شكلت تصريحات وزير التربية السوري، دارم الطباع، بخصوص احتمالية تدريس اللغة الكردية في المناهج التعليمية السورية، الأسبوع الفائت، جدلاً واسعاً، بعدما تم تداولها، بصورة لافتة، بين المنصات الإعلامية وكذا مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أثارت ردود فعل متفاوتة ونقاشات محمومة.

في البداية، قال الطباع في مقابلة مع محطة إذاعية محلية “المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تشهد مأساة تعليمية. فُرض على سكان المنطقة الشمالية الشرقية مناهج غير وطنية وباللغة الكردية فقط، وقد حذرنا المجتمع الدولي من عدم وجود مناهج غير وطنية في العالم كله، وهذا بالطبع مخالف للقوانين والمعايير الدولية”.

وأضاف: “اللغة لغة تواصل وليست قومية، وحتى المدارس الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية مغلقة، وجميع طلابها يخضعون لامتحانات في مدارسنا الحكومية، ما يعني أن العملية سياسية، وليست لها علاقة بالتربية وناشدنا بضرورة ابتعادهم عن الصراع السياسي”.

تصريحات رنانة!

وفي ما يتصل بإمكانية التدريس باللغة الكردية قال الطباع: “لقد تحدثت عنها سابقاً في مجلس الشعب السوري، ولا مانع لدينا من تدريس اللغة الكردية كما هو الحال مع اللغات المحلية الأخرى كالأرمينية والسريانية والآشورية، والتي تدرس لمدة ساعتين في الأسبوع كإثراء وليس كمنهج وذلك في مناطق الكرد شمال شرقي سوريا وفي حال تم تقديم الطلب من قبلهم”.

واقع الحال، أن تدريس المناهج التربوية في سوريا، يتم بواسطة اللغة العربية، باعتبار أنها اللغة الرسمية في الدولة، بالإضافة إلى تدريس لغة أجنبية اختيارية، إما الإنجليزية أو الفرنسية. وبينما كانت اللغات المحلية، مثل الأرمنية والسريانية والآشورية، تدرس ضمن مدارس خاصة، إلا أن تدريس اللغة الكردية لم يتم إطلاقاً، وقد مُنعت من التدريس منذ استلام حزب البعث دفة الحكم.

وإلى ذلك، تُثمّن معلمة في المدارس الحكومية السورية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، لـ “الحل نت”، تدريس لغة كل القوميات في المدارس بسوريا، بينما تصفه بأنه “أمر مهم وإيجابي”، خاصة “بالنسبة للأكراد الذين عاشوا لفترة طويلة من تحت وطأة التهميش ومحاولات إهدار وتصفية هويتهم وتراثهم الاجتماعي والثقافي”.

وتشير المعلمة (فضلت عدم ذكر اسمها)، إلى أن وزارة التربية السورية إذا فتحت الباب أمام التدريس بكافة اللغات المحلية في سوريا، فإن ذلك سوف يجعل من عملية التعليم أمرا ممكنا في المدن الكردية، حيث يتعين على الحكومة السورية أن تتبنى اللغة الكردية وتعترف بها ضمن مدارسها الرسمية.

تشكك المعلمة في المدارس التابعة لحكومة دمشق في تصريحات وزير التربية، فتقول: “دمشق منذ بداية الأزمة السورية تحاول شد الأكراد إلى جانبها بعدة إجراءات وقرارات خُلّبية، وهذا النظام لا يمكن الوثوق به بهكذا تصريحات رنانة فقط، لو أن نيته جادة ويريد دفع المكونات السورية باتجاه سوريا متعددة تضم كل الأطياف والقوميات، فسيقوم بذلك من تلقاء نفسه ولا ينتظر تقديم طلب من الأكراد”.

وعليه، فإن مثل هذه التصريحات تثير استغراب أبناء المكون القومي الكردي؛ إذ إن حكومة دمشق التي كان تحظر على الطلاب الكرد التحدث فيما بينهم في المدرسة بلغتهم الأم، لا يمكن أن تسمح اليوم بتدريس اللغة الكردية، ضمن الحصص المدرسية، بهذه المرونة، وبالتالي، يضحى من الرائج انتشارها، بينما ما تزال اللغة تحاوطها محاذير وتضغط عليها الخطوط الحمراء وتطوقها العقلية الأمنية الشمولية التي تتعقب ظهورها علانية في المؤسسات الإعلامية والتعليمية والتربوية.

ما علاقة روسيا؟

بينما يعتقد الكاتب الكردي السوري، داريوس درويش، أن حكومة دمشق غير جادة في الطرح الذي تقدمه بخصوص انفتاحها على تدريس اللغة الكردية، إنما هي تناور تكتيكيا بغية تحقيق أهداف سياسية براغماتية، من بينها “إجهاض المباحثات الروسية مع مجلس سوريا الديمقراطية”؛ حيث أنها تعمد إلى تقديم “تنازل” بسيط جداً لدرجة أنه لا يشكل ثمة فارق بالنسبة للكرد، إضافة إلى أن تصريحات الوزير السوري لا تعكس وجود نية حقيقية لتحقيق هذا التنازل البسيط بالأساس، بحسب تعبير درويش.

هذا وتتزامن هذه التصريحات مع المباحثات التي جرت بين مجلس سوريا الديمقراطية وروسيا في موسكو، بحسب درويش، والذي يصف في حديثه لـ “الحل نت”، تصريحات الوزير السوري بأنها “مجرد كلام لا نتائج تترتب عليه”، ويردف: “تضع التصريحات المسؤولية على عاتق الكرد لعدم إدراج اللغة الكردية في المنهاج الرسمي. ومن ثم، فإن ما يقدمه النظام هو في الحقيقة ورقة يريد التفاوض عليها، ولكنها ورقة عديمة القيمة والفائدة تماماً، ما يعكس عدم قبول النظام للمفاوضات”.

ويختتم: “تصريحات وزير التربية السوري ليست ضحكاً على اللحى، ولكنها إشارة إلى عدم اهتمام النظام بالمفاوضات بين روسيا ومجلس سوريا الديمقراطية. بطبيعة الحال؛ لا يستطيع النظام رفض الوساطة الروسية، بشكل صريح، أو إطلاق تصريحات ضدها كما يفعل مع الدول الغربية، لذا، فإن أفضل حل أمامه لإظهار عدم اهتمامه هو إتباع هذه الطريقة، وهي عدم تقديم أي تنازل جدي على الإطلاق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.