لم تتلق أنقرة أي رد من دمشق على دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد لقاء مع نظيره السوري بشار الأسد؛ هذا الصمت دفع تركيا إلى تعزيز وجودها العسكري في شمال سوريا، حيث أرسلت مؤخراً تعزيزات كبيرة إلى نقاطها المنتشرة في المنطقة.
تشير التطورات الأخيرة في دمشق إلى توجهها نحو مسار مغاير في التعامل مع أنقرة، مع تركيز الدولة السورية على مشروع “اللامركزية” وزيادة الحشود العسكرية على جبهات حلب. هذه التحركات قد تنذر بإمكانية اندلاع معركة قرب مناطق النفوذ التركي، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تبني خطاب جديد، في محاولة لجذب انتباه الرئيس السوري بشار الأسد.
مساع أردوغان تصب نحو إقناع الأسد بالمضي قدماً في عملية تطبيع العلاقات بين البلدين دون شروط مسبقة، وبناءً على مبدأ المصالح المشتركة بين الجارتين. غير أن دمشق تبدو غير مبالية بهذا الطرح، ولا تعير أي اهتمام بالاستجابة لهذه المساعي في الوقت الراهن.
كسب الود
أول أمس السبت، أطلق أردوغان تصريحات جديدة، أخذت طابعا وديا للتقرب من دمشق، إذ أظهر غيرة على وحدة الأراضي السورية بعد الاستهداف الإسرائيلي لدمشق، لكنه عاد للتحذير من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ تراها أنقرة من جهة واحدة أنها “تنظيما إرهابيا”.
في تصريحات لصحافيين رافقوه في طريق عودته من زيارة كل من ألبانيا وصربيا أول أمس السبت، قال أردوغان إن “تركيا ستدافع عن سلام عاجل ودائم في سوريا، إسرائيل تشكل تهديداً ملموساً للسلام الإقليمي والعالمي… إسرائيل تقصف لبنان، تقصف بيروت وتقصف دمشق، ويقولون صراحة إنهم سيغزون دمشق بعد لبنان، احتلال دمشق يعني وصول جنود إسرائيليين إلى الحدود التركية وتفكك الخريطة السورية بالكامل”.
أردوغان يسعى إلى إثبات حسن نوايا بلاده تجاه سوريا والتي لا تتطابق مع قناعات الأسد، إذ قال: “قد عانت سوريا الكثير، ومنذ بداية الحرب الأهلية فيها قلنا إننا نحترم وحدة الأراضي السورية، لقد استخدمنا جميع الوسائل الدبلوماسية لحماية سيادة سوريا”.
وقال أردوغان إنه يمكن للاستخدام الفعال للقنوات الدبلوماسية أن يمنع تصعيد الصراع، مؤكدا مواصلة العمل من أجل استعادة وحدة سوريا وتحقيق السلام والهدوء.
لكنه عاد لنبرة التخويف من إسرائيل ومغازلة موسكو في نفس الوقت، إذ أكد أن بلاده “سوف نقف إلى جانب السلام الذي تمثل إسرائيل أكبر تهديد له، ويجب على الذين يقومون بواجب الحفاظ على السلام العالمي أن ينهوا هذا التهديد ويحافظوا على السلام. لقد تابعنا بعناية الخطوات التي ستتخذها روسيا منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، لأن روسيا تعمل بشكل مشترك مع سوريا”.
التصريحات التركية السبت، لم تقف عند أردوغان، إذ أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كتشلي، بيانا اعتبر فيه أن تمديد الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على سوريا لمدة عام إضافي، لا يتوافق مع الحقائق على الأرض.
رسائل مبطنة
لكن تصريحات أردوغان حملت رسائل مبطنة وتحذيرا من “وحدات حماية الشعب الكردية” و”قسد”، إذ اعتبر أنها تشكل أكبر تهديد لسلامة الأراضي السورية، متناسيا في الوقت ذاته مطالب دمشق بالانسحاب التركي من الأراضي السورية.
وأضاف أردوغان: “وفيما يتعلق بإيران، فإن وموسكو وطهران ودمشق تعمل معاً كآلية ثلاثية، وعلى الجانب الآخر هناك قوات التحالف المكونة من أميركا وإنجلترا وألمانيا في شرق سوريا، ومن الضروري أن تتخذ روسيا وإيران وسوريا إجراءات أكثر فاعلية ضد هذا الوضع الذي يشكل أكبر تهديد لسلامة الأراضي السورية”.
التحذيرات التركية، تأتي في ظل حديث دمشق عن تطبيق “اللامركزية”، الأمر الذي أثار تخوف أنقرة من استيعاب دمشق لوجود “الإدارة الذاتية الكردية”، إذ أكد الأسد في كلمته أمام “مجلس الشعب” في آب/أغسطس الفائت، على أهمية العمل بـ”اللامركزية” لنجاح الإصلاح الإداري والاقتصادي، بينما تكرر الحديث نفسه خلال لقائه مع الحكومة السورية الجديدة في أيلول/سبتمبر الماضي.
تجاهل دمشق
لكن الواضح أن دمشق لا تريد إعادة العلاقات مع أنقرة، في ظل عدم تحقيق مطالبها بالانسحاب من الأراضي السورية أو الاتفاق على جدول زمني لذلك، إذ تجاهل أردوغان في تجديد دعوته للأسد للقاء، قبيل سفره إلى نيويورك لحضور أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الـ 21 أيلول/سبتمبر الماضي، مطالب دمشق.
آنذاك قال أردوغان، إن أنقرة ودمشق “يمكنهما اتخاذ خطوات مشتركة لضمان السلام والاستقرار في جميع أنحاء الأراضي السورية”. وأوضح أن بلاده ترى أن السلطات السورية والمعارضة قد حرصتا على توقف المواجهات العسكرية بينهما.
بدلا من ذلك، وجهت الحكومة السورية دعوة للقاء لـ “حزب الشعب الجمهوري” التركي، بحسب ما أعلن زعيم الحزب أوزغور أوزال، إذ قال: “سوريا قالت لنا: سنحدد لكم موعداً. نحن الآن في انتظار ذلك. إذا ذهب أردوغان قبلي لحل هذه الأزمة، سأكون سعيداً. وإذا تمكّن من حل المشكلة، سأكون ممتناً، لأن هناك فرصة سانحة يجب اغتنامها الآن”.
حديث أوزال جاء بعد دعوة أردوغان الأخيرة للأسد، إذ دعا الحكومة التركية إلى بدء محادثات رسمية مع دمشق لضمان عودة آمنة للاجئين، بعد صدور عفو عام.
بينما أعلن نائب رئيس “حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض إلهان آوزكال، أن حزبه أرسل رسالة رسمية إلى القيادة السورية يعبر فيها عن رغبته بزيارة دمشق وإجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين وأن رد الحكومة السورية “لم يكن سلبيا”.
واعتبر آوزكال، في تصريح لموقع “هاشتاغ” المحلي، أن “العلاقات التركية مع سوريا وصلت إلى طريق مسدود على الرغم من وجود مشكلات خطرة يجب معالجتها.”
توتر الشمال السوري
ما يزيد المشهد تعقيدا بالنسبة لأنقرة، هو إصرار “هيئة تحرير الشام” على فتح معركة في الشمال السوري، في ظل رفض تركي، حيث تستمر “الهيئة” وفصائل المعارضة الموجودة ضمن مناطق سيطرتها في التحضيرات المكثفة لشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد مواقع الجيش السوري في مدينة حلب وأرياف اللاذقية وحماة وإدلب.
ودفعت “الهيئة” بتعزيزات عسكرية جديدة إلى محاور ريف حلب الغربي، إضافةً إلى تثبيت راجمات صواريخ ومدفعية ثقيلة، وأسلحة نوعية مثل صواريخ “تاو” الأميركية، بينما فتحت باب الانتساب في صفوفها بمختلف الاختصاصات.
بينما استهدف عناصر “الهيئة” أمس الأحد، طائرة استطلاع روسية بصواريخ حرارية، أثناء تحليقها في أجواء الشمال السوري، إلا أن الصواريخ لم تتمكن من إصابتها، بينما تواصل الطائرة عمليات الرصد المستمرة للتحركات في الشمال السوري، خاصة في ريفي حلب وإدلب.
فيما وصلت تعزيزات عسكرية جديدة لكل من “الفرقة الرابعة” و”الفرقة 25″ مهام خاصة، و”الفيلق الخامس”، والحرس الجمهوري بالجيش السوري، إلى ريف حلب الغربي وضواحيها، بالتزامن مع تحليق طائرة مروحية وسرب طيران حربي روسي في أجواء المنطقة وريف إدلب.
وتضمّنت التعزيزات الجديدة سيارات مُثبّت عليها رشاشات ثقيلة، وجنود، وذخيرة، وغرف طبية، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
تركيا دفعت أيضا تعزيزات ضخمة على مدى الأسبوعين الماضيين، حيث دخلت أكثر من 190 آلية عسكرية تركية، إذ توزعت هذه التعزيزات على عدة محاور استراتيجية في ريفي إدلب وحلب.
التعزيزات التركية تزامنت أيضا مع إجراء قادة كبار في الجيش التركي زيارة ميدانية مطلع الشهر الحالي لتفقد القواعد العسكرية شمال غرب سوريا، على رأسهم قائد القوات البرية سلجوق بيرقدار أوغلو، في إشارة إلى عدم وجود نية للانسحاب، وأن تركيا جاهزة لأي تغيير محتمل على الأرض.
إذاً، الواضح أن أنقرة تريد التقرب من دمشق خوفا من التطورات في الشمال السوري، إذ تخشى تركيا أن تفقد السيطرة الفعلية على الفصائل التي تتبع لها، خاصة بعد التوتر مع “لواء صقور الشمال” وعدم انصياع “هيئة تحرير الشام” لأوامرها بعدم فتح معركة، وهو ما يخلق توترا مع موسكو ضمن منطقة “بوتين – أردوغان”.
- سوريا: حملة “لباس المرأة الحرة” لمواجهة دعوات لـ”حجاب المرأة المسلمة”
- الشيباني يلتقي مسرور البارزاني ويدعوه لزيارة دمشق
- مصرف سوريا المركزي يجمد حسابات مرتبطة بنظام الأسد.. ضمنها إمبراطورية اقتصادية
- بـ”شرطين”.. إعفاء خطوط الإنتاج والآلات من الرسوم الجمركية
- “الإدارة الذاتية” تسمح للسوريين في مخيم “الهول” بالعودة إلى مناطقهم
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.