دخلت سوريا عام 2025، من دون حكم عائلة الأسد، في ظل تحديات تواجه الإدارة السورية الجديدة، إذ يتطلع السوريون بقلق إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد، رغم التطمينات التي يطلقها رئيس الإدارة الجديدة، أحمد الشرع، من وقت لآخر.

إذ يرى البعض أن هناك فرق بين خطاب الشرع الخارجي والتطبيق على أرض الواقع، في حين يتم الحديث عن التحضير لمؤتمر حوار وطني منتصف شهر يناير/كانون الثاني الحالي، الذي من المفترض أن يضم أكثر من 1000 سوري وسورية، لكن لم يُعلن عن آلية اختيارهم.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك جملة تحديات تواجه الإدارة السورية، تتمثل في رفع تصنيف الإرهاب عن الشرع ومن خلفه “هيئة تحرير الشام” وفرض الأمن في البلاد، ناهيك عن العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا، والتي تثقل كاهل الاقتصاد، إذ ستمثل عقبة كبيرة أمام الحكومة المؤقتة، التي سيتم تشكيلها في آذار/مارس المقبل.

الشرع بين خطابين

بين الحين والآخر تصدُر قرارات عن الإدارة السورية وحكومة تصريف الأعمال تثير القلق في الشارع السوري بكافة مكوناته وأطيافه، إذ يلاحظ البعض أن هناك فرق واضح بين تصريحات الشرع للمجتمع الدولي وما يتم تنفيذه على أرض الواقع، وسط غموض يلف سياسات الإدارة الجديدة داخلياً.

الاحتفالات بـ مهرجان النصر في مدينة درعا، جنوبي سوريا 26 كانون أول/ديسمبر 2024 - الحل نت
الاحتفالات بـ مهرجان النصر في مدينة درعا، جنوبي سوريا 26 كانون أول/ديسمبر 2024 – الحل نت

آخر هذه القرارات، كان إعلان وزارة التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال تعديلات على المناهج الدراسية، الأربعاء الماضي، إذ أثار ذلك موجة انتقادات واسعة، بينما اعتبر وزير التربية والتعليم، نذير القادري، أمس الخميس، أن الإعلان جاء “لتعديل بعض المعلومات المغلوطة” التي اعتمدها النظام المخلوع في منهاج مادة التربية الإسلامية، في حين تجاهل الحديث عن تعديلات المواد الأخرى.

يأتي ذلك بعد سلسلة قرارات وتصريحات من مسؤولين في الإدارة الجديدة، والتي ارتبطت بالمرأة وحقوقها وقرارات ترفيع ضباط وتعيينهم -بعضهم غير سوريين- من دون توضيح آلية اتخاذ هذا القرار أو تبريره، ناهيك عن اعتماد اللون الواحد في التعيينات، والذي برره الشرع بأنه ضرورة المرحلة.

“القرارات معظمها متأثرة بالعامل الأيديولوجي حتى وإن كانت هناك محاولات لتخفيفها وهذا يعني أننا أمام واقع لا يمكن تجميله كثيراً ولا بد أن يظهر في لحظة معينة أن له مرجعية أيديولوجية وحدود في قبول فكرة ومفهوم حكم الدولة” وفق حديث المحلل السياسي، الدكتور عامر السبايلة لـ “الحل نت”.

وأضاف أن هذه القرارات ناتجة عن ضعف الخبرة ولكن هذا في محاولة نقل نموذج إدلب -الذي لم يكن أيضا نموذجاً ناجحاً- إلى سوريا بشكل كامل، و”هذا يعني أننا سنواجه الكثير من المحطات التي تظهر فيها أخطاء أو محاولات في النهاية لتقرير مصير السوريين عبر رؤية واحدة وفرض الأمور وبالتالي يمكن أن تشكل نقطة صدام في لحظة معينة”.

هذه القرارات والتصريحات، التي تصدر الشرع وإدارته، طرحت عدة تساؤلات حول ما ستكون عليه الأوضاع السياسية الداخلية في المستقبل القريب والبعيد، بينما تحاول الإدارة السورية الجديدة امتصاص غضب الشارع السوري، عبر إصدار قرارات لاحقة، كتعيين نساء في مناصب قيادية في الأيام الماضية.

أداء حكومة تصريف الأعمال

أستاذ العلوم السياسية، خالد سرحان، يرى أن “سلطة الأمر الواقع وحكومة تصريف الأعمال في دمشق مازالت تناقض نفسها بنفسها وتمارس صلاحيات ليست مخولة أن تمارسها ولا من حقها كحكومة تصريف أعمال، لا تستند لأي شرعية دستورية أو إلى قانون ينظم آليات عملها، إن كانت فعلاً سوف تقوم بتسليم السلطة لحكومة جديدة تنسجم وتتوافق مع تطلعات كافة القوى السياسية في شهر آذار/مارس المقبل.

رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد البشير – انترنت

وأضاف أنه “في كل مرة في كل موقف ومنذ قرابة الشهر من توليهم السلطة، بحكم الأمر الواقع، يخرج علينا أحد المسؤولين ويتبنى مواقف وتصريحات مستفزة، ثم ما هي إلا بضع ساعات قليلة وبعد أن يتم جس نبض الرأي العام والشارع ويتفاعل الناس بغضب شديد ورفض لما صدر عنهم ونكون أمام تشويش وسيل هائل من الشائعات وإغراق الناس بأخبار ومعلومات كاذبة أو يخرج أحد المسؤولين بعد تصريحاته المثيرة للجدل كي يقوم بالترقيع أو النفي أو الادعاء أن كلامه أخرج من سياقه الطبيعي وهذا غير صحيح على الإطلاق ومجافي للحقيقة.”

فقد تكرر هذا الأمر مرات عديدة مع قيادات عدة في الإدارة الجديدة، إذ لم يكن عبيدة أرناؤوط وعائشة الدبس وماهر مصطفى آخر من صرحوا بتصريحات لم تلق القبول من الشعب السوري، وفق سرحان، بينما تبعهم وزير الإعلام، محمد العمر، ووزير التربية والتعليم، نذير القادري. في حين أن وزير الصحة، ماهر الشرع، دوناً عن غيره، من يعمل بطريقة أقرب إلى الشفافية والتكنوقراط والكفاءة في الأداء.

“بشكل عام ما زال أداء حكومة تصريف الأعمال في دمشق هزيلا داخلياً ونشط وفعال خارجياً، إذ إن المد والجزر سيظل سيد الموقف حتى تتبلور معالم المرحلة السياسية الجديدة في الأشهر القليلة القادمة”، وفق حديث سرحان لـ “الحل نت”.

في مقابلة مع قناة “العربية” مؤخراً، أوضح الشرع النهج الذي يقود فيه البلاد وما ستؤول إليه الأوضاع في الأشهر والسنوات المقبلة، إذ قال إن إعداد وكتابة دستور جديد في البلاد، قد يستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم انتخابات قد يتطلب أيضا 4 سنوات.

وأضاف أن هناك مراحل سياسية عديدة ستسبق اختيار شخصية الرئيس، مشيرا إلى أن أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى إحصاء سكاني شامل، بينما أكد على إدارة المرحلة بعقلية الدولة.

ثغرات الشرع

رغم أن الشرع حافظ على مؤسسات الدولة من الانهيار واستمرار الأوضاع في سوريا على ما كانت عليه وتحسن بعض جوانبها، إلا أنه وقع ببعض الثغرات، التي لاقت نقداً داخلي وخارجي، حيث كان بوسعه أن يتجاوزها من دون إثارة أي قلق، في حين أنها كانت كفيلة بحل بعض النقاط التي ما زالت عالقة إلى اليوم.

إذ كان قادرا على إشراك كافة أطياف المجتمع السوري في الحكومةـ وهذا كان سيسقط تخوفات الكثيرين من إقصاء بعض الفئات في المستقبل القريب أو البعيد وإبعادهم عن مراكز صنع القرار.

“الثغرة الأبرز إلى الآن، هو موضوع اللون الواحد والطريقة أو التفرد بتسيّد المشهد، وهو ما يمكن أن يُرى على أنه عامل إيجابي في الفترة الأولى لضبط الأمور، لكنه على المدى المتوسط يتحول إلى عامل تفجير للأزمات”، بحسب الدكتور عامر السبايلة.

بينما اعتبر الشرع، أن الكلام عن تعيينات اللون الواحد صحيح، مرجعاً ذلك إلى أن المرحلة الحالية تحتاج انسجاما، إذ إن شكل التعيينات الحالية كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاء لأحد.

إن التحدي الأبرز الذي يواجه الإدارة السورية الجديدة، هو قدرتها على تقديم وصفة حل تحتوي الجميع في سوريا وأن تكون ضابطا لعملية الانتقال السياسي وليس العكس، بفكرة اللون الواحد والسيطرة الواحدة، إذ تحدث عنها الشرع بوضوح أنها ضرورة انتقالية، لكن إلى الآن لم نشهد الوصفة التي يمكن أن نقول إنها تحتوي الجميع في سوريا، وفق السبايلة.

مؤتمر وطني

وتترقب العاصمة السورية دمشق، عقد مؤتمر حوار وطني منتصف شهر كانون الثاني/يناير الجاري، بحسب وسائل إعلامية، إذ لم تعلن الإدارة السورية بعد عن موعد المؤتمر والمشاركين فيه.

وقال السبايلة، إن المطلوب من المؤتمر أن يكون نقطة انطلاق في سوريا الجديدة، أي أن يكون نقطة تفاهمات واحتواء للجميع، “لكن هذا أيضا معضلة صعبة خصوصاً عندما نتحدث عن الواقع السوري وقدرة هيئة تحرير الشام على التماهي مع الأطراف الأخرى والقبول.”

واعتبر أن من الصعب أن يكون المؤتمر وصفة إرضاء للجميع، إذ يمكن أن يكون نقطة بداية خلاف مع كثير من الأطراف، لأن المراد منه أن يكون محطة الشرعنة القادمة لما هو سائد في سوريا الآن، أي بمعني آخر “مؤتمر شرعنة الشرع”.

الشرع أكد أن المؤتمر سيكون جامعاً لكل مكونات المجتمع السوري، وأن حكومة تصريف الأعمال ستترك اتخاذ القرارات الحساسة والمصيرية لتصويت المشاركين في المؤتمر، بينما سيتم الإعلان حل “هيئة تحرير الشام”.

 لكن إلى الآن لم يتضح بعد نوعية الأشخاص المشاركين في المؤتمر، وسط تساؤلات عن ماهية المشاركين، إذ يجب أن يكون هناك تنوع ثقافي وسياسي، ليضم جميع الفئات من دون إقصاء، بحيث يكون هناك توازن للخروج بتوصيات تناسب سوريا والسوريين.

يأتي ذلك وسط تحديات تواجه الإدارة السورية الجديدة، حيث تخضع سوريا لعقوبات أميركية وأوروبية، ناهيك عن تصنيف “هيئة تحرير الشام” ضمن قوائم الإرهاب، إذ تترقب الإدارة السورية أن تعلن إدارة بايدن اليوم الجمعة استثناءات واسعة من العقوبات لستة أشهر، وفق ما ذكرت “المجلة“.

بناء على ذلك، يجب على الشرع أن يراقب أداء حكومته والقرارات الصادرة عنها، حيث إن حكومة تصريف الأعمال يناط بها العمل على استمرار تقديم الخدمات للمواطنين، إذ حدد رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد البشير، في 10 كانون أول/ديسمبر الماضي، مهام حكومته، في “ضبط الأمن” و”الحفاظ على استقرار المؤسسات”، و”ضمان عدم تفكك الدولة”، إلى حين “البت في القضايا الدستورية”.

 إضافة إلى ذلك، فإن على الشرع أن يُشرك جميع السوريين في إعادة بناء البلاد، عبر دعوتهم بشكل مباشر لذلك، بناء على الخبرات والمهارات، من دون الاعتماد على الدائرة الضيقة، وهو ما كان ملاحظا في الأيام الأخيرة، بتعيين المسؤولين عن المكاتب الإعلامية في المحافظات وغيرهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة