لم تتوقف ضربات إسرائيل على المواقع العسكرية التابعة لحكومة دمشق والميليشيات الإيرانية ومواقع “حزب الله” اللبناني في سوريا خلال السنوات الماضية، حيث استهدفت هذه الضربات معظم المحافظات السورية، من الجنوب إلى الوسط والشمال أيضا، إلا أنها خلال الأشهر القليلة الفائتة، بات تركيزها ينصب بشكل أكبر على المطارات السورية ومحيطها، وخاصة مطاري دمشق و حلب.

مصادر دبلوماسية واستخباراتية أكدت في وقت سابق لوكالة “رويترز”، بأن “الاستهدافات الإسرائيلية للمطارات السورية، تأتي بهدف تعطيل خطوط الإمداد الجوي التي تستخدمها طهران على نحو متزايد لإيصال السلاح إلى ميليشياتها في سوريا ولبنان، ومن ضمنها حزب الله، وأن إسرائيل ترى منذ زمن طويل، بأن ترسيخ إيران لأقدامها في سوريا، تهديد لأمنها القومي، حيث تعمل على توسعة نطاق ضرباتها لتعطيل وسيلتها الجديدة لنقل الأسلحة”.

القصف المتكرر للمطارات السورية، يعطي مؤشرا على تغير بدأ يطرأ على سياسة الضربات الإسرائيلية في سوريا، بحسب مراقبين، وذلك ما يرتبط بنوعية المناطق المستهدفة من جهة، فضلا عن السياق العام الذي تأتي فيه كل هذه التطورات فيما يخص التركيز على استهداف المطارات من جهة أخرى، حيث شهد مطار حلب الدولي، فجر أول أمس الأربعاء قصفا إسرائيليا، بأربعة صواريخ من ناحية الغرب، أدى لخروجه عن الخدمة، بحسب ما نقله موقع “العربية نت”.

مطار حلب تعرض في مطلع الشهر الجاري، لضربات صاروخية أيضا، ما أسفر عن خروجه عن الخدمة لأيام، بسبب الضرر الكبير الذي حل بمدارجه، وقد أكدت وكالة “سانا” المحلية في سوريا، أن “مصدر القصف طائرات إسرائيلية هاجمت المنطقة من جانب البحر المتوسط، في وقت لم تعلن إسرائيل تبنيها للعملية، وهي السياسة التي تتبعها تل أبيب في معظم عملياتها ضمن الأراضي السورية، ويعتبر هذا الاستهداف الثالث الذي يتعرض له المطار خلال 6 أشهر”.

استهدافات متكررة

إسرائيل عادة لا تعترف بقيامها بهذه الضربات لعدم إحراج جيرانها بخصوص الرد عليها، لكن هذا شيء روتيني وأصبح طبيعي، يعني باستطاعة دمشق ومن خلال عمليات الإصلاح الفورية الخاصة بكل مطار أن تُعيده للعمل مرة أخرى بعد 4 أو 5 ساعات من استهدافه، لأنه لا فائدة من نقله إلى مطارات أخرى، إذا كانت إسرائيل سوف تضربه، بحسب حديث الخبير العسكري مأمون أبو نوار لـ”الحل نت”.

 إسرائيل لديها أهداف كثيرة في مصياف والنيرب وسفيرة وكفرسوسة، وهذه الاستراتيجية الإسرائيلية غير ناجحة من وجهة نظر أبو نوار، فهي عبارة عن تقليص قدرات الردع الإسرائيلي، بعدم تجاوز الخطوط الحمراء له، لكن الطرفان الإيراني والإسرائيلي، حريصان ألا يذهبا إلى حرب شاملة في سوريا، وخاصة أن هذه الضربات سوف تتكرر مرات أخرى.

قد يهمك: القصف الإسرائيلي على حلب ودمشق.. خطوة متقدمة للتصعيد؟

وكالة “رويترز” نقلت عن مصدرين من المخابرات بالمنطقة أن الضربة الأخيرة على مطار حلب، استهدفت مستودعا تحت الأرض للذخيرة مرتبطا بمطار “النيرب” العسكري القريب، حيث تم تخزين أنظمة صواريخ موجهة وصلت على متن عدد من الطائرات العسكرية الإيرانية.

الوكالة ذاتها نقلت عن مصادر في مخابرات غربية قولها إن “إيران زادت من اعتمادها على مطار حلب لإيصال المزيد من الأسلحة على مدى الشهر المنصرم، مستغلة الزيادة الكبيرة في عمليات النقل الجوي مع إرسال طائرات شحن تحمل مساعدات إغاثية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في شباط/فبراير الماضي، كما أن الضربة الإسرائيلية في السابع من آذار/مارس الحالي، عطلت العمل في مطار حلب وقتها، حيث فُجّرت شحنة أسلحة إيرانية بعد ساعات من وصولها على متن طائرة إيرانية، قالت دمشق إنها كانت تحمل مساعدات”.

من جانبه، يقول “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن “طائرات إسرائيلية استهدفت حرم مطار حلب الدولي ومستودع أسلحة تابع للميليشيات الإيرانية في محيط المطار ما أدى لتدميره بالكامل، وخروجه عن الخدمة بشكل مؤقت جراء الهجوم، دون ورود معلومات عن إصابات بشرية”.

القصف الإسرائيلي الذي حصل، يأتي ضمن مواصلة حملة إسرائيل السرية الطويلة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، حيث إن إسرائيل تحاول تثبيط استخدام إيران لهذه المطارات على الرغم من الخطر على الطائرات المدنية والمدنيين في المطارات.

الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل.

هذه الضربات تشير أيضا بجزء منها، إلى خلفية “تدهور العلاقات الإسرائيلية – الروسية”، وفق حديث بوهل لموقع “قناة الحرة” الأميركية. حيث “تمتلك روسيا القدرة على استخدام نظام S-400 لإغلاق المجال الجوي السوري أمام الطائرات الإسرائيلية، وقد احتجت على الضربات الإسرائيلية لمطار دمشق ودعت في الواقع إلى إنهاء جميع الضربات”.

مراوغة إسرائيلية

الضربات الإسرائيلية بمجملها تركز على استراتيجية استهداف فائض القوة الإيرانية أي استهداف أي أسلحة أو برامج تستخدم لمتغير عسكري تكتيكي وبالتالي ستسمر الضربات الإسرائيلية في محاولة جادة لردع إيران عن إرسالها للأسلحة إلى أذرعها في سوريا، وفق حديث الباحث المختص في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي لـ”الحل نت”.

في الآونة الأخيرة لجأ الطرفان إلى سياسة الصمت الحذر تجاه المُستهدف والمُستهدِف ، بحسب النعيمي. وذلك لمنع الحرج للطرف الآخر في تحديد ماهية الرد والسبب الرئيسي، أن “إيران تجوّع شعبها مقابل تمويل نفوذها العسكري في الخارج، وأصبح هنالك أزمة اقتصادية إثر تلك السياسة المستخدمة”.

اقرأ أيضا: تهدئة بعد تصعيد.. ما تفسير تراجع الضربات الإسرائيلية في سوريا؟

 من أجل استثمارها، إيران لم تعد تعلن عن الأهداف التي تم ضربها، والجانب الإسرائيلي لم يعد يعلن عن الاستهداف، لكن عمليا اليوم باتت الأجواء السورية مجزئة، لكن من يكلف بالإغارة هو الجانب الإسرائيلي، وذلك لاستثمار الموقف بغاية جر إيران مجددا للمفاوضات في الملف النووي، بحسب تعبيره.

تقارير صحفية كانت قد عزت تكثيف الضربات الإسرائيلية على المطارات السورية إلى زيادة الرحلات الجوية “المدنية” من طهران إلى مطاري دمشق وحلب، مرجحة أن تكون الرحلات التي تتم بغطاء مدني قد نقلت أطنانا من الأسلحة وعناصر “الحرس الثوري” الإيراني.

الإصرار على النقل جوا

طهران زادت من إصرارها مؤخرا على المجال الجوي لنقل ذخائرها وعناصرها إلى سوريا، بعد تعرض شاحنات تابعة لها لاستهدافات كثيرة من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي وطيران “التحالف الدولي”، خلال نقلها برا لميليشياتها في سوريا، بحسب الخبير العسكري مأمون أبو نوار.

الصراع بين ميليشياتها المسيطرة على المعابر غير الشرعية وصعوبة ضبط هذه الميليشيات، ساهم أيضا باعتمادها على النقل جوا بشكل أكبر، وفق أبو نوار. كما أن التعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب حول الشحنات العسكرية الإيرانية، ساهم بتقليل فرص وصول الشحنات الإيرانية برا إلى وجهتها سواء في سوريا أو لبنان.

من جهته يعتقد الباحث مصطفى النعيمي، بأن “الإصرار الإيراني على النقل جوا، ينم عن حاجة طهران الماسة لدعم أذرعها في سوريا، وبالتالي بمجرد رصد تلك التحركات يتم العمل على رسم خطة لضرب التموضع الجديد الذي قد يكون له تأثير تكتيكي على الجانب الإسرائيلي”.

 إيران ما زالت ترسل شحنات الأسلحة عبر طرق التصدير الثلاث الجوية والبحرية والبرية، لكن استخدام المسار الجوي يعتمد على مدى حاجة الأذرع الإيرانية للسلاح النوعي، وبعض المشاريع المختصة لتطوير المسيّرات. أما البرنامج الصاروخي وخاصة الصواريخ المجنحة عالية الدقة فإيران تُرسلها عبر البحار وذلك من خلال ناقلات النفط ،وسبق أن استهدفتها اسرائيل بضربة في محيط بانياس ومصياف، أما المسار البري فيقتصر على الذخائر حيث تهرّب من خلال سيارات شحن الفواكه وعلى مراحل لتجنيبها الرصد الجوي المستمر، وفق تعبيره.

دمشق لم يعد بمقدورها فعل شيء، سوى إصدار البيانات بتوقيت الغارة وآلية الرد والخسائر التي وقعت، والقرار السيادي السوري بات مرتهن بالجانب الإيراني بدلالة الاجتماع الرباعي الذي أفشله الرئيس السوري بشار الأسد.

مصطفى النعيمي لـ”الحل نت”

أخيرا، بالرغم من الاستهدافات الجوية الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف شحنات الأسلحة والذخائر الإيرانية القادمة إلى سوريا، إلا أن طهران تمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى لترسيخ نفوذها في المنطقة، ولن توقف محاولاتها إمداد ميليشياتها بالذخائر، وذلك من خلال طرق إمداد عديدة سواء برا أو جوا أو بحرا، إلا بتدخل دولي جاد لمنعها من ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.