شنت إسرائيل غاراتٍ جوية على سوريا ليلة 3 أبريل/نيسان، وبحسب بيانات الجيش الإسرائيلي فإن الغارات كانت تهدف إلى ضرب “القدرات العسكرية المتبقية في قاعدتي حماة ومطار تي-4 السوريتين، بالإضافة إلى مواقع أخرى للبنية التحتية العسكرية في منطقة دمشق”. يرى البعض أن ما وراء العمليات الإسرائيلية كان أكثر من ذلك، وأن الهدف الحقيقي هو إرسال رسالة لتركيا التي ربما تتطلع إلى اقتحام قاعدة “تي-4” ومواقع عسكرية أخرى لتلعب دورًا أكبر في سوريا.
والسؤال الهامُّ الآن هو: هل تريد إسرائيل الانخراط في حملةٍ مفتوحةٍ في سوريا؟ وإلى أي مدى يمكن أن تذهب إسرائيل في مواجهتها مع تركيا في ظل انشغالها بحروبها الأخرى؟
رسالة إلى تركيا
نفذت إسرائيل غارةً جويةً قصفت خلالها مطارين كان يستخدمهما الجيش السوري في عهد نظام بشار الأسد، وهما مطار تدمر ومطار “تي-4″، وذلك بما يعرف بـ”القصف السجادي”، أي لم يتبقَ فيهما أي بناء قائم. وقال مصدر عسكري إسرائيلي: “ضربنا طائراتٍ وأنظمة رادار وأبراج مراقبة ومواقف سيارات وجميع مدارج الطائرات وجميع المباني والمستودعات”، بحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة “جيروزاليم بوست” إن الغارات الجوية الأخيرة في سوريا تهدف إلى “إيصال رسالة إلى تركيا”، فحُذِّمت عبارته بـ “لا تقيموا قاعدة عسكرية في سوريا ولا تتدخلوا في النشاط الإسرائيلي في أجواء سوريا”.
تزامنت الغارات الجوية مع أنباء عن اشتباكات في بلدة نوى جنوب سوريا. ويُعدُّ هذا ثاني اشتباك كبير مع الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا، في منطقة قريبة من درعا والحدود الأردنية؛ إذ كان اشتباك آخر قد وقع في 25 مارس/آذار، حيث قُتل عدد من السوريين في اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي، على بُعد حوالي ميلٍ واحد من المنطقة العازلة في الجولان التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية السورية الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على البلاد، وحثَّت المجتمع الدولي على اتخاذ موقفٍ حازمٍ والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والالتزام بالقانون الدولي، وفقًا لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وكما يبدو، فهمت تركيا الرسالة الإسرائيلية، ولذلك علق وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قائلاً: “تركيا لا تريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا”. فيما وصفت تركيا الضربات الإسرائيلية بأنها تعديات على الأراضي السورية، بينما أكدت إسرائيل أنها لن تسمح بوجود أي قوات معادية في سوريا. وأوضحت أن الأمر شأن الإدارة الجديدة في دمشق إذا كانت ترغب في التوصل إلى “تفاهمات معينة” مع إسرائيل، التي تعتبر، مثل تركيا، جارة لسوريا.
ماذا تريد إسرائيل من الغارات؟
خلال السنوات الأخيرة، لم تتوقف إسرائيل عن تنفيذ غاراتٍ جويةٍ على سوريا خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد، مستهدفةً ما قالت إنه منشآت عسكرية مرتبطة بإيران، وكذلك شحنات الأسلحة من طهران إلى “حزب الله” في لبنان. وبعد سقوط الأسد، استمرت الهجمات على المواقع السورية، وكان الحديث حينها أن سلاح الجو الإسرائيلي يستهدف البنية التحتية والأسلحة المتبقية من جيش الأسد.

بالنسبة لإسرائيل، خاصة بعد هجوم 7 أكتوبر، يُعد تحدي “الأمن” كل شيء؛ حيث برزت العقيدة الإسرائيلية الجديدة في منع—بشكلٍ كامل—تواجد أي جماعات مسلحة على الحدود الإسرائيلية، سواء أكانت مسلحةً بشكل تقليدي أو تمتلك أسلحة غير تقليدية مثل الصواريخ والأسلحة الكيميائية، وحتى الترسانة العسكرية السورية؛ إذ تشكل هذه الأمور تهديدات لإسرائيل التي تفضل الآن تدميرها قبل وقوعها في يد النظام السوري الجديد.
وبحسب دراسةٍ لمركز “معاريف”، فإن النظام السوري الجديد، حتى وإن كان سنيًّا وأعداءً لـ “حزب الله” وإيران، وإن كان موقف النظام السوري تجاه إسرائيل اليوم غير واضح، على الأقل هو علنًا غير عدائي في الوقت الحالي. لكن بالنظر إلى الأسلحة المتبقية في المنطقة، والمخاوف من أن يتخذ الرئيس السوري أحمد الشرع نفسه مواقفً متطرفة في المستقبل، فإنه على إسرائيل أن تتحرك بسرعة.
الهدف الآخر لإسرائيل لا يتعلق فقط بالأسلحة والنظام السوري الجديد، بل يتعلق بالنفوذ والسيطرة؛ فالتحركات الإسرائيلية في سوريا يمكن قراءتها على أنها محاولة لإحباط التحركات التركية من الحصول على موطئ قدم داخل سوريا.
بحسب تحليل لصحيفة “معاريف”، فإن إسرائيل أدركت أنه إلى جانب محاولات الأتراك تسليح الجيش السوري وإعادة تأهيله، فإن لديهم خططًا إمبريالية لتجديد قبضتهم على سوريا وتحويلها إلى محمية تركية ذات وجود عسكري.
من ناحية أخرى، حددت إسرائيل، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال جولةٍ الأسبوع الماضي، قاعدتين ستلتزم بهما في سوريا: الأولى، نزع السلاح من جنوب سوريا؛ والثانية، ضمان حرية العمل الإسرائيلي في الأجواء السورية.
قال “كاتس” إن إسرائيل نقلت في الأيام الأخيرة رسائل قوية إلى الرئيس السوري الجديد: “إذا سمح لأي كيان بتغيير الوضع في سوريا من أجل تهديد إسرائيل، فسوف يتحمل الثمن”.
من ناحية تركيا، يضع أردوغان لنفسه أهدافًا استراتيجية في سوريا؛ فهو يريد من خلالها توسيع نفوذه الإقليمي، والمفتاح يكمن في تحقيق السيطرة العسكرية. ولذلك يسعى الأتراك إلى إنشاء قواعد محلية والسيطرة عليها، مثل قاعدة “تي-4” الشهيرة، حيث ستسمح لهم هذه القاعدة بالتواجد الجوي وحماية الحدود التركية، وإلى حد كبير السيطرة على الفضاء السوري، في الفراغ الذي نشأ بعد انهيار نظام الأسد وانسحاب سوريا وإيران.
وتُعدُّ هذه الأسباب ضمن الدوافع التي دفعت السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، اللواء رومان غوفمان، إلى زيارة “الكرملين”. كما أشارت تقديرات إسرائيل إلى أن هناك بعض الأهداف الأخرى لديها حيال سوريا؛ ففي أعقاب سقوط نظام الأسد، سارعت إسرائيل إلى زيادة نفوذها في المنطقة التي تفصل بين سوريا وإسرائيل في هضبة الجولان، وفق الخطوط التي حددتها اتفاقات فصل القوات في سنة 1974، وكان الهدف المعلن منع تمركز التنظيمات “الجهادية” في المناطق المحاذية لإسرائيل، طالما يوجد جيش نظامي في سوريا يحمي الحدود.
كما كشفت التحركات الأخيرة عن رغبة إسرائيل في إقامة “منطقة أمنية” مدنية وليس عسكرية فقط، حيث تريد تجنيد السكان الدروز الذين يعيشون قرب الحدود مع إسرائيل وتحويلهم إلى قوة مستقلة تمنع وتكبح نشاط التنظيمات المعادية، وتعرقل تطلعات الرئيس أحمد الشرع إلى قيام دولة سورية موحدة.
ويبدو أن حجم السيطرة الإسرائيلية على الأراضي السورية وتصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس توحيان بأن “الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة الأمنية لفترة غير محددة”. كل ذلك يدل على رغبة إسرائيل في البقاء على المدى الطويل، وهو ما قد ينذر بمواجهة محتملة مع النظام السوري وتركيا في مرحلة ما.
ماذا تريد إسرائيل من الغارات؟
السؤال الأهم هو: هل ترغب إسرائيل في الانخراط في حملةٍ مفتوحةٍ في سوريا؟، وهو ما يفتح باب تساؤلٍ آخر: هل تؤدي الهجمات الإسرائيلية على سوريا إلى استفزاز تركيا بحيث تتخلى عن سياستها الحذرة – حتى الآن – وتتخذ موقف الرد على إسرائيل؟

من جانبه، علق الدكتور حسين الديك، الخبير في العلاقات الدولية لـ”الحل نت”، قائلاً: “من المستبعد تحويل الهجمات الإسرائيلية على سوريا إلى حربٍ مفتوحةٍ، لأن النظام الجديد في سوريا يركز على القضايا الاقتصادية والحياتية اليومية في بلدٍ يعيد بناء نفسه. ولهذا فإن الحكومة السورية الجديدة تهدف الآن إلى توفير متطلبات الحياة اليومية، وليس خوض معركة مع أي دولة، وعلى رأسها إسرائيل التي تمتلك أقوى الأسلحة في المنطقة”.
وأضاف الديك: “إن التوغل الإسرائيلي داخل عمق الأراضي السورية غير واردٍ حتى الآن، بسبب الظروف الصعبة داخل الأراضي السورية، فضلاً عن عدم وحدة القيادة السورية؛ فهناك العديد من النقاط التي لا تزال عالقة بين الأطراف المختلفة”.
أما فيما يتعلق بالمواجهة مع تركيا، فكما يبدو أن إسرائيل لا تريد توسيع نطاق المواجهة مع تركيا؛ إذ إن إسرائيل عالقة بالفعل في حرب غزة التي تتطلب مشاركة وحداتٍ من عدة فرق تابعة للجيش الإسرائيلي. كما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بعدة نقاط في لبنان ويواصل ضرب “حزب الله”، أما الضفة الغربية فقد كانت أكثر هدوءًا مما كانت عليه في الماضي، لكن الأمور قد تتغير فجأة؛ إضافة إلى استمرار “الحوثيين” في مهاجمة إسرائيل بالصواريخ الباليستية. كما تُشكل إيران تهديدًا محتملًا. وترغب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التوصل إلى اتفاق مع إيران؛ فكل هذه الظروف تجعل إسرائيل تفكر جيدًا في فتح مواجهةٍ مفتوحةٍ في سوريا مع تركيا.
ويرجّح ذلك فكرة أن الهجمات الإسرائيلية على سوريا، وربما تكثيفها خلال الفترة المقبلة بهدف ردع أنقرة، قد تنجح. ومع ذلك، التاريخ يخبرنا بأن إسرائيل استخدمت استراتيجية الصبر الطويل مع إيران، وانتظرت كثيرًا حتى قررت مهاجمة إيران في سوريا. كما أن التحول من مواجهة إيران في سوريا إلى مواجهة تركيا المحتملة ينطوي على العديد من المخاطر المحتملة.
فالوجود التركي في سوريا لا يزال يقتصر على شمال سوريا، الذي يتكوّن من عددٍ من القواعد والمواقع. تدعم تركيا الجيش الوطني السوري، وهي مجموعة من الميليشيات بالوكالة؛ والآن، وبعد تشكيل حكومة جديدة في سوريا، من المتوقع دمج الجيش الوطني السوري في الجيش السوري الجديد. وليس من الواضح ما إذا كانت تركيا ستنسحب من المناطق التي تتواجد فيها. ومع ذلك، يبدو أن أنقرة قد ترغب في تغيير مسارها؛ فقد ترغب تركيا في إبرام صفقة تسمح لها بتحديث المطارات العسكرية في سوريا، مثل مطار “تي-4”.
كما أن تركيا ليست كإيران؛ فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتتمتع باقتصاد قوي وعلاقات جيدة نسبيًا مع روسيا والغرب، كما أنها تتعاون مع إيران. وتتمتع أنقرة بقطاع دفاع عسكري قوي، وعلى عكس إيران، فإن تركيا تمتلك جيشًا تقليديًّا قويًا وتنتج معدات عسكرية ضخمة، بينما تُعد إيران أضعف بكثير، رغم امتلاكها لطائرات بدون طيار وصواريخ باليستية وبرنامج نووي، مما يعقّد المسألة بالنسبة لإسرائيل.
لكن تظل إسرائيل تعتبر تركيا دولة معادية تسعى للسيطرة على سوريا مكان إيران، ومن المحتمل أن تؤثر على الوجود الروسي أيضًا، وهو ما قد يؤثر على حرية العمل الجوي التي تتمتع بها إسرائيل في الأجواء السورية، وعلى وجودها البري في سوريا.
وعن إمكانية بدء مواجهة بين إسرائيل وتركيا، علق الديك لـ”الحل نت”: “أرى أنه من السابق لأوانه الحديث عن مواجهة كهذه؛ فحتى هذه اللحظة لا توجد اتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، وحتى إذا وُقعت الاتفاقية فلا أعتقد بوجود مواجهة مشتركة مباشرة بين تركيا وسوريا وإسرائيل؛ فالسبب أن تركيا عضو وثاني أكبر جيشٍ في حلف الناتو، وهذه الميزة لا تمتلكها إسرائيل، لكنها تحظى بعلاقات نافذة مع دول في حلف الناتو مثل بريطانيا والولايات المتحدة”.
ويرجح الديك، أن هناك سيناريوهين: الأول هو أنه حال توقيع اتفاقية دفاع مشترك سيتم التوصل إلى تفاهمات تركية–إسرائيلية برعاية أميركية وغربية لعدم حدوث أي مواجهة في سوريا؛ والسيناريو الثاني هو استمرار وجود القواعد التركية في سوريا مع عدم مهاجمتها من قبل الطيران الإسرائيلي.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الشرع يضع شرطا أساسيا للتطبيع مع إسرائيل

إدارة ترامب رفضت إبقاء قواتها في شرقي سوريا.. ماذا عن “قسد” والنفوذ التركي؟

دبلوماسي بريطاني: الشرع يعتزم الاعتراف بإسرائيل نهاية 2026

“تقليص لا انسحاب”.. تفاصيل جديدة حول الوجود الأميركي في سوريا
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
