منذ فجر اليوم الأربعاء، شهدت العلاقات المتوترة أصلاً بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان تصعيدًا خطيرًا ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها، فبعد أسبوعين من التوتر المتصاعد على خلفية هجوم دامٍ استهدف سياحًا في كشمير التي تسيطر عليها الهند، تبادل البلدان القصف عبر الحدود، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وأثار قلقًا دوليًا واسعًا دفع قوى عالمية للتحرك سعيًا لخفض التصعيد.

شرارة الفجر: ضربات هندية ورد باكستاني وحصيلة دامية

جاء التصعيد الحالي فجر اليوم، كرد فعل مباشر من الهند على هجوم مسلح وقع في 22 أبريل الماضي في منطقة باهالغام السياحية في كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح الهندوس، وألقت نيودلهي باللوم في هذا الهجوم على جماعات متشددة مدعومة من باكستان، وهو ما نفته إسلام آباد بشدة.

وردًا على هذا الهجوم، أطلقت الهند ما أسمتها “عملية سيندور”، وشنت فجر الأربعاء ضربات على عدة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، وزعمت تدمير 9 “معسكرات إرهابية” كانت تستخدم للتخطيط وتنفيذ هجمات عبر الحدود.

قوات الأمن الهندية تقوم بدورية على طريق في بامبور، على مشارف سريناغار، 7 مايو 2025 – (EPA)

لم تتأخر باكستان في الرد، حيث وصفت الضربات الهندية بأنها “عمل حرب” وتعهدت بالرد “بقوة كبيرة”، وأعلن الجيش الباكستاني إسقاط 5 طائرات هندية في المجال الجوي الباكستاني، من بينها 3 طائرات رافال حديثة، بالإضافة إلى طائرتين أخريين، كما اتهمت إسلام آباد، جارتها الهند بإلحاق أضرار بسد “نيلوم جيلوم للطاقة الكهرومائية” في كشمير التي تسيطر عليها باكستان.

وأسفر القصف المتبادل عن خسائر بشرية كبيرة في كلا البلدين، فقد أعلنت باكستان عن ارتفاع عدد قتلى القصف الصاروخي الهندي إلى 26 شخصًا، بينما أعلن الجيش الهندي عن مقتل 12 مدنيًا في القصف الباكستاني. وتبادل الطرفان الاتهامات باستهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية.

تحركات دولية لتهدئة الأوضاع

أثارت هذه التطورات قلقًا دوليًا واسعًا، حيث سارعت العديد من الدول والمنظمات إلى الدعوة لخفض التصعيد وتجنب المزيد من العنف، فقد أبدت بريطانيا استعدادها للتدخل “لخفض التصعيد” بين البلدين، بينما أعربت روسيا عن قلقها البالغ ودعت إلى ضبط النفس.

كما علق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الوضع، معربًا عن أمله في توقف القتال “سريعًا جدًا”، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن “العالم لا يمكنه تحمل مواجهة عسكرية” بين الهند وباكستان، داعيًا إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

الهند وباكستان.. صراع تاريخي معقد

تعود جذور الصراع الدامي الحالي إلى التقسيم المؤلم للهند البريطانية عام 1947، والذي أدى إلى ولادة دولتين مستقلتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة.

شاب عملية التقسيم، عنف طائفي واسع النطاق ونزوح جماعي، تاركًا ندوبًا عميقة في الذاكرة الجماعية للبلدين، وقد جاء التقسيم استجابة لرغبة المسلمين في إقامة وطن خاص بهم خوفًا من التهميش في الهند ذات الأغلبية الهندوسية.

وأدى هذا النزاع إلى حروب في أعوام 1947، 1948، 1965، 1971، وحرب كارجيل عام 1999، بالإضافة إلى العديد من المناوشات والاشتباكات الحدودية بين الهند وباكستان.

ومنذ سنوات عديدة، تطالب باكستان باستمرار، بإجراء استفتاء في كشمير لتقرير مصير المنطقة وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وهو ما ترفضه الهند التي تسيطر على نحو ثلثي الإقليم المتنازع عليه.

قضايا عالقة وتصعيدات متكررة.. وإلغاء الاتفاقيات ينذر بما هو أخطر!

إلى جانب قضية كشمير، تساهم قضايا أخرى في تعقيد العلاقات الثنائية، بما في ذلك اتهامات الهند لباكستان بدعم وتمويل جماعات متشددة تنفذ هجمات إرهابية داخل الأراضي الهندية، خاصة في كشمير، وهو ما تنفيه باكستان، كما يزيد امتلاك البلدين للأسلحة النووية من خطورة أي صراع بينهما ويجعل المجتمع الدولي قلقًا بشأن الاستقرار الإقليمي.

وتواجه الدولتان أيضًا خلافات حول تقاسم مياه الأنهار التي تنبع من الهند وتتدفق إلى باكستان، على الرغم من وجود معاهدة “مياه السند”، كما أن التبادل التجاري والثقافي بين البلدين محدود للغاية بسبب التوترات السياسية، وهناك أقليات كبيرة في كلا البلدين قد تعرضت في بعض الأحيان للعنف والتمييز، مما يزيد من التوتر.

خريطة تبين مواقع قصف الهند على باكستان – (BBC)

يضاف إلى هذا التاريخ المضطرب، قرار الهند الأخير والحديث بعد التصعيد الجاري، بتعليق مشاركتها في معاهدة مياه الأنهار مع باكستان، إذ تعد هذه المعاهدة، التي تم توقيعها عام 1960، حيوية لباكستان التي تعتمد بشكل كبير على الأنهار المتدفقة من الهند في الري وتوليد الطاقة الكهرومائية.

ويعتبر تعليق هذه المعاهدة، خطوة تصعيدية أخرى تزيد من الضغوط على باكستان ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة، كما قامت الدولتان بإغلاق بعض المعابر الحدودية ومجالهما الجوي أمام طائرات الأخرى، في إشارة إلى حالة التأهب القصوى.

الهند وباكستان.. قلق متزايد من نشوب حرب شاملة

بالنظر إلى هذا التصعيد الخطير، لا يمكن استبعاد احتمال نشوب حرب شاملة بين الهند وباكستان بشكل كامل، فالضربات المتبادلة تمثل تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء، وقد يؤدي منطق التصعيد المتبادل، بالإضافة إلى الخطاب الحاد من قادة ومسؤولين في كلا البلدين والتغطية الإعلامية المشحونة، إلى سوء تقدير وسوء فهم كارثيين.

وتشير تقارير وتحليلات إخبارية دولية، إلى أن الوضع الحالي هو الأخطر منذ سنوات، ويرى خبراء متخصصون في شؤون جنوب آسيا، أن احتمالية نشوب صراع أوسع قد ازدادت بشكل كبير، وتعكس الدعوات الدولية المتزايدة للقلق وضبط النفس، قلقًا حقيقيًا من هذا الاحتمال.

ومع ذلك، هناك عوامل قد تحول دون نشوب حرب شاملة، حيث يمثل امتلاك كل من الهند وباكستان أسلحة نووية رادعًا قويًا لكلا الطرفين للانخراط في صراع واسع النطاق خوفًا من التدمير المتبادل، وكذلك من المرجح، أن تمارس القوى الكبرى ضغوطًا دبلوماسية مكثفة على كلا البلدين لتجنب الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة بالنظر إلى التكلفة الاقتصادية والبشرية المدمرة التي ستترتب على أي صراع شامل.

وعلى مر السنين، كانت هناك محاولات متقطعة لتحسين العلاقات بين البلدين من خلال الحوار والمفاوضات والتبادلات الثقافية والرياضية، ولكن غالبًا ما تعثرت هذه الجهود بسبب الأحداث الأمنية أو التطورات السياسية.

حافة الهاوية وتحديات جمة

عمليًا، فإن التطورات الأخيرة تمثل تصعيدًا خطيرًا ينذر بتدهور العلاقات بين الهند وباكستان إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، ففي ظل تاريخهما المعقد من الصراعات والشكوك المتبادلة، وإجراءات التصعيد المتسارعة، يقف البلدان على حافة الهاوية، مع تزايد المخاوف من الانزلاق نحو صراع شامل.

في النهاية، يبقى الأمل معلّقًا على جهود الوساطة الدولية وعقلانية القيادات في كلا البلدين؛ لتجنب كارثة إقليمية ستكون لها تداعيات وخيمة على المنطقة والعالم أجمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة