تساؤلات عديدة تثار حول زيارات قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيين لإيران خلال الأيام الماضية، واجتماعاتهم والوفود المرافقة لهم مع المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، وحاكم البلاد إبراهيم رئيسي وقائد “الحرس الثوري الإيراني”، حسين سلامي وقائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني.

هذه الزيارات لا بد أنها تحمل في طياتها عدة دلالات وسط المتغيرات الإقليمية الأخيرة، وبالتالي يجب طرح تساؤل حول سرّ هذه الزيارات المتتالية لقادة الفصائل الفلسطينية لطهران، أو إن صح القول لماذا استدعت طهران قادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فضلا عن تساؤل آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهي ما النتائج المترتبة حول هذه اللقاءات في ظل التوقيت الحساس بالنسبة للمنطقة.

دلالات الزيارة لإيران

نحو ذلك، أفاد تقرير لموقع “إيران إنترناشيونال” مؤخرا، بزيارة وفدين رفيعي المستوى من حركتي “حماس” بقيادة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية و”الجهاد الإسلامي” بقيادة الأمين العام للحركة زياد نخالة إلى إيران، وعقد لقاءات مع القيادات الإيرانية.

علي خامنئي مع وفد حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطيني- “إنترنت”

على الرغم من أن وسائل إعلام إيرانية، ذكرت يوم الإثنين الماضي، بأن هذه الزيارة جاءت على إثر آخر التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بفلسطين ولتأكيد دعم طهران لما يسمى بـ “محور المقاومة”، إلا أنها تحمل معاني وأبعاد أخرى، خاصة وأن هذه الزيارة تمت بدعوة من إيران

في هذا الإطار يرى المحلل والباحث السياسي المختص بالشأن الإيراني هاني سليمان، أن زيارة قادة “حماس والجهاد الإسلامي” لطهران تأتي في إطار الاستراتيجية الإيرانية الجديدة لإعادة هندسة مصالحها. ورسم مقاربات جديدة لسياساتها الخارجية تشمل المزيد من توسع النفوذ والاستعداد لمرحلة المواجهات الجديدة، خاصة مع الجانب الإسرائيلي، حسبما صرّح لموقع “الحل نت”.

منذ توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، كانت ثمة حالة نشاط دبلوماسي وجولات مكوكية للجانب الإيراني، لاسيما وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والرئيس الإيراني للعديد من الدول العربية لمحاولة التأكيد على فتح صفحة جديدة ومناقشة العديد من الملفات والتفاصيل فيما يتعلق بمستقبل العلاقات. وقد ساعد في ذلك حالة الوساطة العراقية والعُمانية فيما يتعلق بالدول العربية. ومن ضمن هذه التحركات الإيرانية، تأتي المسألة الفلسطينية ومحاولات تعزيز الأدوات الإيرانية للضغط على إسرائيل على اعتبار أن الأخيرة مستفزة من الاتفاق السعودي الإيراني، وأنها كانت تعوّل على تحالف إسرائيلي عربي للتصدي لتمدد إيران، وفق تحليل سليمان.

لكن أضحى هناك وضع مختلف تماما، ومن المتوقع أن تضغط إسرائيل بشدة ويكون لها ردود فعل شديدة تجاه الجانب الإيراني، وفي ضوء التصعيد الأخير في الضفة الغربية وقبل ذلك في غزة، يعتقد سليمان أن الجانب الإيراني يحاول تعزيز علاقاته مع حركتي” حماس والجهاد” وتعزيز نفوذه فيما يتعلق بمناطق المواجهة المتوقعة مع إسرائيل. وقد تؤثر المحاولة على الخلافات الطفيفة الموجودة بين الطرفين، خاصة في ظل تبني حركة “الجهاد” مقاربة خاصة في تحركاتها والتحدث عن عدم التنسيق مع “حماس” في العمليات الأخيرة وأيضا محاولة تقديم الدعم لهذه الحركات وإرسال رسائل واضحة ومباشرة للجانبين الإسرائيلي والأميركي، بأن إيران مستعدة للرد وستقوّي علاقاتها مع حلفائها لممارسة المزيد من الضغط على المصالح الإسرائيلية، لذلك يرى سليمان أن هذه الزيارة مهمة للغاية وتأتي في وقت حساس وانتقالي، على الرغم من أن إيران تتبنى دائما خطاب دعم القضية الفلسطينية.

إلا أنها على الأرض لم تقدم الدعم المطلوب أو ما يوازي خطابها العاطفي تجاه القضية. بل على العكس عملت على تدمير الاستقرار في العديد من دول المنطقة وبناء الميليشيات على أسس طائفية في كثير من العواصم العربية، طبقا لسليمان.

لذلك، فإن الخطاب الإيراني تجاه القضية الفلسطينية، كما يعتقد سليمان، يقوم على أسس عاطفية، في محاولة لحشد التعاطف العربي مع إيران، ويكون بوابة للحركات الطائفية وتغلغل في المجتمع والشعوب بالمنطقة.

لكن حتى “فيلق القدس” الذي يحمل اسم العاصمة الفلسطينية القدس، لم يقدم أي دعما للقضية بقدر ما قام به من هدم وتدمير لاستقرار ومستقبل الدول بالمنطقة. والسيطرة على موارده. وبذلك تأتي هذه الخطوة لتوظيف “حركات المقاومة من “الجهاد وحماس” لتحقيق المطالب الإيرانية ومحاولة ردع أو تهديد الجانب الإسرائيلي والمصالح الغربية.

أهداف إيران من الزيارات

هذه الزيارات التي تتزامن مع التحولات الإيرانية الأخيرة بالمنطقة، تثبت أن هناك أهدافا تختلف عما يتم الترويج له والإعلان عنه في خطاب المسؤولين الإيرانيين ووسائل إعلامها.

الباحث بالشأن الإيراني، يقول إن لإيران بالتأكيد العديد من الأهداف الجديدة في المنطقة. في السابق حاولت إيران أن توحي أنها مستعدة لفتح صفحة جديدة وتهدئة الأجواء مع دول الجوار، لكن الخطاب كان يتسم بالمراوغة وعدم الجدية، أمّا هذه المرة فالأمر مختلف قليلا. فربما تلاقت بعض الأهداف الإقليمية للدول المختلفة. حيث تريد السعودية تهدئة الأجواء ووقف الممارسات الإيرانية من داخل اليمن في مقابل اقتناع إيران أنه من مصلحتها تحييد الجبهة الخارجية وتحديدا السعودية، لتكريس نفسها لمواجهة الولايات المتحدة وإخراجها من أهم أدوات الضغط التي تفرضها واشنطن عليها وهي الورقة الخليجية وضغط دول الخليج.

إيران تحاول ربط علاقات قوية مع الفصائل الفلسطينية- إنترنت”

كما منحتها مساحة وحرية  كبيرة في التفاوض مع واشنطن. ثم أبرمت اتفاقية مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” كبيان حسن نية بالتعاون مع الوكالة، وإن كان بشكل غير كامل، لكنها في النهاية تحاول أن تخفف من حجم الضغوط عليها لكي تستطيع مواجهة الجانب الإسرائيلي، وفق ما يراه سليمان.

لذلك، المنطقة أمام مرحلة جديدة. ولكن يبقى أن تكون هناك رؤية جادة وحقيقية من الجانب الإيراني، لتلتزم بهذه الاتفاقات، والامتناع عن استخدام ميليشياتها لتحقيق الأهداف وتصدع استقرار الدول، والتخلي ولو بشكل تكتيكي عن موضوع تصدير الثورة ومفردات الأدبيات المتعلقة بالثورة الإيرانية والأفكار الأيديولوجية التي تحكم النظام الإيراني، حسبما يوضحه سليمان.

أما الأهداف الخاصة لزيارات الفصائل الفلسطينية لطهران فهي لإحكام سيطرة الأخيرة وتأكيد عمق العلاقات مع هذه الفصائل، نظرا لأن النظام الإيراني يدرك جيدا إقدامها على مواجهات أكثر ضراوة مع الجانب الإسرائيلي، و تستغل في تحركاتها هذه حالة التصعيد في الضفة الغربية والاغتيالات الأخيرة للرموز وقادة “الجهاد الإسلامي” من قبل تل أبيب، بالإضافة إلى تصعيد “حماس” في قطاع غزة .

ذلك لأجل تحضير الجبهتين لمواجهات إسرائيل وليس لجهة مصلحة الفلسطينيين وإنما لتعزيز قدرتها على الضغط على إسرائيل، سواء من خلال الردع أو القدرة على تعزيز فرص رد الفعل والانتقام من الأخيرة في حال إقدامها على تنفيذ أي عمليات، سواء استهدفت مراكز الطاقة والمنشآت النووية أو لاستهداف اغتيالات لقيادات إيرانية أو في مواجهات بالداخل السوري، أو حتى المياه الدولية وبالتالي طهران تعزز فرصها وقدرتها وأدواتها في المواجهة مع إسرائيل وهذا ما يدلل تقاربها مع واشنطن مؤخرا، نظرا لأن الضغط على إسرائيل يُسمع في واشنطن، وهو بهدف تخفف الحمولات عليها، على حد قول سليمان.

هذا وتقيم طهران علاقات مع عدد من الفصائل الفلسطينية من بينها حركتي “حماس والجهاد” وقامت بدعمها وتسليحهما في مواجهة القوات الإسرائيلية.

لا تهدئة بين إسرائيل والفصائل؟

هذه الزيارات من قبل الفصائل الفلسطينية تأتي بعد المواجهات العنيفة الأخيرة التي دارت بين “الجهاد الإسلامي” وإسرائيل.

المواجهات تمثّلت بضربات جوية إسرائيلية على قطاع غزة وأسفرت عن سلسلة اغتيالات طالت عدة قيادات عسكرية في “سرايا القدس” الذراع العسكري لـ”الجهاد الإسلامي”، فضلا عن استهداف مراكز حيوية مثل تخزين وتصنيع الصواريخ في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية.

في تقدير سليمان، من غير المحتمل أن تكون هناك هدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، لأن ذلك قد لا يكون في مصلحة إيران في الوقت الحالي. بل على العكس ربما تكون هناك حالة صدام مرتقبة. ومن شأن إيران تعزيز تقاربها مع هذه الفصائل بعيدا عن اضطراباتها. الأدوار التي تلعبها القاهرة عادة في التهدئة مع تل أبيب والفصائل الفلسطينية والعلاقات الجيدة مع الأخيرة، إيران تريد تصديرها من جديد للتأثير والضغط على هذه الحركات وإعادة الثقة والتنسيق معها وذلك بغية تحقيق أهدافها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وسط التغيرات الإقليمية.

ما يؤكد هذه الفرضية هو تصريحات إسماعيل هنية بأن “الاتفاق السعودي الإيراني يصب في مصلحة المنطقة وأنه من أهم الإنجازات خلال الفترة الأخيرة”.

لذلك يأتي ذلك في سياق الخط الإيراني وتأكيد إسماعيل هنية و”حماس والجهاد الإسلامي” على اهتمامهما وتقديرهما للعلاقة مع طهران، كل هذا يدل على أن ثمة حالة من الترابط بينهما. كما أن الجانب الإيراني يريد استخدام مفردات المقاومة وخطاب الثورة والعداء لإسرائيل لدعم هذه العناصر وكسب رهاناتهم وثقتهم في توظيفهم في مواجهة إسرائيل في حال حدوث أي تغييرات جديدة بالمنطقة.

رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية والأمين العام لـ”حركة الجهاد الإسلامي” زياد نخالة في بيروت- “أرشيفية”

لا شك أن ثمة دلالات عديدة تفسّر هذا الاستدعاء الإيراني لقادة حركتي “حماس والجهاد”. السيناريوهات مفتوحة أمام جميع التوقعات، ويبقى كل هذا حبيس الأفنية الخلفية والأروقة السياسية الموصدة، لكن الأيام المقبلة كافية لتكشف الأهداف والاتفاقيات التي يطمح إليها كل طرف في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات