مشاهد النزوح للمدنيين بعدة مناطق في جنوب لبنان نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي، يفاقمه تضاعف أعداد القتلى والتي تشير تحديثات وزارة الصحة اللبنانية، حتى كتابة هذه السطور، إلى بلوغها 558 قتيلا و1835 جريحا في الجنوب والبقاع وبعلبك. يحمّل لبنانيون “حزب الله” نتائج الوضع المأساوي الذي وصلته البلاد نتيجة الارتهان الميداني والسياسي لحساب إيران، ومصالحها العسكرية، لا سيما في ظل تواصل تدمير مناطق نفوذ الحزب بضربات جوية طاولت أهدافا عسكرية بسهل البقاع ومناطق متفرقة بالجنوب، فضلا عن المناطق الشمالية المتاخمة لسوريا.
فيما يرى مراقبون تحدثوا لـ”الحل نت”، أن “جبهة الإسناد” التي شكلتها طهران بواسطة وكلائها في لبنان واليمن والعراق، عبارة عن استعمال الفصائل الولائية للبنى الاجتماعية والسياسية و”الدماء غير الإيرانية”، فضلا عن تحويل المدنيين لـ”رهائن ودروع بشرية” بهدف تحقيق أغراض سياسية وبراغماتية تكون “أوراق تفاوضية” في يد النظام الإيراني، في حين تبدو المصالح الوطنية لـ”البلدان التي يستعملها ملالي طهران ضائعة ومهدرة لصالح أمراء الحرب وملوك الطوائف”.
لبنان.. “حزب الله” يهدر دماء المدنيين
يقول القيادي الفلسطيني بحركة “فتح” المستشار زيد الأيوبي، إن نزوح المدنيين من جنوب لبنان خشية على أرواحهم يبدو مشهدا صعبا، لكنه يفضح “إهدار حزب الله أي قيمة أخلاقية تجاه مسؤولياته بحق حواضنه والسكان بمناطق نفوذه وسيطرته، بينما يسعى إلى الاستمرار في العسكرة والتصعيد ليراكم اللبنانيون المعاناة والموت” موضحا لـ”الحل نت” أنه “في غزة كما في لبنان ومناطق أخرى، لا تكف أذرع ملالي طهران عن تحويل السكان إلى دروع بشرية لهم والمتاجرة بهم أمام المجتمع الدولي والمحيط العربي، بهدف الضغط من خلالهم على هذه الأطراف، وهي ممارسات متكررة”.

ووفق الأيوبي، فإن “حزب الله” لم يكن مستعدا للتصعيد الإسرائيلي، ولا يملك خططا لمواجهة سيناريوهات الحرب سواء من خلال شن الهجمات الجوية أو في حال حدوث اجتياح بري، لافتا إلى أن هذا السلوك الارتجالي من قبل الحزب المدعوم من إيران، حدث ذاته إبان هجمات “طوفان الأقصى، عندما باشرت حماس بهجماتها المباغتة من دون تحقيق أي ضمانات للمدنيين وحمايتهم، وقد دفعوا ثمنا هائلا”.
ويشير القيادي الفلسطيني بحركة “فتح” إلى أن “حزب الله” كما “حماس” لا يعمل أيا منهما لحساب “شعبه سواء في فلسطين أو لبنان”، واصفا ما بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي بأنها أسقطت “ورقة التوت” عن “محور المقاومة” الذي لا يخدم سوى مصالح طهران وهذا ما جاء على لسان مسؤولين إيرانيين مؤخرا بأنهم مستعدون لمفاوضات نووية مع واشنطن في محاولة لاستعادة مسار دبلوماسي تفاوضي على واحدة من القضايا العالقة بين طهران وواشنطن، بينما “كل علاقة وكلاء الحرس الثوري بالمسألة الفلسطينية هي الخطابات الشعبوية الفضفاضة والأحاديث العنترية التي تذهب بهم لمسار تدميري. وهذا ما برز في أسلوب وطريقة الرد الاستعراضية على القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان”.
“وقف التصعيد رهن فك الارتباط بغزة”
إذا، تبدو المواجهة بين إسرائيل و”حزب الله” مفتوحة وليس من المرجح أن تصل إلى التهدئة قبل إعلان “حزب الله” وقف إطلاق النار، وبدء التهدئة، والقبول بالتسوية وفك الارتباط مع غزة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إن الجيش بصدد “تغيير التوازن الأمني” في شمال إسرائيل. وتابع: “لقد وعدت بأننا سنغير التوازن الأمني، توازن القوى في الشمال، وهذا تحديدا ما نقوم به”، مشيرا إلى أن “إسرائيل لا تنتظر التهديد، بل تستبقه”.
من جهته، أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت: “نكثف ضرباتنا في لبنان وستستمر سلسلة العمليات حتى نحقق أهدافنا”. وأردف: “أمامنا أيام سيكون فيها على الجمهور التحلي برباطة الجأش والانضباط والطاعة الكاملة” للتعليمات الصادرة عن قيادة الجبهة الداخلية.
وفي ظل هذا التصعيد، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية تعزيز عدد قواتها في المنطقة بقوة عسكرية إضافية صغيرة، مشددة على أنه “من المهم للغاية أن نواصل العمل لإيجاد حل دبلوماسي” مع تزايد “احتمال اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقا”، مضيفة: “لكننا لم نصل إلى هذه النقطة بعد”. وذكرت: “نستمر في التشاور عن كثب مع إسرائيل وغيرها من الدول في المنطقة لمنع تحول التصعيد إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا”.
يرجح الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، بأن عملية الاستهداف الإسرائيلية عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية “البيجر” بيد عناصر وقادة “حزب الله”، تأتي في سياق استمرار عملية استنزاف العنصر البشري لجماعة “حزب الله”، ولكن التطور الجديد هو استنزاف القيادة وهذا ما تسعى له تل أبيب منذ أكثر من شهر تقريبا، فتركز على طبيعة غاراتها باستهداف القادة الميدانيين وقيادات الصف الأول في الحزب. فبالتالي عمليات تفجير أجهزة “البيجر” تعتبر استكمالا لمشروع استخباراتي رفيع المستوى، والهدف الاستراتيجي من هذه الخطوة هو تحييد الكتلة الصلبة لـ”حزب الله”، وتحديدا “فرقة الرضوان”، عن الخدمة بشكل شبه كامل.
يبدو أن إيران ستعمل على تهدئة الوضع، نظرا لأنها لن تنخرط في الحرب إلى جانب الحزب، فضلا عن أن “حزب الله” لن يصمد أمام القدرات العسكرية الإسرائيلية المتفوقة، ولهذا جاء حديث الرئيس الإيراني الجديد، حيث قال في مقابلة صحفية، إن “حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه إسرائيل”.
وبناء عليه يقول النعيمي لـ”الحل نت” إن عملية تفجير أجهزة “البيجر” كانت عملية دقيقة ونوعية، وعلى أعلى المستويات الاستخبارية من حيث البدء بالتصنيع وصولا إلى التفجير. ويردف: “قد نلاحظ عمليات مماثلة في كل من سوريا والعراق واليمن وإيران، نظرا لأن هذه الدول تستخدم تكنولوجيا البيجر في عمليات التواصل ما بين القيادات”، وبحسب اعتقاد النعيمي، فإن “مقتل الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، أمير عبد اللهيان قد تمت من خلال عملية تفجير داخل الطائرة المروحية”.
إيران تعترف بتفوق قدرات إسرائيل على “حزب الله”
وبسؤال النعيمي عن السيناريوهات المتوقعة في لبنان، فما الذي يجعل الوضع على حافة التصعيد والتوتر المستمرين، أجاب: “هناك سيناريوهان محتملان: سيناريو التصعيد وسيناريو التهدئة. أما سيناريو التصعيد، فأرى أنه السيناريو الأقرب للمتغيرات التي تشهدها المنطقة بشكل عام وجنوب لبنان بشكل خاص. وذلك بعد الأزمة التي ضربت حكومة نتنياهو في عدم قدرته على إحراز أي تقدم في قضية المعتقلين والرهائن في غزة، وعدم قدرته على الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهو ما يبدو مؤشرا واضحا على أنه يعاني من أزمة حقيقية في إدارته للحرب في غزة. وعليه، فهو يحاول الهروب إلى الأمام من خلال الصدام الإقليمي مع وكلاء وميلشيا إيران، وتحديدا حزب الله. وعملية (البيجر) ما هي إلا رسالة أولية بأننا قادرون على توجيه المزيد من الضربات على كافة المستويات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية”.
وأردف النعيمي في سياق حديثه مع “الحل نت”، أن “فكرة الاجتياح الجزئي أو الشامل تعتمد على قدرة جماعة حزب الله على امتصاص العاصفة الإسرائيلية، وبالتالي، فإن العملية البرية الإسرائيلية مرهونة بالرد من قبل حزب الله”.
“حزب الله” صمت وتلقى العديد من الضربات في محاولة لعدم خسارة كل شيء في لحظة. وإذا انخرط في الحرب بشكل مباشر فإن الردود ستكون حاسمة في المقابل، وربما بمسارين متوازيين أحدهما مسار من جنوب لبنان ومسار من جنوب سوريا يبدأ بمنطقة القنيطرة وتحديدا جهة بلدة جباتا الخشب الواقعة ضمن خط وقف إطلاق النار بريف القنيطرة جنوبي سوريا، حيث توغل الجيش الإسرائيلي فيها وبنى مجموعة من السواتر الترابية لحماية آلياته العسكرية، التي توغلت بعمق أكثر من 200 متر، بالإضافة إلى الخنادق، لتحريك قواته البرية وتحييدها من أي ضربات محتملة من جماعة “حزب الله” أو أي من القوى التابعة لما يعرف بـ”محور المقاومة”.

أما سيناريو التهدئة، فيرجح النعيمي بأن إيران ستعمل من خلال الدوائر الخلفية استثمار “أوراق الضغط” التي تمتلكها من أجل احتواء الأزمة في جنوب لبنان، وتحييد أي اشتباك كبير قد يحصل مع “حزب الله”. وهنا، يتحدث النعيمي عن عملية اجتياح جزئية، أو كاملة في الجنوب اللبناني في منطقة جنوب الليطاني. لكن هذا يعتمد على قدرة إيران في تفكيك الصراعات الدائرة مع تل أبيب.
ويبدو أن إيران ستعمل على تهدئة الوضع، نظرا لأنها لن تنخرط في الحرب إلى جانب الحزب، فضلا عن أن “حزب الله” لن يصمد أمام القدرات العسكرية الإسرائيلية المتفوقة، ولهذا جاء حديث الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، حيث قال في مقابلة مع “سي إن إن”، الاثنين، إن “حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة (إسرائيل) مسلحة تسليحا جيدا جدا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر”.
وأضاف بزشكيان: “يجب ألا نسمح للبنان بأن يصبح غزة أخرى على أيدي إسرائيل. لا يستطيع حزب الله أن يفعل ذلك بمفرده. لا يستطيع حزب الله أن يقف بمفرده ضد دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية”.
وبالتالي من المرجح، وفق النعيمي، أن تقوم إيران باستثمار المكتسبات التي حققتها في معداتها العسكرية لضبط المشهد التصعيدي لمنع انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة، واقتصار الاشتباك على الجنوب اللبناني وإنهائه تدريجيا بموجب الأوراق التي تمتلكها إيران في ضغطها على “حزب الله”، لعدم توسيع النطاق الحرب.
كما أن الداخل الإيراني، فعلى ما يبدو أنها “مرتبكة” حاليا، الأمر الذي جعلها تقع في “خطأ استراتيجي” رغم محاذيرها السابقة وتخوفاتها من تكنولوجيا الاتصالات عبر شبكات الإنترنت لقدرة خصومها على اختراقها وشن الهجمات السيبرانية. فبالتالي يعاني النظام في طهران من أزمة حقيقية. وهناك إرباك شديد وانقطاع الاتصال بين دوائر العمل الإيرانية، الأمر الذي أصبح “سيد الموقف” بطهران المتخوفة من أي لحظة قد يتم فيها توجيه ضربات واسعة النطاق لبرامجها النووية الباليستية والمسيّرات. ولذلك تحاول عدم التصعيد مع إبقاء عنصر التلويح بالقوة قائما.
وبالتالي يمكن القول، وفق النعيمي، إن “إيران تبدو عاجزة أن ترد على الضربات الإسرائيلية حتى عبر أذرعها، نظرا لأنها تدرك تماما أنه بمجرد الانتهاء من هذه الأذرع سيتم الانتقال من ضرب ذيول الإخطبوط إلى رأسه في طهران. من ثم الحفاظ على عناصر القوة خارج الجغرافيا الإيرانية، التي هي من أهم المكاسب التي حققتها طهران على مدى فترات الأزمات العربية عموما واللبنانية خصوصا”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

خيارات بغداد الصعبة.. كيف تتحرك واشنطن لتطويق إيران من العراق؟

عصى ترامب تجلد “الحوثيين”: هل تخلت طهران عن حليفها الأخير؟

تهريب الأسلحة من إيران إلى القرن الإفريقي: توظيف “الحوثيين” لدعم تنظيم “القاعدة”

اضطرابات الساحل السوري: صراع نفوذ إقليمي أم محاولات لبعث الفوضى؟
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“تهدئة على الحدود”.. اتفاق سوري لبناني لوقف إطلاق النار

توترات بين دمشق و”حزب الله”.. تفاصيل ما حدث على الحدود السورية اللبنانية

تغييب بنود عن الدستور الجديد وتمييع حقوق السوريين تثير انتقادات واحتجاجات

“مقتل تسعة أشخاص من عائلة واحدة”.. تركيا ترتكب مجزرة في كوباني

الشرع يصدر قراراً رسمياً بتشكيل مجلس الأمن الوطني في سوريا

ما حقيقة دخول قوات “قسد” إلى المناطق العلوية بسوريا؟

مبادرات محلية لمساعدة أهالي الساحل السوري.. وهذا ما قالته “أمنيستي” و”رايتس ووتش”
