أثارت زيارة وفد روسي إلى دمشق لأول مرة منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، واللقاء مع الرئيس الفعلي للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، حالة من الغضب والجدل في أوساط الشارع السوري.
ورأت النسبة الأكبر من السوريين أن على روسيا أولا تلبية العديد من المطالب المحقة للسوريين، بما في ذلك تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد وتقديمه للمحاكمة، ومن ثم سيكون هناك مجال للحديث عن إقامة “علاقات طبيعية” مع موسكو.
بينما رأت مجموعة أخرى، وهي صغيرة بحسب متابعة “الحل نت“، أنه من أجل المصلحة السورية والمرحلة التي تمر بها البلاد، لا بد من إقامة علاقات مع دول تعتبر كبرى، كروسيا.
“تسليم الأسد”
ليس ثمة شك، أن موسكو عمدت إلى تأزيم الوضع في سوريا، بل وعسكرة الصراع الذي تسبب في إطالة أمد الصراع، فضلا عن تدمير العديد من المدن والمناطق السورية، بغية إنقاذ نظام الأسد المخلوع.
إضافة إلى توقيع شراكات اقتصادية استراتيجية مع النظام السوري البائد، ولعل أبرزها إدارة ميناء طرطوس من قبل شركة روسية لمدة 49 عاما، في عام 2019. واللافت أن هناك بندا في الاتفاقية وينص على تجديد الاتفاق تلقائيا لمدة 25 عاما، ما لم يعترض أحد الطرفين. وهو ما اعتبره السوريون نهبا لثرواتهم. ويرون أنه من الأفضل أن يتم استثمار المرفأ من قبل الدولة السورية، أو بالتعاون مع شركات أجنبية.
وعليه، توالت الردود الغاضبة على زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، للعاصمة دمشق، أمس الثلاثاء.
وكتب أحد السوريين على صفحته الشخصية عبر منصة “فيسبوك”، ساخرا من العلاقة التي تربط روسيا بالشعب السوري، وقال: “العلاقات الثنائية المميزة بين روسيا وسوريا اللي بتجمع الإدارة الجديدة مع روسيا بتشمل: القصف الروسي لمدة عشر سنوات على المدن السورية وتسويتها بالأرض. واستخدام روسيا لأكثر من 20 فيتو من 2011 ضد حماية الشعب السوري وضد وقف استخدام الكيماوي وضد محاكمة الأسد وإحالته للجنائية الدولية ولولا روسيا كان الأسد سقط من عام 2014”.
وتابع: “استخدام روسيا للفيتو ضد قرار إدخال المساعدات الإنسانية للشمال المحاصر سنة 2023. واعتراف روسيا على لسان وزير دفاعها عام 2021 بتجريبها أكثر من 320 سلاح جديد في الأراضي السورية وتطوير مروحياتها على رؤوس السوريين”.
كما قال إن روسيا “تستضيف المجرم الهارب (أي بشار الأسد) وعائلته وكبار ضباطه بالأموال المنهوبة من الخزينة السورية”، إضافة إلى استمرار وجود القواعد الروسية التي كانت تقصف المدن، وهو “تكريس وتشريع لفكرة وجودها بناء على طلب الدولة”.
فيما كتبت إحدى السوريات، منتقدة السلطات في دمشق بشدة، فقالت: “المصافحة اللي ما بتنغفر!، المشهد اللي ما بينهضم.. الخيانة العظمى بحجة السياسة..شو هالمهزلة؟ العلم الروسي جنب علم الثورة؟ المصافحة والابتسامات مع ممثل الدولة اللي دمرت مدننا فوق أهلها وقتلت مئات الآلاف من شعبنا؟! واللي ساندت مجرم الحرب بشار الأسد بكل أنواع الأسلحة المحرّمة دوليا”.
“المجرم أصبح شريكا”
روسيا لم تنقذ نظام الأسد من السقوط فحسب، بل مكنت الأسد من أن يماطل في تنفيذ الحل السياسي الشامل في البلاد، من خلال المناورة على منصات التفاوض المختلفة مع المعارضة السورية، وبالتالي إدامة الصراع وتعميق الأزمة السورية، والتي دفع ثمنها آلاف السوريين. ولهذا السبب جاء كل هذا الغضب والرفض اليوم من الشارع السوري حول شكل العلاقة مع موسكو.
وبالعودة إلى تعليق إحدى الناشطات السوريات، فقد وصفت مشهد مصافحة أحمد الشرع لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بـ”الاستفزازي” وأنه لا يوجد أي مبرر له، وكأن المشهد بعث برسالة واضحة مفادها أن “دماء السوريين لا قيمة لها، وكل المعاناة والتهجير والقصف وكأنها لم تحدث، وأن المجرم أصبح شريكا سياسيا”.
وأشارت إلى أنه كان من الأفضل لحكومة دمشق أن ترد بشكل واضح وصريح: “نرفض استقبال الوفد الروسي بسبب دور بلاده في قتل وتهجير السوريين، وأي حديث عن العلاقات المستقبلية يؤجل حتى محاسبة بشار الأسد، ومغادرة روسيا الأراضي السورية، لكن بدلا من الموقف الوطني الحازم رأينا العكس”.
وأضافت قائلة: “الناس الذين يرون أن تصرف دمشق عادي وسياسي، وبدهم نصبر، لو سمحت/ي إذا ما تهجّرت/ي، ما انقصف بيتك، وما عندك شهيد أو معتقل، فمن الطبيعي ما تحس/ي بوجعنا… لذلك وفّر/ي علينا تنظيرك… مارح نصبر ولا رح نسكت لأنو نحن ما طلعنا بثورة لنسقط طاغية ونصنع غيره نحن طلعنا لنحرر سوريا من العبودية”.
فيما قال الناشط والصحفي السوري عمر الحريري عبر حسابه على منصة “إكس”: “لا نريد الحرب مع روسيا وبإمكاننا إعادة العلاقات معها إلى سياق متوازن، وبإمكاننا لعب السياسة والمصالح معها أيضا، لكن ليس قبل أن يدفعوا الثمن وليس قبل الاعتذار وليس قبل تصحيح المسار من طرفهم .. لتعتذر روسيا أولا، لتسلم المجرمين وتعيد الأموال المنهوبة ثانيا، لتعوض الدماء والدمار ثالثا، وبعدها نتحدث بعلاقة دبلوماسية متبادلة وبعدها نقبل أن نرفع لروسيا علما في قصر الشعب”.
ويسعى الحكام الجدد في سوريا إلى إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول تقريبا، حيث سبق وأن صرح أحمد الشرع بأن “روسيا هي ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة”، ولا يريد أن تخرج روسيا بشكل لا يليق بعلاقتها مع سوريا.

لكن ثمة تساؤل ملح في ضوء ذلك، “هل سيقبل الشعب السوري أن تقيم سلطات بلاده علاقات طبيعية مع روسيا، من دون تحقيق مطالبهم المحقة؟ وفي الجوهر، هل يمكن أن تكون العلاقة مع موسكو “صحية وسليمة”، بعد ما فعلته الأخيرة بالشعب السوري على مدى السنوات العشر الماضية، وهل تستطيع دمشق أن تفتح علاقات متوازنة مع روسيا والمحور الغربي المتمثل بالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، في الوقت ذاته.
حتما، هذه تساؤلات وملفات تحتاج إلى حسم، والأمر لن يكون سهلا أو سريعا بأي حال من الأحوال، وسط الضغوط التركية على دمشق، الأمر الذي يتطلب إرادة سياسية لاتخاذ موقف كامل ونهائي بصدده.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

“مسد” ينتقد الإعلان الدستوري السوري: مُفصّلٌ على مقاس الشرع

عبد الحكيم قطيفان: نظام الأسد سرطان بالمنطقة.. وجزء ثانٍ من “ابتسم أيها الجنرال”؟

كندا تخفّف عقوباتها على سوريا وتُعيّن سفيراً في دمشق

عودة سوسن أرشيد إلى سوريا.. وتعليق من مكسيم خليل
الأكثر قراءة

وصفت بـالتاريخية لحظة تصديق الشرع على الإعلان الدستوري

هل تستفيد المصارف السورية من تعليق العقوبات عن “البنك المركزي”؟

هجوم لفلول النظام على حاجز للأمن العام بدمشق

نزوح الآلاف من الساحل السوري باتجاه لبنان.. تفاصيل

ميليشيات عراقية تعتدي على سوريين وتعتقلهم

ميليشيا عراقية تعتدي على السوريين.. دمشق تندّد والسوداني يأمر باعتقال المتورّطين
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

“قتل وحرق ودمار”.. شهادات جديدة توثق مجازر الساحل السوري

انتشار سيارات “الدعوة” في شوارع دمشق يثير الجدل والتوترات

“لبحث تنفيذ الاتفاق”.. قائد “قسد” يجتمع مع لجنة من الإدارة السورية

الهجري: إدارة دمشق لون واحد ولن نكرر ما ذقناه بالسابق

“تهدئة على الحدود”.. اتفاق سوري لبناني لوقف إطلاق النار

توترات بين دمشق و”حزب الله”.. تفاصيل ما حدث على الحدود السورية اللبنانية

تغييب بنود عن الدستور الجديد وتمييع حقوق السوريين تثير انتقادات واحتجاجات
