ما تزال تهديدات “داعش” المتنامية، وبخاصة في العراق الذي أعلن مؤخرا عن مقتل “والي العراق” تثير تساؤلات عديدة، لا سيما مع الأحاديث المتكررة بشأن خطة الانسحاب الأميركي وتداعياتها في حال حدوث فراغ أمني في البلاد، الأمر الذي سيترتب عليه ملء قوى إقليمية لديها أجندة مختلفة سياسية وأمنية.
وبينما تتحفز الميلشيات المدعومة من “الحرس الثوري” الإيراني على وضع انسحاب القوات الأميركية من العراق باعتباره انتصارا سياسيا لنظام الملالي في ظل المواجهات المحتدمة مع واشنطن، فمن المرجح أن تكون طهران وأنقرة من بين اللاعبين في الساحة العراق، فالأولى تبحث عن تعميق نفوذها من خلال وكلائها، والتغلغل في الأجهزة والمؤسسات الأمنية والهياكل الحكومية، كما أن الأخيرة سوف توسع من عملياتها الهجومية التي تطال “حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق.
“داعش”.. تهديد قائم بالعراق
ومع هذا السيناريو، فإن الفراغ بالعراق إثر الانسحاب الأميركي له جملة من التداعيات المعقدة والتي تتصل بانخراط قوى خارجية ستعمل على تأزيم الوضع الداخلي والمحلي وبما قد يؤدي إلى سيولة أمنية نتيجة أهدافها، وبما يؤدي أيضا إلى وجود بيئة مواتية لصعود تنظيم “داعش” الذي سيكون ذراعا يقوم بأدواره الوظيفية. من ثم، جاء مقتل “والي العراق” في التنظيم الإرهابي ليضيء مجددا على جيوب “داعش” وانتشارهم في عدة مناطق بالعراق، لا سيما في الجغرافيا البعيدة بشمال شرقي بغداد المتاخمة لجبال حمرين.
ورغم كون هذا الاستهداف في سياق العمليات التي تواصل تصفية القادة وآخرين، يؤكد على النتائج الإيجابية جراء التعاون المشترك بين قوات “التحالف الدولي” والقوات العراقية، والاستفادة من الدور الاستخباري والدعم اللوجيستي للأولى، إلا أن كمون أفراد من التنظيم وقادته المؤثرين، والحفاظ على شبكاتهم في عدة مناطق يوشك أن يكون تهديدا قائما، خاصة مع اعتمادهم تكتيك اللامركزية الذي يحمي هياكل التنظيم الإرهابي من الانحسار والتدمير أو القضاء التام عليه.
بالتالي، يبدو المشهد المعقد في العراق مثل حصان طروادة الذي يجعل هناك ممرات سرية وغير معلنة حتى يعاود التنظيم الإرهابي مواقعه، ويستأنف سيرته القديمة من التفجيرات والاستهدافات حتى وإن لم يتمكن من حيازة الجغرافية الشاسعة بين العراق وسوريا في ما عرف بـ”دولة الخلافة” المزعومة.
فالأزمة الأكثر تعقيدا تتمثل في الانتشار والتمركز في مختلف المناطق الرخوة أمنيا أو في المناطق الجبلية والصحراوية الشاسعة والنائية، والتي توفر ملاذات آمنة كما تشكل بؤر يمكن التخفي فيها وإعادة التموضع وإعداد الخطط الهجومية. وعبر مجموعة من القيادات ينجح “داعش” في أن يباشر أنشطته الإرهابية بين سوريا والعراق وليبيا وعدة دول.
فيما تمثل عمليات قتل القادة ضربة لها الأثر المعنوي في إضعاف قدرات التنظيم الإرهابي وتخفيض عملياته والحد من تصعيده.
وبحسب الناطق بلسان قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، فإن عملية استهداف “والي العراق” في “داعش”، قد نجحت بجهود مشتركة اضطلعت بها ن قوات “التحالف الدولي” والقيادات الأمنية العراقية، لافتا إلى أن “التحالف الدولي كان دوره منصبا على دعم القوات العراقية بمعلومات استخبارية، والعملية كانت دقيقة جدا، جاءت نتيجة عمل وتخطيط لمدة ثلاثة أشهر” ، وقضى في العملية المشتركة نحو 9 من عناصر التنظيم من بينهم “والي العراق”، مشيرا إلى استمرار العملية الأمنية ختى التحقق من القتلى عبر الـ(DNA).
العمليات ضد “داعش” ستستمر
وصرح الناطق بلسان قيادة العمليات المشتركة لموقع “الحرة“، بأن العمليات العسكرية ضد تنظيمات “داعش” ستستمر بالتنسيق مع قوات التحالف الدولية “لحين القضاء على آخر داعشي في العراق”، لا سيما في المناطق الوعرة التي يتمركزون فيها في سلاسل جبال حمرين. وتابع: “نجاح هذه العملية جاء نتيجة التعاون والتنسيق العالي بين القيادات الأمنية العراقية وقوات التحالف الدولية التي تدعم باستمرار القوات العراقية بالمعلومات الاستخباراتية والفنية والتدريبية وحتى التجهيز بأحدث أنواع الأسلحة والعتاد”.
هناك “تناقضات واضحة بين التأكيد على مخاطر داعش وضغوط الانسحاب، وذلك الأمر مدخله التفسيري الوحيد هو الاعتبارات السياسية التي تبحث عنها القوى السياسية الحاكمة وبحثها عن انتصار يخدم ارتباطاتها بإيران”.
الباحث في شؤون الإرهاب، د. مصطفى صلاح لـ”الحل نت”
منتصف الأسبوع، ثمّن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، دور جهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني، تحت إشراف قيادة العمليات المشتركة التي نجحت في إتمام ما وصفه بـ “عملية بطولية” قضى فيها قائد تنظيم “داعش” المسمى “والي العراق” فضلا عن 8 من عناصر التنظيم الإرهابي.
فيما أوضح السوداني أن الأجهزة الأمنية العراقية “ستلاحق الإرهابيين في العراق إلى مخابئهم، وتقضي عليهم، حتى تتطهّر أرض العراق منهم ومن أفعالهم الآثمة”.
وتابع في تغريدة على منصة “إكس/ تويتر“، أن العملية “نفذها جهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني، وبإشراف العمليات المشتركة، التي استهدفت جحور الإرهاب المختبئين بها”.
في حديثه لـ”الحل نت”، يوضح الباحث المختص في شؤون الإرهاب والعلاقات الدولية، الدكتور مصطفى صلاح، أن تنظيم “داعش” ما يزال يشكل مخاطر للأمن الإقليمي وفي العراق كما في سوريا، مؤكدا أن هناك “فراغات أمنية يستثمرها التنظيم للحفاظ على بقائه، واستمرار عملياته، كما يمكن ملاحظة ذلك في بيئات متماثلة في طبيعتها الجغرافية، حيث البادية السورية وسلسلة جبال حمرين”.
ضرورة الوجود الأميركي بالعراق
ويشير صلاح إلى أن قوات “التحالف الدولي” تلعب دورا مؤثرا من خلال الدور الاستخباري والدعم اللوجيستي في الوصول لقادة التنظيم الإرهابي المتواجدين في تلك المناطق الجبلية الوعرة، والتي تتميز بتضاريس ليس من السهل الوصول لها، مؤكدا أن الإمكانات التكنولوجية لقوات التحالف والقدرات التقنية والاستخبارية والاستطلاعية تسمح بأن تنجح مهمة القضاء على الخطر المحتمل للتنظيم داخل تحصيناته والكهوف التي يتخفى فيها.
إذاً، تبدو مخاطر “داعش” أبعد من فكرة هزيمة التنظيم الذي تم الإعلان عنها مع انتقاله من مرحلة “دولة الخلافة” المزعومة إلى الانتشار والتوسع في عدة دول ومناطق، بينما يواصل عملياته التي تشكل تهديدات للأمن الإقليمي والدولي، وقد أكدت السفيرة الأميركية بالعراق، ألينا رومانوفسكي، على “استمرار تهديدات التنظيم الإرهابي التي تطال أمن العراق وسيادته”.
ويعقب الباحث في شؤون الإرهاب والعلاقات الدولية، على تصريحات السفيرة الأميركية بأن هناك “تناقضات واضحة بين التأكيد على مخاطر داعش وضغوط الانسحاب، وذلك الأمر مدخله التفسيري الوحيد هو الاعتبارات السياسية التي تبحث عنها القوى السياسية الحاكمة وبحثها عن انتصار يخدم ارتباطاتها بإيران”.
وأوضح أن تصفية قيادة بحجم “والي العراق” والذي لم تكن هناك معلومات كافية عنه حتى الوصول إليه في المنطقة الجبلية بشمال شرقي العراق يكلل العمليات المشتركة بين القوات العراقية وقوات “التحالف الدولية” التي تضاعفت لتصل لنحو 137 حتى منتصف العام وذلك وفق القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، الأمر الذي يضع مجددا سؤال الانسحاب الأميركي محل تساؤلات وشكوك بخصوص جديته والأهداف من وراءه فضلا عن تداعياته.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.