في تموز/يوليو 2022، كشف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلة متلفزة، أن بلاده تواجه هجمات على حدودها و”بصورة منتظمة” من “ميليشيات لها علاقة بإيران”، معبرا عن أمله في “تغير في سلوك” طهران. وعندما يتم التطرق إلى الخطر الذي يهدد الأردن، لا بد من مراعاة الواقع المعقد الذي يحيط بهذه الدولة الشرقية الوسطى، التي تحمل دورا هاما في المنطقة. 

على الرغم من مظهر الاستقرار النسبي الذي تظهره المملكة الأردنية، يبدو أن هناك تهديدا خفيا ينبغي ألا يُغفل، وهو تصاعد الأنشطة الإيرانية في المنطقة واحتمالية أن يكون الأردن هدفها التالي، وذلك لأن التكتيكات العدائية التي تتبعها إيران تجاه الأردن ليست جديدة، فقد ثبُتت قدرة إيران على تدمير استقرار الدول المجاورة، والتدخل في شؤونها الداخلية من خلال تحريض ودعم جماعات مسلحة. فقد نجحت إيران في استهداف دول مثل سوريا ولبنان والعراق واليمن، وأحدثت حالة من الفوضى والانهيار السياسي والاقتصادي في تلك البلدان.

بفضل تكتيكاتها العسكرية والإرهابية غير المتكافئة، وتحريضها المستمر ضد اليهود، نجحت إيران في بناء شبكة من الفصائل والميليشيات التي تتبع أجندتها مثل “حزب الله” في لبنان، ووحدات “الحشد الشعبي” في سوريا والعراق، و”الحوثيون” في اليمن، وجميعهم أدوات في يد إيران لتحقيق أهدافها الإقليمية، وهنا تثار التساؤلات حول أن يكون الأردن الهدف التالي لإيران في استراتيجيتها طويلة المدى، وما علاقة موقف الأردن تجاه إيران وكيف يؤثر ذلك على احتمالية أن يكون هدفا للنظام الإيراني، وما هو دور الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران، مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، في أي استهداف محتمل للأردن.

إنشاء وحدات تعبئة للسيطرة على البلاد

لقد استغلت إيران ببراعة العوامل الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة في تلك الدول المستهدفة، وهو الأمر الذي يزيد من القلق بشأن الأردن. إذ تعاني المملكة الأردنية من مشاكل اجتماعية واقتصادية عميقة، بالإضافة إلى استضافتها لملايين اللاجئين وارتفاع معدلات البطالة بين سكانها، وهذا يجعلها هدفا سهل المنال للمخططات الإيرانية.

الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان - إنترنت
الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان – إنترنت

على الرغم من الرؤية السائدة للأردن كدولة مستقرة، إلا أن هناك مؤشرات تدعو للقلق. فقد أشار آدم كوغل، نائب مدير الشرق الأوسط في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إلى تصاعد السخط العام في الأردن في السنوات الأخيرة. ووصفت الزميلة في معهد “بروكنجز” الدوحة، ياسمينة أبو الزهور، الأردن بأنها “الديكتاتورية الناعمة”، وهذه المؤشرات تعكس تزايد الاستياء والاحتجاجات الشعبية في البلاد.

في الشمال، تسيطر إيران على لبنان من خلال وكيلها “حزب الله”، وفي سوريا وبسبب تفكك الدولة سمحت دمشق لـ”الحرس الثوري” الإيراني بحرية إقامة مواقع عسكرية على حدود إسرائيل، وتطهير ديموغرافي في جنوب سوريا، ونقل صواريخ دقيقة التوجيه عبر سوريا إلى لبنان بحسب كوغل. أيضا بالنسبة للغرب، تسيطر إيران بشكل فعال، كليا أو جزئيا، على الجيش والبرلمان العراقي.

في الواقع، يمكن اعتبار العراق نموذجا لما تريد إيران القيام به للسيطرة على الأردن. وكما قال عنوان مقال مايكل نايت في مجلة “فورين أفيرز” ، “العراق ينهار بهدوء”، حيث تم دمج وحدات “الحشد الشعبي” التي تسيطر عليها إيران في الجيش العراقي، والعديد من السياسيين العراقيين إما يخشون المقاومة أو يدعمون إيران بشكل صريح. حوّل هذا العراق إلى قصة نجاح الهيمنة الإيرانية.

إلى الجنوب والشرق من إسرائيل، تعمل حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بشكل وثيق مع إيران في هدفهما المشترك لتهديد إسرائيل في حرب متعددة الجبهات. وإلى أقصى الجنوب، يوجد “الحوثيين” في اليمن تحت إشراف إيران. وهم أيضا يمكن تفعيلهم في حرب إقليمية، وإرسال صواريخ كروز نحو تل أبيب، كما هاجموا المملكة العربية السعودية.

لذا يرى عضو “الكونغرس” الأميركي ومدير “شبكة الشرق الأوسط السياسية والمعلوماتية”، أن السيناريو الأكثر ترجيحا لإيران هو العمل على استهداف السكان المستضعفين في الأردن. حيث من المرجح أن تزرع طهران أذرعها لدعم الفقراء والإسلاميين، والأغلبية المتذمرة من الفلسطينيين، وملايين اللاجئين النازحين من الحربين السورية والعراقية، الذين لديهم أمل ضئيل في حياة أفضل.

عين التيار المتشدد في إيران على الأردن

لا يزال الأردنيون يستذكرون ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2021، لصحيفة “كيهان” الايرانية وكان ترجمة أبرز عناوينها “قريبا جدا، فيما لو تم الوصول إلى الكرك، سوف تحلق روح الخميني في سماء الأردن، روحك يا ولي الله سوف تحط الرحال في سماء الأردن، وسوف تبكي من أجلك، وسوف ينهض الحسين من هذه البلاد التي حرمنا من دخولها دائما”.

الأردن يصعد من حدة خطابه ضد إيران - إنترنت
الأردن يصعد من حدة خطابه ضد إيران – إنترنت

الخبير في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط، أكبر أحمد، أوضح لـ”الحل نت”، أنه في حين من الصعب التنبؤ بشكل مؤكد باستراتيجية إيران طويلة المدى، فمن المعقول أن يكون الأردن هدفا محتملا لإيران. حيث سعت إيران تاريخيا إلى توسيع نفوذها وتحدي خصومها في المنطقة. وإن قرب الأردن من النفوذ الإيراني الحالي، وتحدياته الاجتماعية والاقتصادية، واستضافته لعدد كبير من اللاجئين قد يجعله عرضة للتأثير الإيراني.

هناك عدة عوامل تدعم الفرضية القائلة بأن الأردن يمكن أن يكون هدفا لإيران بحسب أحمد، وتشمل هذه جغرافية الأردن الاستراتيجية، وحدودها المشتركة مع العراق وسوريا، واستضافتها للاجئين الفلسطينيين، وتحدياتها الاجتماعية والاقتصادية. وهذه العوامل يمكن أن تجعل الأردن عرضة للجهود الإيرانية لاستغلال عدم الاستقرار وتعزيز أجندتها الإقليمية.

الأردن يشترك في العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تجعله هدفا محتملا لإيران، إذ تواجه البلاد تحديات مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر والفساد والاستياء الاجتماعي. ويمكن أن تخلق هذه القضايا أرضية خصبة للجهات الخارجية التي تسعى لاستغلال عدم الاستقرار وكسب النفوذ.

علاوة على ذلك، اتخذ الأردن موقفا حذرا تجاه إيران. وقد سعت إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية والحفاظ على الاستقرار. حيث دعم الأردن المبادرات الإقليمية الهادفة إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وكان جزءا من تحالفات ضد الجماعات المتطرفة. ومع ذلك ، فقد أعرب أيضا عن مخاوفها بشأن أنشطة إيران الإقليمية، واتسمت العلاقة بين الأردن وإيران بالحذر والمشاركة الدبلوماسية.

لذا يرى أحمد، أن الأردن يجب أن يكون على حذرٍ من تصاعد التهديدات الإيرانية؛ فإيران تستهدف بشكل واضح تحقيق هدفها بتحويل المنطقة إلى بيئة ملائمة لنفوذها، ولخلق فراغ في السلطة يمكن أن تستفيد منه جماعاتها الموالية مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. مضيفا “لن يكون من المستغرب أن نرى إيران تستخدم نفس النمط الذي اتبعته في العراق، حيث دمجت وحدات الحشد الشعبي في الجيش العراقي وحققت نجاحا في تعزيز نفوذها”.

ماذا تريد إيران من الأردن؟

الأردن منذ عام 2018 يتهم سوريا وإيران بتدبير “حرب مخدرات” على الحدود، فيما تتزايد نقمة الإيرانيين على المملكة بعد عدم سماحها بتنفيذ طهران للسياحة الدينية داخل الأردن، وذلك لتخوّفها من أن تكون بوابة لانتشار أفكار النظام الإيراني داخل البلاد.

الميليشيات الإيرانية تستقدم عائلات إيرانية لتوطينها جنوب سوريا - إنترنت
الميليشيات الإيرانية تستقدم عائلات إيرانية لتوطينها جنوب سوريا – إنترنت

المؤسسة الرسمية الأردنية والعربية لم تخفِ مخاوفها من التهديد الإيراني، إذ لديها ذكريات سيئة لا تتعلق فقط بقضايا الحريات، ولكن أيضا بدعم إيران لأنظمة عربية قمعية. وسجل إيران الرسمي في العراق وسوريا، على سبيل المثال، لن يصبح يوما جزءا من معروضات متحف التراث، وبعض هذه الذكريات مؤلمة بلا شك، بحسب أحمد.

مع ذلك، يبقى السؤال حول كيفية تقييم علاقة الأردن مع إيران بطريقة متوازنة ومتزنة، دون الشعور بأن عمّان في وضعية ضحية لمقاربات ومقايضات بين مشروعين إيراني وإسرائيلي، لذا من المهم ملاحظة أن الوضع في الأردن يختلف عن الوضع في العراق. 

في حين أن هناك بعض التحديات ونقاط الضعف المشتركة، فإن الديناميكيات السياسية والاجتماعية في الأردن تختلف اختلافا كبيرا. يتمتع الأردن بنظام ملكي طويل الأمد ومستقر، وتكوين ديموغرافي مختلف، واستقرار تاريخي مقارنة بالعراق. وبالتالي، في حين قد تكون هناك أوجه تشابه من حيث نقاط الضعف المحتملة، إلا أنها لا تشير بالضرورة إلى مصير مماثل للأردن.

يمكن للجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران، مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، أن تلعب دورا محتملا في أي استهداف للأردن. وهذه الجماعات لديها مصالح متوائمة مع إيران، ووجودها في البلدان المجاورة مثل لبنان وسوريا سمح لإيران بممارسة نفوذها ودعم أنشطتها. ومع ذلك، فإن مدى تأثيرها المباشر على الأردن سيعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك قدرة الأردن على إدارة أمنه الداخلي ودينامياته الإقليمية.

بحسب حديث الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فإن الأردن يلعب دورا مهما في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وكان شريكا رئيسيا في جهود مكافحة التطرف والإرهاب. لذا يمكن أن يكون لزعزعة الاستقرار أو فراغ السلطة في الأردن عواقب بعيدة المدى، مما قد يؤثر على البلدان المجاورة وأبرزها دول الخليج ويؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية.

الأردن يشعر بالقلق من تنامي نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في جنوب سوريا، إلا أن الغرق في التحسب والمراقبة في ملف العلاقات الأردنية الإيرانية ينبغي أن لا يكون خيارا بعد الآن، خصوصا وأن الدلائل والمؤشرات تلوّح بأن إيران تراقب وتخطط عن كثب لغرس أذرعها داخل المملكة في القريب العاجل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة