تتعدد المحاولات كما الوساطات الإقليمية والدولية بشأن لملمة الشتات الكُردي، بحيث يمكن الانخراط على المستوى السياسي وربما الحزبي في المرحلة الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد، في إطار من التوافق الكُردي الكُردي، وبحيث يفضي هذا التوافق إلى تفاهمات واضحة على المحددات والآليات الممكنة للمرحلة الراهنة، فضلا عن بناء السياسات الممكنة مع السلطة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع.

إذ إن ردم الهوة بين القوى الكُردية وتخفيف التباينات من شأنه تقليل المسافة مع دمشق، وصد محاولات اللعب على التناقضات الكُردية، والاستفادة منها لإبقاء الوضع على ما هو عليه بخصوص هضم حقوقهم، أو إفقادهم امتيازاتهم، كما يسهل من إمكانية الحصول على المكتسبات المرحلية والضرورية، وتحديد ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي.

أكراد سوريا و”تبديد الخلافات”

قبل نحو أسبوعين بالتمام، أعلنت أحزاب كُردية في سوريا، توصلها إلى صياغة اتفاق تاريخي يحدد رؤية موحدة بشأن مستقبلها السياسي ووضعها الاجتماعي والوجودي. وتم خلاله التوافق على وثيقة مشتركة مفادها الاعتراف بحق الأكراد في التمثيل السياسي، وضمان اعتراف الدستور بالشعب الكُردي ولغته القومية.

بحسب مصادر كُردية مطلعة قريبة من “المجلس الوطني الكُردي” لـ”الحل نت”، فإن الحوار الكُردي الكُردي بلغ “مرحلة متقدمة”، وثمة توافق على عدة جوانب، ومن المتوقع الإعلان عن الصيغة النهائية لوثيقة العهد السياسية الكُردية منتصف الشهر الحالي.

ويمكن القول إن هذه التحركات إنما تعكس أدوارا وسائطية مختلفة، تهدف إلى تبديد الخلافات أو إنهاء القطيعة التي استمرت لنحو خمسة أعوام بين طرفي الحركة الكُردية. 

قد سبق للجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في النصف الثاني من الشهر الماضي آذار/ مارس، أن أعلن عن عقد اجتماع مباشر بين طرفي الحركة الكُردية، لافتا إلى الاتفاق على خريطة طريق مشتركة، فضلا عن توحيد الصف الكُردي، ومن ثم، تدشين وفد موحد يضطلع بمسؤولياته ودوره في التفاوض مع دمشق.

وقد تزامن هذا الانفتاح مع انتهاء الجولة الأولى من المباحثات بين الوفد الحكومي السوري وقيادة “قسد” برعاية مبعوث الإدارة الأميركية لسوريا، سكوت بولز.

وفق بيان سابق لـ”قسد”، يمكن فهم أن الحاجة تبدو ملحة لتوافق كُردي كُردي، إثر الاتفاق التاريخي بين عبدي والشرع، والتوصل إلى تفاهم مبدئي بينهما على إدارة المرحلة الانتقالية، ودمج قوات “قسد” في الجيش السوري، لا سيما أن اللجان المشتركة التي تم بحث تشكيلها بين الطرفين لمتابعة تنفيذ الاتفاق، سوف تباشر عملها خلال الشهر الحالي نيسان/ أبريل.

توحيد الجبهة الكُردية

وعليه، عاود الحوار بين الطرفين الكُرديين الرئيسيين، رئاسة “المجلس الوطني الكُردي” (ENKS) و”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) الذي يقود “أحزاب الوحدة الوطنية الكُردية”، يكشف عن ضرورة سياسية وإجرائية، سواء في ما يتعلق بأهمية توحيد الجبهة الكُردية والاستفادة من وجود اصطفاف قوي، ومنع احتمالات استغلال الخلافات واللعب على الاستقطابات الحزبية، أو أهمية تدشين وفد متجانس وموحد للانخراط في التفاوض والعمل مع السلطة الانتقالية في دمشق.

وثمن مظلوم عبدي في تغريدة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “إكس”، الاجتماع بين الطرفين الكُرديين، بينما عبر عن تفاؤله لهذه الخطوة، وقال: “كانت الخطوة الأولى في سلسلة اجتماعات لتحقيق الوحدة الكُردية، والاجتماع يأتي لتحقيق سوريا ديمقراطية تعددية، تضمن حقوق جميع المكونات”. 

وأكد عبدي على أهمية “إنجاح هذه الحوارات”، لصالح استرداد حقوق مكونات شمال شرقي سوريا، وإنهاء عقود من التهميش والإقصاء.

من المتوقع الإعلان عن الصيغة النهائية لوثيقة العهد السياسية الكُردية منتصف الشهر الحالي- “الصورة لقناة روناهي”

كما أكد عبدي عزمه إنجاح الحوار الكُردي الكُردي وقال: “نحن مصممون على نجاح الحوار الكُردي-الكُردي، وقد اجتمع الطرفان الكُرديان PYD وENKS لوضع خطة مشتركة وتحقيق الوحدة الكُردية في هذه المرحلة”. وتابع: “المواقف والرؤية من كلا الطرفين كانت إيجابية ومصدرا للارتياح”.

إذاً، الدور الأميركي مع التحركات التي يقوم بها عبدي من دمشق وقبلها إلى إقليم كُردستان واللقاء بالزعيم الكُردي مسعود البارزاني، ساهمت في التوصل إلى تفاهم وحلحلة الكثير من المعوقات، وتهدئة النزاعات الأيديولوجية لحساب ما هو سياسي ومرحلي يمكنه تحقيق مصالح مباشرة للقضية الكُردية وحقوق مكونات شمال شرقي سوريا، وضمان عدم استئناف السياسات القديمة البعثية ضدهم، وبناء سوريا تعددية ولامركزية.

الحوار الكُردي بلغ “مرحلة متقدمة”

بحسب مصادر كُردية مطلعة قريبة من “المجلس الوطني الكُردي” لـ”الحل نت”، فإن الحوار الكُردي الكُردي بلغ “مرحلة متقدمة”، وهناك توافق على عدة جوانب وتحديد مجموعة من البنود التي تشكل في مجملها الرؤية السياسية وطبيعة وآليات العمل بالمرحلة المقبلة، فضلا عن محددات وكيفية التواصل مع دمشق من خلال وفد يتم تسمية أعضائه.

وتكشف المصادر ذاتها للتدليل على المرحلة المتقدمة للحوار، بأنه من المتوقع الإعلان عن الصيغة النهائية منتصف الشهر الحالي.

فيما يشير مصدر آخر منفصل من “المجلس الوطني الكُردي” لـ”الحل نت”، إلى أن الاتفاق الكُردي الكُردي اتفق على أن تكون سوريا تعددية ديمقراطية لامركزية، أما الوفد المشترك الذي سيقع على عاتقه حمل “الورقة الكُردية” والتفاوض بشأنها مع السلطة الانتقالية في دمشق، فإنه سيكون بصدد ضمان الحقوق الكُردية ومكونات شمال شرقي سوريا دستوريا، وأن لا يتم إغفال رؤيتهم في تشكيل المستقبل السياسي لبلادهم.

لكن مصادر أخرى في “حزب الاتحاد الديمقراطي”، توضح لـ”الحل نت” أن المؤتمر القومي الكُردي، ما زال في طور النقاش والعمل، ولم تصل بشأنه قرارات نهائية، الأمر الذي سيتعين على “المجلس الوطني الكُردي” حسمه “في الأفق القريب”. وهناك مشاركة في اللجنة التحضيرية من قبل المجلس، بغية العمل على صياغة وثائق المؤتمر والتوافق على القرارات التي سيتبناها.

“اللامركزية” شعار المرحلة القادمة

وفي المحصلة، فإن المسار السياسي في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، قد شهد تطورات لافتة على صعيد الحوار الكُردي الكُردي، والتقارب بين الأطراف الكُردية من جهة، والإدارة الجديدة في دمشق من جهة أخرى. فالاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرا بين عبدي والشرع، لم يكن حدثا معزولا، بل جاء ثمرة توافق لمشاورات ثنائية وبوساطة دولية. 

وهذا التوافق رافقه تأسيس لمرحلة جديدة من التنسيق بين الأطراف الكُردية، توجت بإصدار بيانات مشتركة تعكس وحدة الموقف السياسي، بينما تعزز من فرص تشكيل وفد كُردي موحد للذهاب إلى دمشق في الأيام المقبلة، من أجل التباحث حول مستقبل المنطقة. 

من ثم، فالمؤشرات كافة تؤكد أن هذا الوفد الموحد بات جاهزا، والإعلان الرسمي عنه مسألة وقت لا أكثر. 

تتبلور اليوم رؤية جديدة حول شكل الحكم في سوريا، حيث يبدو أن شعار المرحلة القادمة سيكون “اللامركزية”- “رويترز”

من جهة أخرى، ثمة تطورات ميدانية داعمة لهذا المسار، منها الاتفاق الذي أُعلن عنه مؤخرا بين اللجنة التي تشرف على الأحياء الكُردية في محافظة حلب، والأمن العام التابع للسلطة الانتقالية. وقد شهد هذا الاتفاق خطوات عملية بدأت بالفعل، من أبرزها تبادل الأسرى بين الطرفين قبل فترة وجيزة، ومشاركة أبناء الحيين من الأكراد في الشرطة والأمن والمجالس المحلية بمحافظة حلب، في خطوة تعكس محاولة لخلق انطباع بالجدية بين الطرفين، والمضي قدما في مسار التفاهم والاستقرار.

وإلى جانب الدور الرعائي في التفاوض والتوصل لتفاهمات في الحوار الكُردي الكُردي، من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، لا يمكن التغاضي عن دور آخر إقليمي في أربيل، وتأكيد الزعيم الكُردي مسعود بارزاني على بناء موقف كُردي موحد، يهدف إلى تشكيل وفد واحد للتفاوض مع دمشق، والسير نحو اتفاق سياسي شامل، يكون الأكراد بموجبه جزءا من مؤسسات الدولة السورية، وشركاء في آلية الحكم مع الحفاظ على الخصوصية الكُردية في سوريا.

إذ تتبلور اليوم رؤية جديدة حول شكل الحكم في سوريا، حيث يبدو أن شعار المرحلة القادمة سيكون “اللامركزية”، ما يفتح المجال أمام صيغة مرنة خاصة بالمناطق الكُردية في سوريا، تضمن خصوصية هذه المناطق وهويتها الثقافية والإدارية، ضمن إطار الدولة السورية الواحدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات