العلاقات الإسرائيلية الروسية، تواجه العديد من العوائق والتشعّبات منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة بعدما وجدت تل أبيب نفسها مضطرة للانحياز نحو المحور الغربي، لكنها فعلت ذلك بحذر كي تحافظ على خط التواصل مع الروس بما يخدم مصالحها.

العديد من المصالح تجمع بين روسيا وتل أبيب، لا سيما بما يخص الوجود الإيراني في سوريا، إذ تسعى تل أبيب للحفاظ على خط التواصل مع موسكو، لاستمرار تنسيق التحركات العسكرية في سوريا، إلا أنه ومع تعقّد ملف إيران، يبدو أن إسرائيل ستعلن دعم الحلف الغربي لمواجهة الحلف الروسي الإيراني.

إسرائيل تسعى بدورها للحصول على الدعم الأميركي لحل الملف الإيراني، لذلك فقد بدأت التلميحات الإسرائيلية بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، ذلك ما يطرح التساؤلات حول تأثير التوجه الإسرائيلي على مستقبل العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وفيما إذا كان تحرك إسرائيل سيكون بمثابة ضربة قاضية للعلاقات الثنائية. 

دعم إسرائيلي لأوكرانيا؟

في إعلان صريح من قبل إسرائيل على الانحياز للمحور الغربي، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تدرس إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، وهو ما تحدّث عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تصريحات نقلها موقع “سكاي نيوز عربية”.

على ما يبدو فإن إسرائيل لم تحسم موقفها بعد، بانتظار ردة فعل الجانب الروسي، وهو ما كان واضحا من طريقة تقديم نتنياهو لتصريحاته الذي أبدى خلالها استعداد بلاده للعب دور الوسيط في النزاع الدائر في أوكرانيا، وتعليقه على إمكانية تقديم تل أبيب مساعدة لأوكرانيا في مجال منظومة القُبّة الحديدية الإسرائيلية بالقول “حسنا، أنا بالتأكيد أدرس هذا الأمر”.

الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا، كان مبني على رغبة إسرائيلية في الحفاظ على العلاقة مع روسيا، حيث اتصف أحيانا بالضبابية، بسبب الخلاف الداخلي في إسرائيلي بخصوص مستقبل العلاقات مع موسكو، فالبعض  يفضّل القرب من الصف الأميركي والغربي باعتباره حليفا استراتيجيا لإسرائيل، فيما يعتقد آخرون داخل إسرائيل أن قطع العلاقة مع روسيا سيضر بمصالح إسرائيل الأمنية، وهو سبب محاولاتها في بعض الأحيان للظهور بموقف شبه حيادي.

قد يهمك: دعوات لتنحي الرئيس التونسي بسبب الانتخابات البرلمانية.. الدلالات والتبعات؟

الباحث السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية وجدان عبد الرحمن، رأى أن التوجه الإسرائيلي سيؤثر بالتأكيد على العلاقات بين موسكو وتل أبيب، لكنه لن يصل إلى مرحلة القطيعة، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الخطوة إلى ضمان الدعم الأميركي في إطار مواجهة مشاريع إيران العدائية التي تمثّل تهديدا لأمنها وأمن منطقة الشرق الأوسط.

عبد الرحمن قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “سيكون هناك أثر سلبي بين موسكو وتل أبيب، لكن لا أعتقد أن يصل هذا الأثر إلى تدهور العلاقات بشكل كامل، خاصة وأن نفس الأمر حصل مع تركيا مثلا عندما قدّمت المسيّرات إلى أوكرانيا وبقيت علاقات أنقرة وموسكو مستمرة”.

ما علاقة إيران؟

اتخاذ هذه الخطوة من قبل إسرائيل على الرغم من عدم تأكيدها حتى اللحظة، جاء بسبب التطورات التي حصلت في الملف الإيراني، واستمرار إيران في مشاريعها العدائية في الشرق الأوسط وفشل الجهود الدولية للتوصل نحو اتفاق نووي يرضي جميع الأطراف، فوجدت إسرائيل أن علاقاتها مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة أهم من إرضاء الروس، مع زيادة احتمالية التصعيد ضد إيران.

حول ذلك أضاف عبد الرحمن، “إسرائيل بحاجة لدعم أميركا بشكل كبير، فهي بمفردها لا تستطيع مواجهة إيران وتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وعلى هذا الأساس لا بد من إسرائيل أن تتعاون في ملفات استراتيجية كالملف الأوكراني، لكن رغم ذلك لا أعتقد أن العلاقات تصل إلى قطيعة، فروسيا ستتفهم للحفاظ على علاقتها بتل أبيب المخاوف المتعلقة بأمن إسرائيل”.

تل أبيب تخشى كذلك من تنامي الحلف بين إيران وروسيا، وذلك على الرغم من أن الأخيرة لم تفتح المجال على مصراعيه للتحالف مع إيران كما يوضح عبد الرحمن، الذي اعتبر أنه “لا يوجد تحالف كبير حتى الآن بين روسيا وإيران، إنما هناك مصالح مشتركة في بعض النقاط، روسيا حتى الآن لم تنفّذ طلبات إيران بتقديم صواريخ إس 300، وحتى الحديث عن تقديم طائرات سوخوي 35 لا يزال مستبعدا”.

إيران كانت أحد أبرز العوامل التي دفعت إسرائيل إلى تغيير موقفها شبه المحايد، وتزويد أوكرانيا ربما بالأسلحة خلال الفترة القادمة، فتل أبيب تجنبت إرسال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، لكن مع تزايد التعاون الروسي الإيراني، وخروج التهديدات الإيرانية عن السيطرة، كان هناك توجهات جديدة تخص الأمن القومي الإسرائيلي.

التعاون بين إيران وموسكو سيكون كذلك المشجع الأبرز لتل أبيب التوجه بشكل علني إلى محور الغرب، خاصة إذا قررت موسكو تعزيز هذا التعاون ومنح أسلحة متطورة لإيران، ما قد يعني مشاركة موسكو مباشرة بتهديد الأمن القومي لإسرائيل.

هل يتأثر التنسيق في سوريا؟

أما عن تأثير التوجه الإسرائيلي الجديد للمحور الغربي على التنسيق العسكري والاستخباراتي بين تل أبيب وموسكو في سوريا، فإن عبد الرحمن يرى أن هذا التوجه لن يؤثر على الجهود المشتركة في سوريا، وزاد بالقول، “لا أعتقد أن موضوع التنسيق الروسي الإسرائيلي بشأن الملف السوري سيتأثر حتى وإن دعمت إسرائيل أوكرانيا وزوّدتها بسلاح، ومن وجهة نظري إسرائيل ستتريث بتزويد أوكرانيا بسلاح القُبّة الحديدية، أميركا هي الأخرى تتفهم هذا التخوف الإسرائيلي من تزويد أوكرانيا بهذا السلاح لأنها تعرف أن هناك تواجد إيراني روسي على حدود إسرائيل”.

إسرائيل يبدو أنها ستراقب تطورات ردود الفعل بشأن تصريحات رئيس وزرائها، لتقرر ماذا ستفعل في الفترة القادمة، وهو ما كان واضحا من عدم تأكيد نتنياهو أو تقديمه لتعهدات لأوكرانيا حول آلية وموعد تقديم المساعدات العسكرية.

منذ تنامي النفوذ الإيراني في سوريا تحت أنظار الروس عام 2011، بدأ القلق يسود العلاقات الإسرائيلية الروسية، ذلك ما قد يؤكد عدم وجود ثوابت في العلاقات الثنائية، إذ إن سياسة أي بلد منهما تجاه الآخر، تقوم وتتبدل على أساس على المصالح المرحلية.

روسيا حتى الآن لم تعلن عن موقفها إزاء التوجه الإسرائيلي، لكن تحذيراتها السابقة توحي بردة فعل قوية، فيما إذا قررت إسرائيل تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو ما تنتظره إسرائيل لتقييم الموقف.

التحذيرات الروسية كانت قد جاءت قبل أشهر على لسان نائب رئيس “مجلس الأمن الروسي” دميتري ميدفيدف، عندما حذر إسرائيل من تداعيات تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وقال إن أي خطوة تصبّ في إطار دعم القوات الأوكرانية ستضر بشدّة بالعلاقات الثنائية.

لكن ما يدعم فكرة ألا يؤدي هذا التوجه الإسرائيلي إلى تدهور العلاقات الثنائية هو عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء، إذ تعتبر فترة وجود نتنياهو في السلطة سابقا، هي المرحلة الذهبية بتحسّن العلاقات بين روسيا وإسرائيل، لأسباب عديدة ليس أبرزها الانسجام الشخصي بين بنيامين نتنياهو وبوتين.

مع وجود العديد من التقاطعات بين روسيا وإسرائيل، لا يبدو أن التصريحات الإسرائيلية ستؤدي إلى تدهور العلاقات، لكن الانحياز المستمر لإسرائيل نحو الملف الغربي، يعني ترجمة لهذه التصريحات والبدء بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا على غرار ما تفعله دول الحلف الغربي بقيادة واشنطن، فهل ستتفهم روسيا هذه الإجراءات على أنها نتيجة للمخاوف الأمنية لإسرائيل أم تتجه للتصعيد ضد إسرائيل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.