تراجع ملحوظ بالاهتمام بمشروع الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا من جانب “الإدارة السورية الجديدة”، بعد أن شهد الملف زخمًا كبيرًا عند وصولها إلى السلطة عقب سقوط نظام الأسد البائد، وفي ظل تعرض البلاد لأزمة كهربائية خانقة تمثل دافعًا لإعادة إحياء مسألة الربط الكهربائي بين سوريا والأردن.
هذا التراجع من الجانب السوري أثار الكثير من التساؤلات حول الأسباب الخفية وراءه، خاصة بعد الإعلان عن توقيع اتفاق بين الأردن وقطر يقضي باستخدام الدوحة أراضي المملكة لنقل كميات من الغاز يوميًا إلى الأراضي السورية، لاستخدامها في تشغيل مولدات إنتاج الكهرباء.
مشروع عربي
جاء مشروع الربط الكهربائي بين سوريا والأردن، خلال العقود الماضية كجزء من مشروع ربط كهربائي ثلاثي يربط بين سوريا والأردن ومصر.
ودُشّن المشروع آنذاك بهدف الاستفادة من شبكة الكهرباء حال وقوع حادث يؤثر على الشبكة الكهربائية في سوريا، إضافة إلى تبادل الفائض من الطاقة الكهربائية في ساعات الذروة التي تختلف من دولة لأخرى.
ويرتبط الأردن وسوريا كهربائياً من خلال خط نقل على جهد 400 كيلو فولت، منذ عام 2001، إلا أن خط الربط خرج عن الخدمة منذ منتصف عام 2012 لأسباب فنية نتيجة أعمال التدمير والتخريب التي لحقت بخط الربط داخل الأراضي السورية، ولم يتم منذ تلك الفترة أي تبادل للطاقة الكهربائية عبر البلدين.

ومنذ نجاح الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، راهن الأردن على ضخ كميات من فائض الكهرباء المنتجة في المملكة إلى الأراضي السورية وبكلفة أقل من نقل الغاز المسيل القطري.
وبحسب تصريحات أدلى بها وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني، صالح الخرابشة، في كانون الثاني/ يناير الماضي، فإن خط الربط الكهربائي داخل الأراضي الأردنية، جاهز لغاية الحدود الأردنية- السورية، وأن البدء بتزويد سوريا بالكهرباء يعتمد على جاهزيتها لاستقبال التيار.
وأكد أن الأردن مستعد لإرسال فريق فني إلى سوريا للتأكد من جاهزية الشبكة الكهربائية بهدف تزويدها بجزء من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية.
دافع أردني لإحياء الربط الكهربائي
عكس الموقف الرسمي الأردني أن هناك دافعًا لإعادة إحياء هذا المسار، مما يساهم في حلحلة الأزمة الكهربائية في سوريا، لكن ذلك يتطلب توافر مقومات محلية أي شبكة كهربائية سليمة وبيئة فنية ممكنة لإعادة المشروع.
وفي هذا الإطار، وعلى الجانب الآخر، قال وزير الكهرباء في “حكومة تصريف الأعمال” السورية، عمر شقروق، إن إعادة الربط الكهربائي مع الأردن، أحد الحلول المهمة لتأمين التيار الكهربائي لبلاده، مشيراً إلى أنه يحتاج لستة أشهر من الصيانة لإعادته للخدمة بشكل كامل.
يعاني قطاع الكهرباء في سوريا من تهالك البنية التحتية، سواء في خطوط النقل أو التوزيع، إلى جانب محطات الكهرباء التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة وعاجلة، فلا تتجاوز القدرة الإنتاجية الحالية 1300 ميغاواط، بينما تحتاج البلاد إلی نحو 6500 میغاواط لتلبية الطلب الکامل.
في هذا الصدد، أوضح الكاتب المتخصص في الاقتصاد الدولي، حسام عايش، خلال حديث خاص لموقع “الحل نت” أن مشروع الربط الكهربائي السوري الأردني كان جزءً من مشروع عربي كبير، مشيرًا إلى أنه قبل ثلاث سنوات كانت هناك آمال لمعاودة هذا الربط الكهربائي، لكن العقوبات الأميركية والغربية على سوريا حظرت عليها الاستفادة من أي استثمارات تتعلق بقطاع الطاقة بما في ذلك الكهربائية ليتوقف استكمال المشروع.
وأفاد بأنه بعد التغيير السياسي في سوريا، عبر الأردن عن اهتمامه الكبير لإعادة الربط الكهربائي بين البلدين، وصولا إلى ربط كهربائي سريع مع الجانب السوري، إضافة إلى إمداد الجنوب السوري بالكهرباء في حدود 250 إلى 400 ميغاواط، كما أعلن أن مدّة إنجاز هذا الربط تتراوح بين ثلاث إلى أربعة أشهر.
تراجع سوري
بالرغم من الآمال الكبيرة لإنجاز هذا الربط سريعًا، إلا أن الجانب السوري، تراجع خطوات إلى الخلف بسبب عدة عوامل ساهمت بتخفيض الزخم الذي بدا وكأنه كبيرا لتزويد الأردن سوريا بالكهرباء والربط الكهربائي معها، عددها عايش ومنها:
“الإدارة السورية” يعيقها تهالك الشبكة الكهربائية التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، فبعض الحالات تحتاج إلى ترميم بينما أخرى تحتاج إلى تغيير بالكامل، ما يستدعي فترة زمنية طويلة، إضافة إلى الحاجة لاستثمارات لإعادة بناء الشبكة السورية.

ويحتاج تعافي قطاع الكهرباء السوري لتوفير التيار على مدار 24، إلی استثمارات تُقدَّر بـ 40 مليار دولار، من أجل إعادة شبكة الكهرباء إلى حالتها قبل العام 2010، وفق ما أفاد وزير الكهرباء بحكومة تصريف الأعمال، عمر شقروق.
احتياجات سوريا من الكهرباء تصل إلى 6500 ميغاوات، وذلك لتوفير التيار الكهربائي لفترة 24 ساعة يومياً، وعودة سوريا لمستويات توليد الكهرباء ما قبل العام 2010 ستكون خلال ثلاثة سنوات من الآن، وفق شقروق.
وبالعودة إلى عوامل تراجع تنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع الأردن، تغيرت أولويات الإنفاق السورية بما في ذلك الأولويات السياسية للسلطة الجديدة، والتي ربما ترتبط بأولويات الحاجة، وعلى الرغم من أن الطاقة الكهربائية تعتبر أولوية تتقدم على غيرها من الأولويات، لكن الواقع السوري أمام نقص السيولة وانخفاض الإيرادات الحكومية، وكذلك أولويات الإنفاق على احتياجات سريعة وآنية، لذا فإن الربط الكهربائي والإنفاق عليه ربما يتأخر ليس على صعيد الأهمية ولكن على صعيد أولوية الإنفاق والطريقة التي ستنظر بها الحكومة السورية للاقتصاد السوري.
اعتبارات سياسية
أضيف إلى ذلك عائق آخر يتعلق بالترتيبات المالية والإجراءات التنظيمية التعاقدية بين شركتي الكهرباء السورية والأردنية، ويحتاج إنجاز هذا العائق إلى أشهر إضافية من المحادثات والتقييمات القانونية لأي إجراءات بين شركتي الكهرباء في البلدين.
وتوقع الكاتب المتخصص في الاقتصاد الدولي، أن يكون خط الربط الكهربائي بين البلدين جاهزًا خلال عام 2026، مرجحًا أن يكون في منتصف العام وربما أبعد من ذلك، وفق توقعاته.
ملف الربط الكهربائي السوري الأردني ليس اقتصاديًا فقط، وهناك اعتبارات سياسية تحكمه، لذا فإن الحالة السياسية في سوريا ربما تحتاج إلى وقت لتثبيت أركانها ومن ثم اتخاذ خطوات تتعلق بالعلاقات مع الدول الأخرى الجارة لها في مقدمتها الأردن، وتركيا أيضًا التي أعلنت استعدادها لتزويد سوريا بالطاقة الكهربائية.
الكاتب المتخصص في الاقتصاد الدولي، حسام عايش
وأوضح أن الأردن الآن في مرحلة تجهيز البنية التحتية اللازمة لتزويد الطاقة الكهربائية وأيضًا خط الربط الكهربائي داخل الأراضي الأردنية جاهزًا لبدء تزويد سوريا بالكهرباء، مشددًا على أن الأمر كله بات بـ “الملعب السوري”، على حد تعبيره.
خطة كهربائية سورية
أشار إلى أن سوريا كانت أعلنت عن خطة كهربائية مكونة من ثلاث مراحل، والتي تتضمن في مرحلتها الأولى وهي الطوارئ بتخفيف عدد ساعات انقطاع الكهرباء، خاصة وأن التزويد الكهربائي لا يزيد عن ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم، بسبب توقف تدفق الغاز والطاقة المولدة للكهرباء إلى البلاد، خاصة وأن مناطق الطاقة في سوريا تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حتى الآن.

وبالنسبة للمرحلة الثانية أوضح أنها مرحلة إعادة البناء حيث سيكون التركيز فيها على إعادة بناء محطات الكهرباء في سوريا كلها، وكذلك محطات التحويل وخطوط النقل الرئيسية وشبكات التوزيع جانب التشجيع على الطاقة البديلة.
وتستغرق المرحلة الثالثة بين عام وثلاث والتي تركز على التطوير والاستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من التوليد، وحصول المواطنين على التيار الكهربائي على مدار 24 ساعة بالإضافة إلى العمل على برنامج الترشيد الكهربائي.
هل أعاقت قطر عودة الربط الكهربائي؟
في سياق متصل، بدأت دولة قطر بضخّ الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأردن، في عملية تستهدف تحسين الواقع المزري للكهرباء في البلاد من 3 إلى 4 ساعات يوميًا.
هذه العملية التي أعلنت تمّت المُصادقة عليها والاتفاقية حسب وزير الطاقة الاردني تقضي أن تُرسل قطر عبر البحر كميات كبيرة من الغاز المسال ويتم إيداعها في مخزن متخصص بالغاز على مياه خليج العقبة ثم تنقل إلى سوريا عبر ما يسمى بأنبوب الغاز العربي، ما يعني أن حركة الغاز القطري عبر الأراضي الأردنية مجرد ترانزيت.
جاء ذلك الاتفاق على الرغم من إظهار المملكة الدائم حرصها الشديد على توفير كل التسهيلات اللازمة لدعم الاستقرار وخدمة وتطوير وإعادة تشغيل البنية التحتية في القطر السوري الجار لها، لتصبح كميات الغاز القطري المجانية التي ترسل لسوريا عائقا عمليا دون تصدير كميات من الكهرباء الفائضة في الأردن إلى سوريا.
لذا أكد الكاتب المتخصص في الاقتصاد الدولي لـ “الحل نت”، أن هناك جملة من العوامل ربما ساهمت بتفضيل الغاز القطري عن الربط الكهربائي الأردني.
وأوضح أن قطر بادرت لأن تكون بديلًا لإيران في تزويد سوريا بالطاقة للاستخدامات المختلفة بما فيها توليد الكهرباء، خاصة وأن الغاز أحد العناصر الرئيسية في توليد الكهرباء بالمحطات، وجزء من إعادة تأسيس البنية التحتية السورية في المجال الطاقي.
وأضاف أنه مما لا شك فيه أن هناك سهولة في استخدام الغاز القطري لتوليد الكهرباء في الشركات، حتى لو كانت متهالكة، ما يقلل من إنفاق الحكومة السورية على إعادة تأهيل الشبكات في الوقت الحاضر
التفاوض مع “قسد”
قطر تحاول إعطاء “الإدارة السورية” القدرة على أن تنجز التفاوض بشكل أكبر مع الجانب الكردي الذي يهيمن على المصادر الرئيسية للطاقة النفطية والغازية في سوريا، بحسب عايش.
ووقع الرئيس السوري أحمد الشرع في 10 آذار/ مارس الجاري، اتفاقا مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، يقضي باندماج هذه القوات في الجيش السوري ومؤسسات الدولة الأخرى، لكن حتى الآن لم تتوفر صيغة نهائية بشأن ملف النفط بعد توقيع الاتفاق.

وتتمتع المناطق التي يسيطر عليها “قسد” بأهمية استراتيجية واقتصادية خاصة، لا سيما مع وقوع حقول النفط السورية في حزامها الرئيسي، حيث تضم المنطقة ما يصل إلى 95 بالمئة من الاحتياطي النفطي ( البالغ 2.5 مليار برميل) والغازي للبلاد.
هذا وأكد أن الغاز القطري ربما تم تقديمه مجانا إلى الجانب السوري، وهو عامل مهم في القرارات المتعلقة بكيفية التعامل مع الربط الأردني الذي لن يكون مجانا، مشيرًا إلى أن هناك كلف لابد من تحملها لذلك كانت أفضل الحلول هي الغاز القطري.
رد الجميل
اعتبر عايش، أن “الإدارة السورية” تقوم برد الجميل تجاه قطر، وعربون علاقات تاريخية سياسية اقتصادية، بعد أن دعمت الدوحة “إدارة سوريا الجديدة” حتى النهاية، منذ أن كانت منظمة متهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة، وصولا إلى إسقاطها الرئيس الهارب بشار الأسد، وكانت قطر من أول المحتفلين بإخراج الأسد من المشهد السياسي السوري وبحضور “هيئة تحرير الشام” لتكون السلطة الجديدة في سوريا.
هناك تفضيلات إقليمية للنظام السوري تتمثل في كلٍّ من قطر وتركيا اللذان يعدان لاعبان رئيسيان أساسيان في المشهد السوري الحالي، بعد أن كانا الأكثر حدة لرفض النظام السابق.
الكاتب المتخصص في الاقتصاد الدولي، حسام عايش
وشدد على أنه خلال هذه المرحلة قطر يهمها أن تقدم كل العون والمساعدة لـ “لإدارة السورية الجديدة”، حتى تثبت أقدامها في سوريا، ولكي تسوق مزيدا من العودة التدريجية للحياة الطبيعية في سوريا، التي يعد أحد أهم مظاهرها الطاقة الكهربائية واستخداماتها المختلفة.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

بعد حظرها في الأردن.. الشرع يرفض فتح مكاتب لـ “الإخوان المسلمين” في سوريا

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مصر والأردن تدينان الغارات الإسرائيلية على سوريا.. وهذه آخر المستجدات بدرعا
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول اقتصاد

السعودية وقطر تتكفلان بسداد ديون سوريا لدى “البنك الدولي”.. ما دلالات تلك الخطوة؟

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

خبير يحل اللغز.. لماذا ترتفع أسعار المواد المحلية السورية أمام المستوردة؟

الوزير العائد: هل ينجح يعرب بدر في ترميم شرايين النقل السوري؟

سرّ تزايد الطلب على الدولار.. هل تتراجع الليرة السورية؟

صندوق النقد الدولي يعين رئيسا لبعثته إلى سوريا.. ماذا تعني هذه الخطوة؟

سخط كبير رغم تسهيلات “التجاري السوري” لسداد القروض.. بماذا طالب السوريين؟
