أصبح الاقتصاد السوري، الذي أصابه الشلل منذ أكثر من عقد، يعتمد على الدولار بشكل متزايد حيث يحاول الناس حماية أنفسهم من انخفاض قيمة العملة والتضخم. وأدى استمرار تدهور الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار السلع ومفاقمة مصاعب السوريون الذين يكافحون لشراء الطعام وأساسيات أخرى.

تعرضت الليرة السورية لضغوط متزايدة في شباط/فبراير الماضي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا حيث يرتبط الاقتصاد السوري بعلاقات وثيقة مع موسكو الداعم الرئيسي للرئيس السوري، بشار الأسد. ويعتقد الخبراء الاقتصاديون أن تخفيض قيمة الليرة السورية بنحو 12 بالمئة اليوم هو اعتراف من قبل الحكومة السورية بانخفاض سعر الصرف. فهل ستشهد البلاد المزيد من التضخم؟

الأزمة مستمرة

بحسب الخبراء، فإن قرار “المصرف المركزي” السوري، لا يندرج تحت بند الخروج من الأزمة، بل إنه جاء متأخرا خوفا من السقوط، لا سيما وأن أصوات التجار والمستوردين علت بعد تعنت المركزي على سعر صرف يقابله الضعف في السوق السوداء.

من جهته يرى المحلل الاقتصادي، ماجد الحمصي، أن المركزي السوري، كان هدفه أن ترتفع قيمة العملة السورية أمام الدولار، في أول يوم تداول بعد أن رفعه السعر الرسمي لجذب التحويلات الأجنبية وتدفقات رأس المال من المغتربين السوريين بعيدا عن السوق السوداء، لكن ما حدث عكس ذلك.

المركزي ومن وجهة نظره، يعتقد أن المعدل المحسن سيشجع التحويلات من قبل المغتربين السوريين من خلال البنوك المرخصة بدلا من السوق السوداء، حيث تتم معظم التعاملات بالعملات الأجنبية. إلا أن ذلك لن يحدث، إلا من قبل المؤسسات التي يعول عليها، كالمنظمات الدولية، أو حسابات التجار المحليين الملتزمين معه.

وأوضح الحمصي، في حديثه لـ”الحل نت”، بأن انهيار الليرة أدى إلى ارتفاع التضخم وزاد من معاناة السوريين في شراء الغذاء والطاقة وأساسيات أخرى. إلا أن القرار الجديد سيوسع الفجوة هذه وربما تظهر أرقام جديدة عن التضخم وزيادة الأسعار، كون المركزي السوري، لم يرفع سعر الفائدة، وفق تقديره.

قد يهمك: أكثر من 200 مليون دولار.. قيمة حوالات السوريين في رمضان

انهيار اقتصادي

في مواجهة التهديد بفرض مزيد من العقوبات، والوضع المتقلب في لبنان المجاور، فإن الشيء الوحيد الذي يزيد من حرارة الأجواء في البلاد التي مزقتها الحرب، هو قيمة الدولار مقابل الليرة السورية المتعثرة. فمن مستوى ما قبل الحرب البالغ حوالي 50 ليرة سورية لكل دولار في عام 2011، ارتفع سعر الصرف الآن أكثر من عشرين ضعفا إلى مستوى قياسي بلغ 2814 لكل دولار رسميا.

هذا يمثل وبرأي الحمصي، بداية لمرحلة جديدة وخطيرة في الصراع السوري حيث تحاول الحكومة، بعد أن خاضت 11 سنة من حربها من أجل البقاء، درء الانهيار الاقتصادي من الداخل. لكن أرقام التضخم الجديدة التي ستظهر، ستكون صادمة للجميع.

الحكومة سبق وأن اتخذت بعض الخطوات لمعالجة المشكلة، حيث رفعت الرواتب الشهرية لموظفي الدولة بمقدار 20 ألف ليرة سورية (حوالي 17 دولارا)، لكن ذلك لم يعوض التضخم على الرغم من الارتفاع؛ كانت النتيجة هي الخسارة.

من المرجح بحسب الحمصي، أن تكون الحملة الأخيرة للبنك المركزي السوري على بورصات العملات مؤقتة، وبأنها لن تعالج المشاكل الاقتصادية في البلاد لا سيما أمام الدولار. معتبرا أن الهدف من هذه الإجراءات هو تقليل الطلب على العملات الأجنبية والتخفيف من مخاطر تحويل الأفراد لأصولهم المالية المحلية إلى ممتلكاتهم بالعملات الأجنبية. ومع ذلك، فإن العيوب الهيكلية العميقة، ونقص النشاط الاقتصادي ستفوق بالتأكيد المكاسب قصيرة الأجل للتدابير التفاعلية للحكومة.

اقرأ أيضا: رفع سقف قروض الأرياف السورية.. ما القصة؟

بعد سنة كاملة المركزي يعترف

وعن أسباب رفع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية للتحويلات الخارجية، كشف “مصرف سوريا المركزي”، اليوم الخميس، أن القرار جاء بناء على مجموعة من العوامل الموضوعية المتعلقة بالوضع الاقتصادي العالمي الذي يعاني من ارتفاع معدلات التضخم.

وكان المركزي السوري قد رفع أمس الأربعاء، سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية، في نشرته الرسمية. ووصل الدولار الواحد للحوالات إلى 2814 ليرة بمعدل متوسط ​​بدلا من 2512 ليرة.

كما أرجع ارتفاع أسعار معظم السلع وأجور شحنها، مما انعكس بشكل مباشر على ارتفاع الأسعار في السوق المحلي. وأوضح أن السعر ينطبق على مجموعة من التحويلات، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة، والتحويلات الواردة من خلال خدمة “ويسترن يونيون” العالمية.

وذلك لتعزيز قدرة هذه المنظمات على العمل في سوريا، وتشجيع مرسلي الحوالات من الدول الأجنبية، على إرسال الحوالات عبر شبكات تحويل منتظمة.

وأشار مصرف سوريا المركزي، إلى أن رفع سعر نشرة البنوك والصرف، يستلزم رفع سعر الصرف في نشرة الجمارك والطيران التي يتم على أساسها تحصيل الرسوم التقديرية بالعملة الأجنبية.

وكان مركز “جسور للدراسات”، قبل أيام، نشر تقريرا توقع فيه زيادة قيمة الحوالات المالية إلى سوريا خلال فترة شهر رمضان، إذ من المتوقع أن تصل قيمة الحوالات هذه الفترة إلى أكثر 200 مليون دولار تتوزع بشكل رئيسي في مناطق شمالي سوريا.

وقدر التقرير عدد المستفيدين من الحوالات الدورية إلى سوريا، بأكثر من 5 ملايين نسمة، يتوزعون على مختلف مناطق البلاد، وبمبالغ شهرية تقدر بين 125 و150 مليون دولار شهريا.

للقراءة أو الاستماع: قرار جديد لضبط سعر صرف الليرة السورية.. هل ينجح؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.