ذلك الأمر على رأس أولوياتها، بيد أن الجانب الأمني والسياسي كانا يحظيان باهتمام أكثر في ملفات زيارة بزشكيان حاليا، على اعتبار أن الأخير يدرك تماما أنه على رئيس الحكومة العراقي العمل بثبات نحو محيطه الجيواستراتيجي لتعزيز قدرات بلاده وعدم تعارض ذلك مع منسوب العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويختتم الكاتب السياسي العراقي فلاح المشعل حديثه لـ”الحل نت” بالقول إن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يتجه نحو خلق حالة من التوافق والتوازن في علاقات العراق مع إيران وبقية النقاط الجغرافية المحيطة به من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى والتي يمكن ملاحظته من الاتفاقيات التي أبرمتها بغداد مع أنقرة مؤخرا خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان.
من هنا نرى مساحات الحركة التي يخلقها رئيس الحكومة شياع السوداني وسط تناقضات محيطه الإقليمي، الأمر الذي يسمح له بدور توافقي بين القوى المتصارعة والمتنافسة.
تحديات العقوبات الغربية
تمتلك إيران حوالي 11 مليار دولار مستحقة لدى العراق نظير صادرات الغاز والكهرباء الإيرانيين للعراق لإنتاج الكهرباء، لم يتم سدادها بسبب العقوبات المفروضة على إيران، ويسعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لوضع الحلول لتحويلها إلى البنوك الإيرانية في ظل حاجة إيران الملحة.
إلى ذلك وأثناء الزيارة اجتمع بزشكيان مع التجار الإيرانيين المقيمين في العراق لمناقشة التحديات التجارية التي تواجههم لمحاولة إيجاد حلول لها، فضلا عن الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين.
ثمة تحديات تواجه العلاقات الاقتصادية الإيرانية العراقية أثرت على الشراكة التجارية بينهما، سيما العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والقيود الموضوعة على التحويلات المصرفية بين إيران والعراق وأدت إلى تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى قرابة 9 مليار دولار حاليا، بعد أن سجل 15 مليار دولار في بعض السنوات بعد توقيع الاتفاق النووي.
كما كانت العراق أول وجهة لاستقبال الصادرات الإيرانية في السنوات الأولى لتولي إبراهيم رئيسي ضمن سياسة الدبلوماسية الاقتصادية التي فعلها الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي لتنشيط التجارة مع دول الجوار وعلى رأسها العراق.
كما استهدف البلدان رفع حجم التجارة بينهما إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويا، لكن الواقع لا يسير في هذا الاتجاه حاليا.
جدير بالذكر أن ميزان التجارة بين البلدين في صالح إيران بالكلية، إذ إن أغلب حجم التجارة بين البلدين هي صادرات إيرانية موجهة إلى العراق، أهمها قطع الغيار الهندسية والبتروكيماويات والصلب والمعادن. علاوة على صادرات الغاز والكهرباء، وتواجه العراق صعوبة في دفع وتحويل مستحقاتها لطهران بسبب العقوبات المصرفية، ما تسبب في قطع إمدادات الكهرباء الإيرانية عن العراق أكثر من مرة مما يجعل تحدي العقوبات المصرفية أهم عائق في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
من جانبه يذهب الباحث في الشأن الإيراني وجدان عبدالرحمن أن الهدف الاقتصادي من زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للعراق رغم أهميته البالغة لطهران، بيد أنها صعبة التحقق بالصورة المأمولة كما كانت سابقا نظرا للإجراءات المتخذة خلال الفترة الأخيرة.
يضيف وجدان عبدالرحمن في حديثه لـ “الحل نت” أنه خلال الآونة الأخيرة أصبحت بعض البنوك العراقية تحت العقوبات الأميركية بسبب تعاونها مع إيران، كما أن واشنطن أضحت أكثر مراقبة على البنوك العراقية، فضلا عن متابعة تدفقات الأموال العراقية التي كانت في السابق تضخ نحو إيران غير أنها حاليا أقل مما كان في السابق، ولذلك ووفقا للباحث في الشؤون الإيرانية وجدان عبدالرحمن، فإنه من المستبعد أن تتمكن إيران من حصد مكاسب اقتصادية كما كان في السابق من حيث التبادل التجاري وغيره من الأنشطة الأقتصادية.
إن إيران لن تستطيع الاستفادة من الاتفاقيات التي أبرمها بزشكيان في العراق وأنها لن تتجاوز الأوراق التي شهدت توقيع المسؤولين وذلك على خلفية الضغوط الدولية والعقوبات الغربية على النظام الإيراني.
نحو ذلك يلفت عبدالرحمن صوب حديث رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني حين قال إنه لا يستطيع الالتفاف على العقوبات الأميركية وأنه يستطيع فقط تسديد الديون التي ليست تحت العقوبات.
عبدالرحمن في تصريحاته لـ “الحل نت” يؤكد أن إيران لن تستطيع الاستفادة من الاتفاقيات التي أبرمها بزشكيان في العراق وأنها لن تتجاوز الأوراق التي شهدت توقيع المسؤولين وذلك على خلفية الضغوط الدولية والعقوبات الغربية على النظام الإيراني.
يختتم وجدان عبدالرحمن تصريحاته لـ “الحل نت” بقوله إن إيران تبتغي من زيارة مسعود بزشكيان للعراق تفعيل المنظور السياسي والأمني، خاصة ما يتعلق بأبعادها الإقليمية والجيوسياسية التي نتجت على هامش أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي اندلعت على إثره حرب كارثية في قطاع غزة ومن ثم تصاعد منسوب التوتر في الشرق الأوسط وتوظيف إيران لتلك الجماعات الولائية خدمة لأهدافها الاستراتيجية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.