سوق العمل في سوريا: هل مازالت هنالك فرص لخريجي الجامعات؟

سوق العمل في سوريا: هل مازالت هنالك فرص لخريجي الجامعات؟

بات سوق العمل في سوريا مغلقا بشكل شبه كامل، خاصة بالنسبة لأصحاب الشهادات الجامعية، بعد سنوات طويلة من الحرب والأزمة الاقتصادية.
وفي بلد توقفت فيه معظم المشاريع والاستثمارات، ويعاني سكانه الأمرين لتأمين أساسيات الحياة، يصطدم حديثو التخرج بواقع صعب، لا يفرد مكانا لشهاداتهم وتحصيلهم العلمي. مما يضطرهم للبحث عن بديل، حتى لو كان خارج اختصاصهم. إذ بات العمل في دمشق، وغيرها من المحافظات،  حكرا على من يمتلكون العلاقات مع أصحاب النفوذ. في وقت صارت فيه الوظائف الحكومة، على قلة مرتباتها، شبه مستحيلة.

لا فرصة في سوق العمل في سوريا إلا لأصحاب الواسطة

الشاب (س.ر)، أحد خريجي كلية طب الأسنان، يعاني مثل غيره من مشاكل سوق العمل في سوريا، ويعمل حاليا سائق تكسي في دمشق. يقول لموقع “الحل نت”: “لم أوفق بإيجاد فرصة عمل ضمن تخصصي، بعد عجزي عن افتتاح عيادة أو استئجار واحدة”. منوها أن “ثمن كرسي طبيب الأسنان أصبح يساوي ثمن عيادة كاملة في فترة ما قبل الحرب”.
ويضيف: “حاولت العمل في مركز تخصصي للأسنان، ولكن الأجور والنسب التي ينالها الأطباء شحيحة. وسط استغلال يمارس على حديثي التخرج، الذين يضطرون للعمل ساعات طويلة براتب زهيد، وبغياب أي ضمان أو حقوق للعمل. مما اضطرني لترك مهنة الطب، والعمل سائقا. فالعمل الأخير يؤمن لي دخلا أعلى مما كان يمكن أن أتقاضاه في مركز طب الأسنان”.

مختتما حديثه بالقول: “بذلت مجهودا كبيرا للخروج من البلد، والتخلص من ظروف سوق العمل في سوريا، ولكنني لم أنجح. وما زالت أنتظر أية فرصة للهجرة. أشعر بالأسف للتكاليف التي دفعتها في الجامعة كي أصبح طبيب أسنان”.
من جهته لا يبدو مؤيد، خريج  كلية السياحة بدرجة تقدير، سعيدا بعمله الحالي في معمل لإنتاج البلاط. ويقول الشاب، البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما، لموقع “الحل نت” إنه “يعمل في معمل للبلاط بعد أن حاول أن يجد فرصة عمل في فندق فور سيزونس في دمشق، ليتفاجأ بحجم الواسطة والتزكية، التي يعتمدها القائمون عليه، متجاهلين الشهادات وأصحاب الخبرات”.
مضيفاً: “عند إجرائي لأي مقابلة ضمن سوق العمل في سوريا نادرا جدا ما يسألني أحد عن شهادتي، فالواسطة أضحت أكبر شهادة. فضلا عن الانتماء الطائفي والمناطقي لطالبي العمل”.
ويرى مؤيد أن “هنالك سوء إدارة بشكل عام في سوريا. ولا تتوفر آلية واضحة لتوظيف الأشخاص، كما هو رائج في بقية البلدان”.

فتيات تركن التعليم الجامعي لأجل العمل

وإضافة للشباب، الذين اضطرهم سوق العمل في سوريا لممارسة مهن مغايرة لتخصصاتهم، هنالك نسبة ملحوظة من الفتيات، اللواتي وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن أسرهن بشكل كامل، في ظل غياب المعيل.
نسرين، البالغة من العمر اثنين وعشرين عاما، واحدة من آلاف الفتيات، اللواتي اضطررن لخيارات صعبة، بسبب الظروف المعيشية المتردية. تروي لموقع “الحل نت” حالها بالقول: “بعد أن سافر أخي وأسرته إلى مصر، بقيت أنا المعيلة لأبي وأمي. رغم أن أخي يرسل لنا حوالات، لكنها لا تكفينا مع جنون الأسعار الذي تشهده دمشق. مما دفعني للانقطاع عن دراسة الحقوق والبحث عن عمل، خاصة أن صديقاتي، اللواتي تخرجن قبلي، لم يجدن عملا بشهاداتهن. لذا وفرت على نفسي مشقة البحث الطويل دون فائدة، وبدأت أعمل في مقهى. إذ لم يعد غريبا اليوم عمل الفتيات في المطاعم والمقاهي، فهذا ما هو متوفر في سوق العمل في سوريا. خاصة بعد هجرة الشباب من البلد، والحاجة لعمل النساء”.
وتضيف نسرين: “أعرف عديدا من طالبات الجامعات والمدارس اللواتي قررن العمل إلى جانب الدراسة. ومنهن من اضطررن لترك الدراسة بشكل نهائي لإعالة أسرهن”. مؤكدةً أن “وضع الفتيات مختلف عن وضع الشباب، الذين يمكنهم السفر. الفتيات إن لم يجدن عملا سيضطررن للقبول بالحل الوحيد المتبقي، وهو الزواج، لجدن من يؤمن لهن مصروفهن، وينهي مأساتهن في البحث عن مهنة. وبالطبع في هذه الحالة يمكن أن تقدم الفتاة كثيرا من  التنازلات عن أحلامها. مقابل الاستقرار المفترض”.

وضع النساء بسوق العمل في سوريا

بدورها تتحدث لونا، وهي مهندسة اتصالات، أرملة ولديها طفلان، عن أوضاع النساء المتعلمات في سوق العمل في سوريا: “أعمل في مجال التسويق الإلكتروني منذ سنة. الأمر كان صعبا للغاية في بداية الأمر. والراتب قليل، لا يكفي احتياجات أطفالي. ولقد اخترت مهنة التسويق عبر الإنترنت كي لا أتركهم وحدهم في البيت، أو اضطر لدفع مرتب لمربية. أمضي وقتي محاولة بيع منزلي، ما قد يؤمن لي مبلغاً يؤهلني للسفر مع أولادي إلى بلد يحفظ لهم مستقبلهم. ويقدّر أصحاب الشهادات”.
وترى لونا أن مشكلة الفتيات الأساسية بسوق العمل في سوريا هي أن “الأعمال الحكومية باتت حكرا على الموالين للنظام. وأصحاب الواسطة والمتنفذين. أما وظائف القطاع الخاص فمحدودة، وتتطلب مؤهلات كبيرة، مثل اللغة الإنجليزية، والإلمام الواسع بجهاز الحاسوب، وهو أمر تفتقده معظم الفتيات”.
مختتمة حديثها بالقول: “لا شك أن الحرب السورية غيرت كثيرا من عادات وطباع معظم الشباب والشابات. ولكي تتمكن الفتاة اليوم من الحياة في دمشق بكرامة عليها أن تشق طريقها بنفسها. وتتحدى كل أفكار مجتمعها وتقاليده الرجعية. ضمن ظروف باتت تجبر النساء والفتيات على أعمال لم يخترنها بأنفسهن. لكنها أفضل من الوقوع فريسة الفقر والعوز وانتظار المساعدات. لا سيما أنه حتى المعونات المقدمة من الجمعيات الخيرية لم تعد تسد حاجات الأسر الفقيرة”.

مقالات قد تهمك: النساء السوريات يدخلن سوق العمل بأساليب جديدة

وبحسب تقارير الأمم المتحدة يشهد سوق العمل في سوريا نسبة بطالة كبيرة، تتجاوز نصف القوى المؤهلة للعمل بالبلاد. وسط انعدام كامل للأمن الاجتماعي والغذائي. ونسب فقر شديدة الارتفاع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.