وسط تزايد عمليات تهريب المخدرات والأسلحة من الجانب السوري تجاه الحدود الأردنية، وغياب أي جدّية أو خرق في القضايا التي شكّلت أساس الانفتاح العربي على دمشق، يبدو جليا أن ثمة تغيّرا في لهجة عمّان تجاه دمشق، خاصة بعدما أعرب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عن شكوكه في قدرة الرئيس السوري بشار الأسد، بالسيطرة على الأراضي السورية.

إلى جانب ذلك، فإن حدوث لقاء بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بشأن استمرار أزمة تهريب المخدرات والأسلحة من الجانب السوري، يدلل بأن الأردن أصبح متخوّفا من تنامي عمليات التهريب على حدوده مع سوريا وتطورها إلى مستويات خطيرة، لذا يبدو أنه يبحث اليوم عن خيارات أخرى لمعالجة هذا الموضوع وانحساره، خاصة بعد أن أدرك عجز دمشق بالسيطرة على إدارة البلاد.

لذلك تُطرح هنا عدة تساؤلات حول دلالات تغيّر لهجة عمّان تجاه دمشق، والخيارات المطروحة أمام المملكة الأردنية الهاشمية للتعامل مع مشكلة تزايد عمليات تهريب المخدرات، وما إذا كان الأردن مستعدا للانخراط في حلول غير سياسية، مثل إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا.

الأردن يصعّد تجاه دمشق

تشير تصريحات الملك الأردني خلال قمة الشرق الأوسط في نيويورك الأسبوع الماضي حول شكوكه بشأن سيطرة الأسد على سوريا في ظل المشكلة الكبرى المتمثلة في تهريب المخدرات والأسلحة مع الأردن، إلى تغيّر في لهجة عمّان الرسمية تجاه دمشق، خاصة عندما قال، إن “الأسد لا يريد أن يتحدث عمليات التهريب، وأيضا لا يريد صراعا مع الأردن، لكنني لا أعرف مدى سيطرته”، متهما طهران والميليشيات التابعة لها داخل الحكومة السورية بالاستفادة من الوضع وازدهار تجارة المخدرات في سوريا.

epa10869693 King Abdullah II bin Al-Hussein of Jordan addresses the delegates during the 78th session of the United Nations General Assembly at the United Nations Headquarters in New York, New York, USA, 19 September 2023. EPA/JUSTIN LANE

الملك الأردني، أردف في حديثه أيضا “إننا نقاتل كل يوم على حدودنا لمنع دخول كميات هائلة من المخدرات إلى بلادنا، وهذه قضية رئيسية تستغلها جميع الأطراف، بما في ذلك بعض الأشخاص داخل النظام والإيرانيين ووكلائهم”، هذا إلى جانب تطرقه للاحتجاجات المستمرة في جنوب سوريا، في مدينة السويداء محذّرا من أن ذلك قد يؤدي إلى تدفّقٍ جديد للاجئين إلى الأردن”، لكنه أعرب عن عدم مقدرة عمّان تحمل المزيد “لا يمكننا أن نتحمل المزيد، نحن مثقلون بالفعل، لقد تضاءل الدعم الدولي بشكل كبير”، وفق تقارير صحفية.

اللافت أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حذر يوم الجمعة، من إمكانية شنّ عملية عسكرية في الداخل السوري بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات، مضيفا في تصريحات لمحطة “سي إن إن” الأميركية، أن العديد من الأشخاص عانوا من عواقب الأزمة السورية، بما في ذلك الأردن، وسيحرصون على القيام بكل ما يلزم للتخفيف من أي تهديد لأمن الأردن.

الصفدي، نوّه إلى أن الأردن لا يتعامل مع تهديد المخدرات باستخفاف، بل أنه في حال لم يرى إجراءات للحد من هذا التهديد، فسيقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا، مردفا أن تهريب المخدرات لا يشكل خطرا على الأردن وحده، بل يهدد دول الخليج العربي وبلدان العالم كافة، وكذلك وصف الملك الأردني عمليات التهريب بأنها تهدف لزعزعة استقرار البلاد، أثناء كلمته باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا.

خيارات الأردن

تتزايد المخاوف الأردنية من ظاهرة التهريب على الحدود السورية، ويفسرها البعض بأنها نتيجة استخدام المهربين لأساليب جديدة ومتطورة لم تُستخدم من قبل، مثل البالونات الطائرة بمختلف أحجامها، والتي تحمل كميات مختلفة من المواد المخدرة والمتفجرات، بالإضافة للطائرات بدون طيار “المسيّرة” القادمة من جنوب سوريا.

يوم الثلاثاء الفائت، أعلن الأردن، إسقاط طائرتين مسيّرتين محمّلتين بمواد مخدرة من مادة الكريستال، قادمتين من سوريا. وذكر مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، أن “قوات حرس الحدود وبالتنسيق مع إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية، رصدت محاولة اجتياز طائرتين مسيّرتين بدون طيار الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية”.

أعلن الأردن، إسقاط طائرتين مسيّرتين محمّلتين بمواد مخدرة من مادة الكريستال، قادمتين من سوريا.

في هذا الصدد يقول الأكاديمي السياسي الأردني والخبير في الشؤون الاستراتيجية عامر السبايلة، إنه لا شك أن ظاهرة تهريب المخدرات وغيرها من المواد من غير المتوقع أن تنتهي سريعا، باعتبار أننا نتحدث عن ظاهرة متجذرة في المنطقة وأصبحت اقتصادا حقيقيا للكثيرين.

لذلك يرى السبايلة في حديثه لـ”الحل نت” أن موضوع الملف السوري وفتح العلاقات مع حكومة دمشق لم يكن يعوّل عليه بقدر ما كان يعول على إيجاد شريك في الداخل السوري وبالتالي الدخول في عملية بناء ثقة تدريجية.

صورة نشرتها القوات المسلحة الأردنية لمسيرة تحمل مخدرات قادمة من سوريا

بهذا المعنى، فإنه أمام عمّان خيارات محدودة للتعامل مع موضوع تهريب المخدرات القادمة من سوريا، وهو السعي إلى مواصلة النهج السياسي مع كافة الأطراف المعنية، فضلا عن التعاون مع دول المنطقة لمكافحة هذه التجارة. لكن إذا تطلب الأمر ووصل إلى حدوده القصوى، فليس من المستبعد أن يتجه الأردن إلى الخيار العسكري المحدود وبدعم من الدول الحليفة والمهتمّة بمكافحة المخدرات، مثل الولايات المتحدة.

ما دور واشنطن؟

عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية باتجاه الأردن تسير في اتجاه تصاعدي، وغالبا ما تُقابل بصد أردني قوي في سبيل محاربة هذه التجارة وتقويضها قدر الإمكان، ووسط كل ذلك، تحدثت تقارير صحفية أميركية مؤخرا عن احتمال مشاركة الولايات المتحدة في حرب الأردن على المخدرات، لكن تحت مظلة التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، خاصة مع الحرب الشرسة التي يقودها الجيش الأردني ضد عمليات التهريب هذه، ورُصد أكثر من 160 شبكة في سوريا تعمل على تهريب المخدرات إلى دول الجوار.

هذا فضلا عن اعتماد واشنطن قانون “مكافحة الكبتاغون″، بغية قمع الاتجار غير المشروع بهذا المخدر في المنطقة والتي مصدرها الأساسي، سوريا. وتم تمرير هذا القانون العام الماضي ودخل حيز التنفيذ منتصف حزيران/يونيو الفائت، وينصّ على أن تقوم وزارة الخارجية الأميركية و”البنتاغون” والوكالات الفيدرالية الأخرى بوضع استراتيجية ضد شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها والمرتبطة بسلطة دمشق.

في هذا السياق يرى السبايلة، أنه الآن ومع استمرار ظاهرة تهريب المخدرات والمواد المتفجرة ودخول الإرهاب بقوة ودخول فئة جديدة في الصدامات، فإن هذا يعني أننا نتوقع أن تتزايد هذه الظاهرة وتنتقل لتأخذ أبعادا أخرى، وخاصة فيما يتعلق بمسألة الأسلحة والمتفجرات كما رأينا مؤخرا.

لذلك يعتقد السبايلة، أن الحل الأمثل أمام الأردن هو تجفيف منابع المخدرات في الأراضي السورية، أي قبل أن تتجه نحو الحدود الأردنية وهنا تضعف هذه الظاهرة ويضع الجانب السوري في زاوية وموقف أكثر فاعلية فيما يتعلق بفكرة التعاون، هذا أولا.

ثانيا، يجب ألا ننسى اليوم أن هناك قانون أميركي تم إقراره، وهو قانون “مكافحة الكبتاغون”، والذي يعطي مساحة لواشنطن للإشراف على هذا الموضوع وبالتالي يمكن لموضوع تهريب المخدرات أن يبتعد عن كونه مرتبطا بسوريا والأردن فقط أو إلى سوريا والدول العربية، في ختام تحليل السبايلة.

الأردن وعموم الدول العربية يرون أن دمشق لم تنفّذ أي خطوة إيجابية وملموسة تجاه المبادرة العربية “خطوة مقابل خطوة”، لأجل إيجاد حل للملف السوري، ولذلك فإن تجميد مسار التقارب العربي مع دمشق مرجّحٌ جدا.

كما أن تصريحات الأردن وانتقاده للجانب السوري، وخاصة أن لهجته تغيّرت بشكل لافت تجاه دمشق، يدلل بأن عمّان تتطلع وبالتعاون مع واشنطن لمكافحة قضية المخدرات، وذلك عبر اتخاذ إجراءات مهما كانت شكلها وحجمها للحد من هذه التجارة التي لها أبعاد أمنية وسياسية خطيرة على المنطقة بشكل عام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات