شهد اقتصاد سوريا انهيارًا حادًا بعد ما يقرب من عقد ونصف من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية والفساد المستشري، ما يضع الإدارة الجديدة في سوريا وبخاصة المجموعة الاقتصادية بالحكومة أمام مهمة صعبة، ليبرز السؤال ما هو مستقبل الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة وبعد تشكيل المجموعة الاقتصادية الجديدة؟.
ورغم أن الطريق يبدو طويلًا وشاقًّا، إلا أن فرصة بناء اقتصاد جديد ما زالت قائمة، بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة والتي تفاقمت بفعل الحرب والعقوبات الدولية، إذا ما تضافرت الجهود المحلية والدولية لتحقيق ذلك.
خطوات جديدة
الصراع الذي شهدته البلاد لسنوات طويلة والعقوبات الدولية، أثّر على مختلف القطاعات الاقتصادية وتركها في حالة شلل شبه كامل، يجعل من الصعب حدوث أي انعكاسات إيجابية فورية على الاقتصاد.
وبدأ وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، أولى خطواته لإعادة بناء الاقتصاد، بتشكيل عدد من الخبراء والاقتصاديين كمستشارين تنفيذيين في الوزارة، بهدف تعزيز العمل الرقابي وتحسين الأداء في الأسواق المحلية.

شملت التعيينات كلّا من الدكتورة رشا سيروب لشؤون السياسات وضبط الأداء، وهي حاصلة على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة دمشق، ولديها العديد من الأبحاث والدراسات الاقتصادية، وتعمل أستاذة في جامعة دمشق، وشغلت عضوية مجلس إدارة “جمعية العلوم الاقتصادية السورية” بين عامي 2011 و2015.
وأيضًا الدكتور كرم شعار، لشؤون التحول الرقمي والتكنولوجيا، وهو حاصل على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة “فيكتوريا ويلينغتون” في نيوزيلندا، وهو المستشار الاقتصادي الرئيسي في مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، وعمل باحثًا غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2020 و2023، وله العديد من الأبحاث والدراسات والتقارير الاقتصادية.
مستشارين جُدد
كما تم تعيين دكتور علاء جبل، كمختص لشؤون التدريب والتأهيل، وهو حاصل على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة “لينينغراد” في روسيا، وهو عضو هيئة تدريسية في جامعة حلب، شغل منصب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حلب بين عامي 2009 و2013، وله أبحاث وكتب اقتصادية.
هذا بالإضافة إلى دكتور رازي محي الدين، كمختص لشؤون التخطيط والمتابعة، وهو حاصل على دكتوراة في الاستثمار والتمويل في الاقتصاد، ويعمل أستاذًا في “الجامعة العربية الدولية”، ويشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة “روابط” لحلول الأعمال، وله عدة أبحاث ودراسات اقتصادية.
والخبير جورج خزام، كمستشار لشؤون السيولة والنقد، وهو حاصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة حلب، له العديد من الأبحاث والمقالات الاقتصادية.
والاقتصادي، مناف قومان، أيضًا عُين مستشارًا لشؤون البنية التحتية وإعادة بناء المؤسسات، وهو حاصل على ماجستير في البورصة والأسواق المالية في جامعة مرمرة بـ اسطنبول، ويشغل صفة باحث مساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، وله عدة مؤلفات ومنشورات.
وعيّن وزير الاقتصاد والصناعة، مؤخرًا، الدكتور مازن ديروان، بصفة مستشار أول لوزير الاقتصاد والصناعة لشؤون التجارة الخارجية، وهو حاصل على دكتوراة في إدارة الأعمال عام 2011 من “الجامعة الأوروبية” في سويسرا، وعضو مجلس إدارة الشركة التقنية للصناعات الغذائية “أمانة فوودز” المصنعة لعدد من المنتجات مثل “مرتديلا هنا”، كما أسس عدة شركات ومصانع في الولايات المتحدة وأوروبا و الشرق الأوسط.
إعادة هيكلة
وأعلنت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية الهيكلية الإدارية للوزارة بعد دمجها من ثلاث وزارات، هي الصناعة، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والاقتصاد والتجارة الخارجية.
وأوضحت في قرارها، في 22 من نيسان/ أبريل الجاري، أنها شكلت ثلاث إدارات عامة تتبع للوزارة تقوم بمحل الوزارات السابقة، متمثلة بالإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وأخرى للاقتصاد، وثالثة للصناعة.

وتتمتع الإدارات الثلاث بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي والإداري، ويرأس كل إدارة نائبًا مختصًا عن الوزير، وتتولى كل منها مهام الوزارة المنبثقة عنها، وتحل مكان الوزارات المدمجة، وفق القرار.
للخروج من المشهد المعقد الذي يمر به الاقتصاد السوري، قدم مستشاري وزير الاقتصاد رؤيتهم لإعادة إحياء الاقتصاد من جديد، واستعرض كل منهم أدواته التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات القائمة.
رؤى وأدوات مختلفة في مواجهة التحديات
بدوره أوضح الصناعي ورجل الأعمال، مازن ديروان، الذي عُيّن كمستشار أول لشؤون التجارة الخارجية، أنه حسب توجيهات وزير الاقتصاد، فإن لدى المستشارين صلاحيات تنفيذية وليس استشارية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة وكل حسب اختصاصه، وفق منشور على صفحته الشخصية في “فيسبوك“.
عمل الجميع سيكون بناء على استراتيجية اقتصادية جديدة مبنية على اعتماد مبادئ اقتصاد السوق الحر التنافسي والذي قد يكون معاكس تمامًا لمبادئ الاقتصاد الفوضوي المبني على الاحتكارات والمحاباة والتضييق والفكر الاقتصادي المتخلف الذي كان سائداً قبل التحرير والذي أدى إلى غلاء البضائع ونقصها الكبير في الأسواق وإفلاس كامل لخزينة الدولة وبطالة عالية وفقر مدقع في بلد لم يعرف هذا المستوى من الفقر في تاريخه الطويل.
الصناعي ورجل الأعمال، مازن ديروان
بيّن أن التجارة الخارجية، وهو الملف الذي كُلّف به، لن تزدهر إلا في بيئة عمل سلسة خالية من القيود البيروقراطية، مشيراً إلى أنه سيبذل قصارى جهده على تذليل جميع العقبات البيروقراطية والمالية في وجه التجارة الخارجية، مثل السماح باستيراد وتصدير جميع البضائع بيسر وسلاسة، وإجراء اتفاقيات مع الدول الراغبة في التبادل التجاري مع سوريا للاعتراف المتبادل بالوثائق لتجنب ازدواجية الإجراءات الجمركية ولتسريع عمليات دخول وخروج البضائع.
هذا بالإضافة إلى المطالبة بوضع مؤشرات رئيسية لأداء القائمين على إجراءات تحميل وتفريغ السفن وتخليص البضائع في المنافذ الجمركية لكي تتم هذه الإجراءات بأعلى سرعة ممكنة.
تفكيك الاحتكارات وإلغاء الرسوم الجمركية
كما أكد ديروان، أنه سيطالب بتفكيك جميع أنواع الاحتكارات تحت أي مبرر مثل احتكارات النقل التي قد توجد في بعض المنافذ الحدودية لكي يستطيع المُصدّر والمستورد استخدام خدمات النقل التي يراها هو مناسبة، لافتاً إلى أنه سيجري اجتماعات مع غرف التجارة والصناعة لسماع ما يعترض التجار والصناعيين من عقبات تؤثر سلباً على أدائهم لأعمالهم، وتذليلها بالسرعة الكلية طالما هي لا تتعارض مع سياسة السوق الحر التنافسي.
ولفت إلى أنه سيطالب بإلغاء جميع الرسوم الجمركية على المواد الأولية وشبه الأولية والنصف مصنعة مما سيؤدي إلى تخفيض تكاليف الإنتاج الوطني لحدوده الدنيا وبالتالي رفع تنافسيته في الأسواق المحلية والعالمية لأقصى الحدود، منوهاً بأن هكذا سياسة ستجذب الكثير من الصناعيين في الدول الأخرى.

وقال ديروان إن التّجار والصناعيين المجتهدين ستكون بيئة الأعمال السورية الجديدة جنتهم، أما من يريدون العمل بالطرق القديمة المبنية على الحمائية السلبية والرسوم الجمركية الكبيرة على المستوردات التي ظلمت المستهلكين لعقود طويلة وأدت لأرباح كبيرة غير مبنية على التنافسية الحقيقية، فإن الإجراءات الجديدة ستكون جحيمهم، حسب وصفه.
وعبّر ديروان في ختام منشوره عن ثقته بقدرات الصناعيين والتجار والمزارعين السوريين على التكيّف السريع ورفع مستوى أدائهم لينافسوا شركات العالم، مؤكدًا أن سوريا الحرة ستصبح مضرب مثل بالحرية الاقتصادية التي ستؤدي حتماً لتوافد المستثمرين من كل حدب وصوب مما سيؤدي لزيادة الدخول والقضاء التام على البطالة في أقصر مدة ممكنة.
وقد بلغت خسائر الاقتصاد السوري أرقامًا صادمة؛ حيث قُدّرت خسائر قطاع النفط والغاز وحده بنحو 115 مليار دولار، بينما تكبد القطاع الزراعي خسائر بقيمة 16 مليار دولار، والصناعة 25 مليار دولار. أما قطاع السياحة، الذي كان يدرّ 8.5 مليار دولار سنويًا قبل الحرب، فقد تلاشى تقريبًا.
فرصة تاريخية
بدوره، قدم الدكتور رازي محي الدين، المعين عن شؤون التخطيط والمتابعة، عبر صفحته في “فيسبوك”، رؤيته لهذا المنصب، قائلًا إن سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء اقتصاد تنافسي متطور، وتحقيق نهضة صناعية وتجارية.
وأوضح أن مهمته ترتكز على التخطيط العلمي السليم، والمتابعة الدقيقة والفعالة، ومتابعة التحول الرقمي والإداري، ودعم القطاع الخاص، واستثمار الكفاءات الوطنية.
بينما تطلع الباحث مناف قومان، للعمل مع الوزير، ومع كل من يؤمن بإصرار أن بناء سوريا القادمة هو مسؤولية مشتركة، قائلًا: “لنصنع معًا نهضة اقتصادية، نموذجًا نفتخر فيه، لتعود سوريا قوية، مزدهرة، عزيزة بأيدي أبنائها”.
ومن جهته شرح الخبير الاقتصادي جورج خزام، المسؤول عن شؤون السيولة والنقد، رؤيته، عن كيفية تأمين الأموال لإقراضها للصناعيين من أجل زيادة الإنتاج وتشغيل العاطلين عن العمل لتحسين الاقتصاد.
وأضاف خزام في منشور كتبه على صفحته الشخصية في “فيسبوك”، أنه لتحقيق الرؤية السابقة، فإنه يجب على كل مستورد للسلع الكمالية مثل السيارات إيداع رصيد بالدولار بالمصرف المركزي لمدة 4 شهور يساوي قيمة فاتورة المستوردات، كما يجب على كل مستورد للسلع النصف كمالية والبضائع التي لها بديل منتج وطني، إيداع رصيد بالدولار بالمصرف المركزي لمدة شهرين يساوي نصف قيمة فاتورة المستوردات.
نهضة صناعية
اقترح خزام تأسيس صندوق مستقل لهذه الإيداعات بالدولار مخصص فقط لتقديم القروض بالدولار للتوسع الصناعي حصراً وذلك بفائدة شهرية 1 بالمئة من أجل تغطية المصاريف والتوسع بالإقراض للمزيد من الصناعيين.
ورأى أن النتيجة التي سيحصل عليها من تنفيذ كل ما سبق، هو ارتفاع أسعار البضائع الكمالية والنصف كمالية ومعه تراجع الطلب عليها وتخفيض الطلب على الدولار لشراء بضائع ليست وسائل إنتاجية ولا تخلق سلسلة من الدخل، بالإضافة إلى زيادة الطلب على المنتج الوطني بسبب ارتفاع تكلفة المستوردات البديلة ومعه زيادة الإنتاج وتشغيل العاطلين عن العمل.

ورأى أخيراً أن ذلك سوف يؤدي إلى تأسيس المزيد من المصانع والورشات لدعم الاقتصاد، مشيراً إلى أنها الطريقة الوحيدة للبدء بالتمويل الذاتي للنهضة الصناعية.
لا شك أن الحكومة السورية الجديدة ومجموعتها الاقتصادية أمام اختبار صعب، خاصة وأنها مطالبة بمعالجة ملفات اقتصادية معقدة، في ظل إرث ثقيل من الدمار والأزمات، وبينما تبدو التحديات هائلة، فإن نجاحها يعتمد على قدرتها على تحقيق الاستقرار، وإطلاق إصلاحات حقيقية، وبناء شراكات اقتصادية تفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية والداخلية.
- مع دخول الصيف.. أزمة الكهرباء تفاقم الأوضاع في الحسكة ومطالب بالرقابة على “المولدات”
- تسلا في دمشق: هل تعود الحياة الفارهة للسوريين بعد رفع العقوبات؟
- “سوريا لا تقبل وصاية”.. الشيباني يطلق رسائل خلال القمة العربية ببغداد
- القمة العربية تقف مع سوريا.. تفاصيل
- وزارة الداخلية تكشف عن خطة أمنية لإدارة سوريا.. تفاصيل
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
الأكثر قراءة

هل تكون العملة الجديدة حلا سحريًا لاستعادة الثقة في الليرة السورية؟.. خبير يوضح

هل تستطيع سوريا النجاة من نيران الطائفية؟

نتائج زيارة الوزير الشيباني إلى نيويورك: بين الخلط والفشل!

محمد رمضان يتجاهل محاكمته بتُهمة إهانة العَلم المصري بأسلوب استفزازي!

ماهر مروان: سيرة مشبوهة وقرابة نافذة بالشرع.. ما أهليّته لقيادة دمشق؟

لا قرار رسمي.. نقل مراكز الامتحانات يثير مخاوف طلبة الحسكة
المزيد من مقالات حول اقتصاد

مع دخول الصيف.. أزمة الكهرباء تفاقم الأوضاع في الحسكة ومطالب بالرقابة على “المولدات”

الوجود الأميركي في سوريا: فصل اقتصادي جديد؟

عملة سورية جديدة تطبع في النمسا: ما الفئات والرموز؟

من الرياض إلى أبوظبي.. حصيلة مكاسب “ترامب” الاقتصادية خلال جولته الخليجية

الليرة من الانهيار إلى الانتعاش.. هل تعاد الثقة في العملة السورية بعد قرار واشنطن؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

الحسكة: سوق عمل هشّ وفرص غائبة
