وسط المتغيرات الدولية وهندسة المصالح الإقليمية على عدة مستويات في المنطقة مؤخرا، تسعى المملكة العربية السعودية بشكل حثيث ومستمر لتحقيق رؤيتها ومصالحها الاستراتيجية، من خلال القيام بالعديد من التحركات والتفاعلات.

مؤخرا، لعبت السعودية دورا بارزا في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ووّسعت آفاق اتصالاتها الإقليمية والدولية، فيما يتعلق بزيادة فرص تحقيق رؤية المملكة لعام 2030، وتنفيذ خطة للنهوض بالبلاد في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والفنون والرياضة. قبل أيام قليلة، عُقدت قمة دول الخليج ودول آسيا الوسطى، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تلبية لدعوة من الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك السعودية.

كان أبرز مخرجات هذه القمة هو دعم السعودية لاستضافة “إكسبو 2030″، الأمر الذي يفتح الباب أمام عدة تساؤلات حول ما إذا كان هدف السعودية من هذه القمة هو حشد الدعم للمملكة لاستضافة “إكسبو 2030″، وما إذا كانت هناك زيادة في العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والدول الآسيوية مقابل هذا الدعم.

فضلا عن تساؤلات أخرى حول مكاسب المملكة من هذا المعرض الدولي، بشكل أساسي اقتصاديا وسياسيا بشكل ثانوي إن صح القول، وما إذا كانت استضافة “إكسبو 2030” يمكن أن تعزز دور المملكة في المنطقة، وهل ستكون هناك تحركات سعودية مقبلة لتحقيق المزيد من الدعم الدولي لاستضافة هذا المعرض في الرياض.

أهداف السعودية

نحو ذلك، صدر بيان مشترك لقمة “مجلس التعاون الخليجي” ودول آسيا الوسطى المنعقدة في مدينة جدة بالسعودية، وكان أبرز بنوده تأكيد القادة دعمهم لترشيح السعودية لاستضافة معرض “إكسبو 2030” في مدينة الرياض، وبذل كافة الجهود لدعم هذا الترشيح، مؤكدين على أهمية تنظيم المعارض الدولية والإقليمية والمشاركة الفعالة فيها لتحفيز التبادلات الاقتصادية والثقافية بين آسيا الوسطى ومنطقة الخليج، طبقا لبيان “مجلس التعاون الخليجي”، يوم الأربعاء الماضي.

القمة الخليجية الآسيوية-“قناة العربية”

القادة الذين حضروا القمة، أكدوا على أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية بين الجانبين على المستويين الجماعي والثنائي، واستمرار التنسيق السياسي بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومواجهة التحديات، والعمل على ضمان مرونة سلاسل الإمداد، والنقل والاتصال، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن المائي، ودفع بناء علاقات التعاون في تطوير مصادر وتقنيات الطاقة الخضراء والمتجددة، وخلق فرص الأعمال التجارية ودعم فرص الاستثمار وزيادة التبادل التجاري، وفق ما نقله “سكاي نيوز عربية“.

في الصدد، يقول المحلل والباحث السياسي، سامح مهدي، إنه من الطبيعي أن تسعى المملكة لتحقيق رؤيتها وعلى عدة مستويات، وقد لوحظ ذلك بوضوح خلال الفترة الماضية، وخاصة تلك التوافقات مع دول مثل إيران وتوازنها في علاقتها ومواقفها شبه الحيادية من بعض الصراعات القائمة.

مهدي أردف في حديثه لموقع “الحل نت”، أن الرياض تسعى في عموم المنابر الدولية والقمم الثنائية التي تحصل سواء على مستوى الدول أو الأقاليم، إلى طرح وعرض ملفّها لمعرض “إكسبو 2030 “، وقد تم عرض ذلك في مقر “الأمم المتحدة” مؤخرا، حين  شاركت هيئات وممثلين عن ملف المملكة في المنتدى السياسي رفيع المستوى “آتش إل إي إف 2023” وذلك تحت شعار “تعجيل التعافي من جائحة كورونا والسعي نحو تحقيق أجندة 2030 للاستدامة على جميع الأصعدة”.

لذلك فإن طرح المملكة لمسألة دعمها لمعرض “إكسبو 2030” ليس أمرا جديدا، ولكن لا يمكن القول إن الهدف الأساسي من القمة كان متحورا حول معرض “إكسبو 2030” فقط، بل ثمة أهداف سياسية استراتيجية أخرى من التحركات السعودية الأخيرة، سواء عبر الاتفاقية والتفاهمات مع بعض الدول أو عبر إجراء القمم والزيارات الدولية. ومن المتوقع أن يزداد هذا الطرح في العديد من المباحثات الدولية، ذلك لأن المملكة مهتمة حاليا بتحقيق رؤيتها لعام 2030، الأمر الذي يتطلب منها بذل جهود مضنية ومكثفة، والقمة الخليجية الآسيوية تُعتبر الأولى وهو ما يدلل على جهود الرياض في هذا الإطار. وبالتأكيد ستكون هناك علاقات اقتصادية عديدة بين هذه الدول، وتحديدا السعودية ودول آسيا الوسطى، الأخيرة التي تحتاج بشكل أو بآخر إلى إقامة هذه العلاقات.

هذا وكشف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، يوم الثلاثاء الفائت عن أن بلاده خصصت موازنة تصل إلى 7.8 مليار دولار لاستضافة معرض “إكسبو 2023” في الرياض، مؤكدا أن تنظيم الحدث العالمي يتلاءم مع بيئة الاستثمار في السعودية التي لا حدود لها.

في كلمته خلال فعاليات حفلة تقديم الملف الرسمي لاستضافة الرياض لمعرض “إكسبو 2030″، أمام المكتب الدولي للمعارض في العاصمة الفرنسية باريس، قال الفالح إن “تجربة إكسبو الرياض 2030 ستكون استثنائية ضمن مشاريع واستثمارات غير مسبوقة”. 

تعزيز دور السعودية

قادة القمة الخليجية الآسيوية شددوا على أهمية تعزيز الحوار الاستراتيجي والسياسي بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، وتعزيز هذه الشراكة نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك الحوار السياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وتبادل أفضل الممارسات والخبرات في جميع المجالات مثل التعليم، والثقافة، وشؤون الشباب والسياحة ووسائل الإعلام والرياضة وفقا لخطة العمل المشترك المتفق عليها للفترة 2023- 2027.

يبدو أن السعودية تشق طريق صعبا منذ فترة، وتضع جهود كبيرة في سبيل استضافة هذا المعرض الدولي، الذي سيحقق لها مكاسب على عدة مستويات.

هنا يرى مهدي أنه من كل بدّ هدف الرياض من هذه الاستضافة هو تعزيز مكانتها وحضورها الإقليمي والدولي، فضلا عن تحقيق ما ترنو إليه منذ فترة، وهي تحقيق الاستقرار بالمنطقة، وتهدئة الصراعات الدائرة بالعديد من دول المنطقة، وذلك لتحقيق تطلعاتها التنموية الاقتصادية، فضلا عن تحقيق مكاسب سياسية.

وفق ما يقوله مهدي، فإن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يسعى من كل الجهات حتى تحقيق رؤيته لعام 2030، خاصة وأنه أنفق ولا يزال ينفق مليارات الدولارات على ذلك، وهذا دون أدنى شك سيوفر للسعودية فُرصا اقتصادية كبيرة ولافتة، من حيث توفير مناخ ملائم لقطاع الأعمال والتجارة والاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي لتحقيق المنفعة المتبادلة.

بحسب مهدي، تسعى الرياض عبر عدة مسارات ومشاريع لتعزيز دورها الإقليمي والدولي، ويُعد استضافة “إكسبو 2030” أحد هذه المسارات، بالإضافة إلى استقطاب أهم لاعبي الرياضة العالميين، فضلا عن استضافة مهرجانات فنية كبيرة، مؤخرا، وأخيرا مشروع “نيوم” المهم.

معرض “إكسبو 2030” سيحقق مكاسب عدة للمملكة العربية السعودية- “إنترنت”

قادة القمة الخليجية الآسيوية ناقشوا القضايا الإقليمية والدولية، حيث توافقت الرؤى حول أهمية تضافر كافة الجهود لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وأولوية استتباب السلم والأمن الدوليين، من خلال الاحترام المتبادل والتعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، والحفاظ على النظام الدولي القائم على الالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق “الأمم المتحدة”، فضلا عن إدانتهم للإرهاب أيّا كانت مصادره، ورفض جميع أشكاله ومظاهره وتجفيف مصادر تمويله.

تحركات أكبر

في سياق متّصل، أكد رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، دعم بلاده الكامل لطلب السعودية استضافة معرض “إكسبو 2030″، معربا عن ترحيب بلاده بعقد القمتين، القمة السعودية الإفريقية الأولى والقمة العربية الإفريقية الخامسة، في السعودية هذا العام بمدينة الرياض.

جاء ذلك خلال تلقيه رسالة شفوية من الملك سلمان بن عبد العزيز، تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون المشترك. ونقل الرسالة المستشار بالديوان الملكي أحمد بن عبد العزيز قطان، خلال استقبال رئيس الكونغو الديمقراطية له، مؤخرا، في كينشاسا العاصمة، وفق “الشرق الأوسط“.

السعودية استطاعت حتى الآن جذب دعم أكثر من 90 دولة لطلب الرياض استضافة “إكسبو 2030” وهو ما يدلل بمدى تمسك وأهمية هذا المعرض بالنسبة للسعودية ولدول العالم أيضا، بحسب المكتب الدولي للمعارض المسؤول عن تنظيم معرض “إكسبو” الدولي.

مهدي يرى أن الأمير محمد بن سلمان من خلال سياسته ودبلوماسيته حقق خطوات لافتة في تحقيق رؤية السعودية لعام 2030، ويتوقع مهدي أن يستمر بن سلمان وحكومة المملكة مجتمعة بزيادة الجهود مع العديد من الدول لكسب دعهم لاستضافة “إكسبو 2030″، وخاصة الدول ذات الحضور الكبير، وزيارة بن سلمان لفرنسا مؤخرا دليل على هذه الاستراتيجية في المرحلة الحالية والمقبلة.

تدعيما لهذه الفرضية، فقد أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مؤخرا، أن بلاده ملتزمة بمساعدة الدول الفقيرة والنامية، مضيفا بقوله “نسعى إلى تنظيم إكسبو 2030 للانتقال إلى مستقبل مستدام أكثر عدالة، وتنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية من خلال رؤية 2030”.

كما وذكر وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان أن الرياض قدمت مساعدات لـ 100 دولة في مجالات البنية التحتية والتنمية.

في الواقع، إن استضافة الرياض لمعرض “إكسبو 2030” ستحقق للمملكة، ولاستراتيجية بن سلمان على وجه الخصوص، نقلة تنموية كبيرة للبلاد خاصة وأن رؤية السعودية لعام 2030، تستهدف استثمارات سعودية بأكثر من 3.3 تريليون دولار بحلول نهاية العقد، مما سينعكس في مضاعفة قبول نهج بن سلمان واستراتيجيته وبرامج تطويره لتعزيز مكانة المملكة في الخارج والداخل. ولا يُستبعد أن تُعقد اتفاقات ومقاربات جديدة في المنطقة، من أجل تحقيق الاستقرار وتقليل الصراعات والتوترات، وفق ما ترنو إليه السعودية مؤخرا، بحسب مهدي.

تبدو فُرص السعودية في استضافة “إكسبو 2030” قوية حتى الآن، نتيجة الجهود الكبيرة التي تبذلها الرياض في هذا الصدد، ويبدو أنها ستتخذ خطوات أخرى في سبيل تحقيق رؤيتها لعام 2030، وتعزيز دورها وحضورها الإقليمي والدولي، ولن يكون مباغتا إعادة هندسة علاقات جديدة خلال الفترة المقبلة، سواء إقليميا أو دوليا، وعلى المستويين الاقتصادي والسياسي، كما حدث مؤخرا، بين أطراف عديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات