انتقل الصراع الدائر بين إسرائيل و”حزب الله” إلى منحنى آخر، واتخذ بعد الاستهدافات الأخيرة التي طاولت قادة الحزب انعطافة حادة، حققت مجموعة من النتائج، منها انكشاف الحزب بالمعنى الاستخباري وضعف بنيته الأمنية التي تبدو هشة، وكذا انتهاء قوة الردع التي لطالما كانت أساس شرعية الميلشيا المدعومة من طهران بلبنان، خلال الفترة السابقة ومنذ انتهاء حرب تموز/ يوليو 2006. إذ إن الموقف في جنوب لبنان، تخطى فكرة أن تل أبيب لم تعد تحافظ على قواعد الاشتباك، أو أن الحزب الولائي يحافظ على مستوى الصراع في نطاقاته المحددة لأحداث “التوتير” من دون الوقوع في فخ الحرب الشاملة والموسعة إقليميا، ومن ثم، الالتزام بالقرار الإيراني بعدم الذهاب أبعد من غزة.
فالمسألة باتت متمثلة في احتمالات انفجار الوضع ببيئات “حزب الله” من خلال تفاقم الضغوط، وفقدان الحزب أي قيمة معنوية وحمولات سياسية تعبوية قام عليها بواسطة خطاباته الشعبوية والأيدولوجية، وتلاشي تأثيراتها بين حواضنه.
كما أن طبيعة الاستهدافات النوعية والدقيقة، كما هو الحال مع تفجيرات أجهزة “البيجر” اللاسلكية، ومقتل عدد من القيادات الحزبية في جنوب لبنان، تحديدا التي طاولت اجتماع “قادة الرضوان” واغتيال القيادي البارز فيها إبراهيم عقيل فضلا عن آخرين، يؤشر إلى استمرار إسرائيل في هدم الأجسام الأمنية والعسكرية لحزب “الولي الفقيه”، وتصفية رمزيتها، لا سيما أن تلك القوى النخبوية تعد أحد ارتكازات الحزب الاستراتيجية في أي مواجهة شاملة مع القوات الإسرائيلية لقدراتها القتالية الميدانية، والاعتماد على إمكانياتها في التسلل للعمق الإسرائيلي، بحسب ما يروج الحزب، وقد سبق لها قبل اندلاع هجمات “حماس” المباغتة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، أن نفذت تدريبات عسكرية لافتة تماثل ما حدث لاحقا في “طوفان الأقصى” في أيار/ مايو من نفس العام.
إسرائيل و”حزب الله”.. دهس “الخطوط الحمراء”
بالتالي، تباشر إسرائيل وعلى مستويات تصعيدية مختلفة تحقيق ضربات استباقية نوعية، تدهس “الخطوط الحمراء” التي حددها حسن نصر الله، ومنها الضاحية الجنوبية، ثم محاولة تركيع الحزب وزلزلة الأرض تحت أقدامه للقبول بتسوية سياسية وتخرج فيها الجبهة اللبنانية من مسار “الإسناد” الذي شكله “محور المقاومة”، وعزله عن حاضنته التي تباعد بينها وبينه التناقضات الفادحة لخطابات نصر الله “العنترية” وواقع الحال المرير الذي يفاقم الأعباء على المدنيين في مناطق نفوذه بالضاحية وجنوب لبنان.

ويبعث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو برسائل جمة في هذه الاستهدافات، وهي أن عودة المستوطنين للشمال الإسرائيلي بات مطلوبا وملحا، الأمر الذي سبق ودعم إتمامه الرئيس الأميركي جو بايدن، وذلك ما يستند عليه (نتنياهو) في شن الهجمات على “حزب الله” والتصعيد المستمر بالجنوب اللبناني، حيث تذهب مراكز قياس اتجاهات الرأي العام بإسرائيل إلى دعم الغالبية وميلها إلى بدء عملية عسكرية ضد “الحزب”.
وفي المحصلة، تضع إسرائيل “حزب الله” أمام رهان صعب، يتمثل في نهاية “حروب الظل”، كما قواعد الاشتباك التقليدية، وأن التصعيد رسالة بالدم والنار لتبديد السوابق القديمة وعدم الالتزام بمعاييرها. فإسرائيل لن تذهب لحرب استنزاف طويلة، وفي المقابل تواصل التصعيد حتى درجاته القصوى لإرغام الحزب على تسوية وفك ارتباطه كـ”جبهة إسناد” بغزة، أو الذهاب لما يمكن تسميته “ما وراء الخطوط الحمراء”، وهو سيناريو آخر، ينذر بانفجار بيئات “حزب الله” ربما قبل اندلاع حرب شاملة.
في المقابل، شن “حزب الله” مطلع الأسبوع “بعشرات الصواريخ مجمعات صناعات عسكرية عائدة لشركة إسرائيلية” شمال مدينة حيفا، وقال الجيش الإسرائيلي إن “أكثر من 100 صاروخ” أطلقت من لبنان، وأن فرق الإطفاء تعمل على إخماد حرائق اندلعت على أثرها، وذلك بعد ساعات من توجيهه ضربات جوية مكثفة ضد أهداف للحزب في لبنان.
كافة السيناريوهات “مرشحة”
وفي حين أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أنه لا يمكن القول بتلاشي المسار التفاوضي والدبلوماسي لوقف إطلاق النار بغزة، فقد عاود الحديث بأن واشنطن “لم تصل بعد إلى مرحلة نكون فيها مستعدين لطرح شيء على الطاولة”.
وذلك يعني أن الأوضاع مرشحة لكافة السيناريوهات، سواء التسوية أو استمرار التصعيد، وحتى الحرب الشاملة، وذلك بحسب المحددات والشروط ربما اليومية لقرار المنخرطين في الصراع، بما سينعكس حتما على الردود المحتملة.
والسبت الماضي، أكد الجيش الإسرائيلي أن “عشرات” الطائرات الحربية تشن “غارات واسعة” ضد أهداف لـ”حزب الله” في جنوب لبنان، في ظل تصعيد ملحوظ يثير مخاوف من أن يتحول الى حرب واسعة، بحسب ما نقل موقع “الحرة” الأميركي. وذكر الناطق بلسان الجيش دانيال هاغاري “في الساعة الأخيرة نقوم بشن غارات واسعة في جنوب لبنان بعد رصد استعدادات حزب الله لإطلاق قذائف صاروخية نحو الأراضي الاسرائيلية”. وتابع: “عشرات الطائرات الحربية تهاجم أهدافا إرهابية ومنصات صاروخية”. وقال إن “هناك احتمال أن يتم إطلاق صواريخ أو أشكال أخرى من التهديد في اتجاه البلاد في مستقبل وشيك”.
منذ بداية الحرب على غزة أعلنت إسرائيل أنها تريد تحقيق عدة أهداف، منها إعادة الاسرى لدى حركة “حماس”، والسيطرة على القطاع وتفكيك قوة الحركة بغزة، إلا أن تطور الحرب بأشكالها المختلفة منع اسرائيل من تحقيق هذه الأهداف بسبب تكتيكات الحركات المنخرطة في “محور المقاومة”، وداخل ما يعرف بـ”وحدة الساحات” من العراق الى اليمن إلى لبنان إلى الضفة الغربية، حسبما يوضح المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة كمال الزغول، مضيفا لـ”الحل نت” أنه عندما نجحت إسرائيل بالتدمير دون تحقيق الأهداف المنشودة قسمت القطاع إلى قسمين بواسطة محور نتساريم وأصبحت تستغل أهدافها عن بعد، فلم يكن هذا التكتيك محض صدفة وإنما ساعد اسرائيل في نقل كثير من القوات إلى الشمال لإجبار “حزب الله” على الانسحاب إلى خلف نهر الليطاني. وذلك في ظل وجود المبعوث الأميركي آموس هوكستين. هذا الانتقال لم يكن من دون مساعدة الولايات المتحدة وذلك بدعم إسرائيل بـ 20 مليار دولار كقيمة لأسلحة جديدة كانت موجهة إلى الجبهة الشمالية.

كما حاولت الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للوصول إلى صفقة. إلا أن إسرائيل راحت لاستعمال السلاح المرسل كيفما تريد وأينما تريد، وفق الزغول، ويبدو أنه عندما رأت إسرائيل القبول ضمنا وعدم الضغط الشديد عليها لمنع التصعيد اعتمدت استراتيجية “التدرج في توسيع الجبهات”. فالحكومة الإسرائيلية تريد أن تطبق نظرية “الاستفراد” بالاعتماد على “نظرية الدومينو” بحيث إذا انهارت “حماس” ينهار بعدها “حزب الله” ومن ثم سوريا مرورا بـ”الحوثيين” وصولا إلى إيران.
4 عوامل تتحكم بالحرب الإقليمية
هناك أربعة عوامل تتحكم في الحرب الإقليمية، وفق المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، كمال الزغول، أولا، الولايات المتحدة الأميركية ورغبتها في تسوية وإنهاء هذه الحرب ومجهودها نحو الدبلوماسية، ولغاية هذه اللحظة ما زالت أميركا تحاول إيجاد حلول.
ثانيا، قدرة الطرفين على استنزاف الآخر والمتابعة نحو هذه الحرب. وبالرغم من عدم توازن القوى إلا أنه يوجد أمل للطرفين ولا أحد منهما يرغب بحرب إقليمية.
ثالثا، دخول “الاتحاد الأوروبي” على الخط والتفاوض خلف الكواليس مع إيران وأيضا مع اسرائيل لتهدئة الأوضاع. رابعا، القبول بالصفقة مع “حماس” وتوقف جميع الجبهات لا يمكن أن يحدث إلا بضغط دولي وأميركي على الأطراف لقبول مقترحات جديدة.
سيناريوهات الحرب
أما سيناريوهات الحرب، فيتمثل في سيناريو الاستنزاف من قبل “حزب الله” و”حماس” لفترة طويلة، ومن قبل إسرائيل من جهة أخرى، والسير خطوة مقابل خطوة، جغرافيا مقابل جغرافيا، ديمغرافيا مقابل ديمغرافيا، وهذا يعطي أمد لإطالة الحرب يتم فيها إنهاك الأطراف، لكن يستفيد منها نتنياهو؛ لأنه يريد أن يقول إن “حزب الله” هو من منع خروج الأسرى من غزة بفتح جبهة الشمال على إسرائيل ويتجنب الاتهام بمقتلهم ويتخطى الانتخابات الأميركية آملا في نجاح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. يقول الزغول.
وبينما لا يرجح الزغول الحرب الشاملة والإقليمية، فيقول إن الأقرب “عدم اشتراك إيران والولايات المتحدة بالحرب، وذلك لحساب تبادل الرسائل من خلف الكواليس من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي بسبب إنهاك الأطراف لبعضها مما يخلق مقترحات جديدة يتم النقاش حولها لتهدئة التصعيد”.
المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة كمال الزغول لـ”الحل نت”
ويردف الزغول: “سيناريو التدرج والتطور الميداني، هذا السيناريو قد يدخل مناطق جديدة في الاستعدادات لدى الطرفين حتى تقترب من العواصم. وعندها ننتقل إلى السيناريو الثالث، وهو دخول ما يعرف بـ(المقاومة الإسلامية في العراق) والميلشيات الإيرانية في سوريا والحوثيين بزخم قوتهم على الخط، وهنا يصبح لزاما على الولايات المتحدة أن تختار بين توسع الحرب ودخولها للدفاع عن إسرائيل بقصف تلك القوى كل في موقعه، أو استخدام القصف ضد الأفرع مع مواكبة مفاوضات وضغوطات دبلوماسية”.
السيناريو الرابع، وهو دخول إيران على الخط إذا تم إنهاك “حزب الله”. هذا يعتبر اختبار لإيران بشأن ما إذا كانت ستتخلى عن “حزب الله” في سبيل الحفاظ على ملفها النووي، أم أنها ستدخل الحرب لأن ضرب المواقع النووية في إيران، تصبح مسألة وقت بعد تدمير “حزب الله”. فإن أدركت إيران هذه النقطة عندها ستستخدم جميع أفرع “محور المقاومة” لثني إسرائيل عن الاستمرار بسياسة التدرج بالجبهات وعدم فصلها لأن ذلك يهزمها في نهاية المطاف.
وبينما لا يرجح الزغول الحرب الشاملة والإقليمية، فيقول إن الأقرب “عدم اشتراك إيران والولايات المتحدة بالحرب، وذلك لحساب تبادل الرسائل من خلف الكواليس من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي بسبب إنهاك الأطراف لبعضها مما يخلق مقترحات جديدة يتم النقاش حولها لتهدئة التصعيد”.

والخلاصة، وفق الزغول، فإن “اندلاع حرب إقليمية يعتمد على تطورها على أرض المعركة جغرافيا وعلى توسع قواعد الاشتباك ميدانيا، ويعتمد على الأولويات الاستراتيجية للإدارة الأميركية ووعيها وهم التقييم الاسرائيلي للعمل الميداني على الأرض والذي يمارسه نتنياهو، لضمان بقائه بالسلطة، وأيضا على الرغبة الإيرانية باستبعاد وتفادي الحرب. لكن جميع الأطراف لا ترغب بتوسع الحرب، وتفجير أجهزة (البيجر) جاء لردع حزب الله للقبول بحلول ولانسحابه إلى ما وراء الليطاني. لكننا نقترب من مشهد حرب 2006 وبشكل مختلف تلعب فيها الإنفاق دورا كبيرا وتتغير فيها نوعية الأسلحة. فإذا رغبت إسرائيل في إنهاء الحرب مع الحزب ستضرب قطاع غزة وحزب الله ضربات جنونية وبأحزمة نارية من جديد قبل الوصول إلى صفقة تبادل الأسرى، لأنها تعتبر ذلك فرصة تاريخية مختصرة. نستطيع القول إننا نقترب من حرب شاملة على لبنان تعتمد على توسع قواعد الاشتباك، وما زال هناك مجالا لتجنب حرب إقليمية لكنها تشوبها يعتمد على التهور الإسرائيلي كما حدث في تفجيرات البيجر”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

إسرائيل تواصل التصعيد في جنوبي سوريا.. عمليات برية وغارات جوية

غارات إسرائيلية على منطقة دير علي بريف دمشق.. ماذا استهدفت؟

أبرزها سوريا.. ترامب يُعلّق المساعدات الخارجية الأميركية فما الأسباب؟

السلطات في دمشق تمنع جنسيتين من دخول البلاد
الأكثر قراءة

وعود حكومية بلا تنفيذ.. هل توقفت بوادر حلول الأزمات السورية؟

وزير النقل السوري يتحدث عن آليات جديدة لتسعير السيارات.. ماذا قال؟

وزير الداخلية السوري: التعاون مع روسيا يخدم دمشق

وزارة الداخلية دفعت محمد الشعار إلى تسليم نفسه.. ماذا قالت؟

وثّقَ تعذيب السوريين بسجون الأسد.. تفاصيل جديدة عن “قيصر”

واشنطن تتحدث عن سحب قواتها من سوريا.. و”قسد” تؤكد عدم تلقيها خططا رسمية
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“سيحاكمون”.. الشرع يرفض الطلب الجزائري بتسليم المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد

الشرع يتحدث عن أسباب رحلته إلى العراق وانضمامه “للقاعدة”

“حتى عام 2022 كان مقيماً فيها”.. ماهر الشرع من طبيب بروسيا إلى وزير بسوريا

الشرع: لم نفرض “التجنيد الإجباري” وآلاف المتطوعين يلتحقون بالجيش السوري الجديد


طهران: ندعم أي حكومة يؤيدها السوريون.. والشرع يزور تركيا غداً

سوريون يرفضون إعادة العلاقات مع روسيا.. استطلاع رأي لـ”الحل نت”
