مجددا، موجة من التصريحات العنصرية تطال اللاجئين السوريين في لبنان، وهذه المرة صدرت من مذيعة لبنانية ذات أصول سودانية، داليا أحمد. هذه التصريحات قوبلت بانتقادات لاذعة واستنكار واسع النطاق بين الأوساط السورية، حيث وصف النشطاء تصريحاتها بـ”العنصرية” و “تبني خطاب الكراهية “. كما وتجاوزت هذه الانتقادات الحادة الأوساط السياسية، والمحلية والإقليمية لتصل إلى مؤسسات المجتمع الدولي.

لم تنحسر موجة الغضب هذه منذ أن أطلقت المذيعة اللبنانية تصريحاتها، التي هاجمت فيها اللاجئين السوريين في لبنان من خلال برنامجها “فشة خلق” على قناة “الجديد” اللبنانية في 14 تموز/يوليو الجاري، عندما زعمت، أن اللاجئين السوريين “يتلقون المال بالدولار من الأمم المتحدة”، وأن سوريا آمنة لعودتهم.

دعوة لرحيل اللاجئين السوريين

المذيعة اللبنانية، دعت خلال برنامجها “فشة خلق”، إلى رحيل اللاجئين السوريين، لأن بلادها “أفلست” وشعبها يطلب الهجرة إلى الخارج. وأضافت: “عشنا معكم أجمل أيام الانهيار تقاسمنا معكم كل شيء… ولكن الآن لا يوجد لدينا شيء نتقاسمه معكم سوى الهجرة، من غير اللائق أن يترك اللبنانيون بلدهم لكم”.

وأردفت بالقول: إن “لبنان قام بواجبه بشأن حقوق الإنسان.. ما تيجوا تنظروا على بلد أفلس وشعبه عم بيهاجر، ما تنظروا على بلد حضن الشعب السوري 11 سنة”، في إشارة إلى أن الشعب اللبناني هو “منبع الإنسانية”.

إزاء تلك التصريحات، أثيرت موجة واسعة من الجدل وسط تعليقات رأت ما قالته مشاركة في “الخطاب العنصري” ضد اللاجئين وتحريض على العنصرية والتمييز ضد هؤلاء اللاجئين السوريين”، وذلك بالتزامن مع تعبير آخرين عن قلقهم من “تأجيج أزمة قابلة للاشتعال بالفعل”.

ولم تتضح الدوافع من تصريحات المذيعة اللبنانية، أو أهدافها لدى مختلف الأوساط السورية واللبنانية، حيث اعتبر البعض أنها تتبنى وجهة نظر الحكومة اللبنانية بشأن ملف اللاجئين السوريين، التي تلوّح باستمرار حول عبء وجود اللاجئين السوريين في لبنان وتحميلهم، سبب الأعباء المالية المتزايدة والأزمات الاقتصادية والسياسية المتفشية في لبنان.

في المقابل، استخدم مغرّدون وسم (#العنصرية_تقتل_السوريين) للتعبير عن رفضهم لأي خطاب عنصري ضد اللاجئين السوريين.

ودعا آخرون المذيعة اللبنانية، بالحديث عن ضرورة “انسحاب ميليشيات حزب الله اللبناني من سوريا”، في إشارة منهم إلى الدور الكبير الذي لعبه الحزب في دعم قوات حكومة دمشق، “قبل المطالبة بعودة السوريين إلى بلدهم”.

ضحية حملة عنصرية سابقة

بعض النشطاء السوريين، أبدوا على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة منصة “تويتر” عن استغرابهم من تصريحاتها، بدعوى أنها كانت ضحية سابقة لحملة عنصرية بسبب لون بشرتها “السمراء”، على اعتبار أن داليا أحمد، من أصول سودانية ومصرية، ووصلت إلى بيروت وهي رضيعة.

وعلّق أحدهم بقوله “أليس من فترة كانت داليا أحمد تشكي وتبكي من العنصرية التي مورست عليها من اللبنانيين، بسبب لون بشرتها ولأن أصولها ليست لبنانية؟ لكن هي قبلت الآن، ممارسة العنصرية ضد شعب كامل”.

من جانبه، علّق الباحث محمد السكري “ما يتعرض له السوريون تجاوز حد المنطق. الناس باتت تعاني من أزمة ذاتية تتعلق بهويتها الإنسانية، حتى مجتمعات ما قبل التحضر لم تكن بهذا السوء”.

وكتب فواز شحادة “من المعيب على داليا أحمد، التطرق لقضية اللاجئين السوريين بهذه الطريقة، لأن شريحة واسعة جدا من السوريين المهجّرين على يد الأسد، هم وحدهم من تضامنوا معها عندما تعرضت لموقف عنصري قبل أشهر”.

قد يهمك: منطقة آمنة لبنانية لإعادة اللاجئين السوريين؟

الأمم المتحدة ترد

على إثر توجيه منتقدو خطاب أحمد دعوات مكثفة للهيئات والمنظمات الأممية، بغية التعامل مع الواقع الذي يعاني منه اللاجئون السوريون في لبنان بسبب موجة العنصرية التي يواجهونها، بين الحين والآخر، أصدرت المنسّقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في لبنان، نجاة رشدي، بيانا، يوم أمس الجمعة، أشارت في بدايته إلى أنه “خلال الأسابيع الماضية في لبنان، ازداد التداول في الفضاء العام بعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا” في إشارة إلى تصريحات داليا أحمد الأخيرة.

وقالت رشدي: “بالنيابة عن المجتمع الإنساني الدولي وبصفتي منسقة الشؤون الإنسانية في لبنان، أكرّر بأن حماية اللاجئين واللاجئات هي واجب إنساني وأخلاقي، يدخل في صميم كافّة المبادرات الإنسانية”.

وأردفت المنسقة الأممية: “أود أن أشيد بالكرم السخي الذي أظهره الشعب اللبناني، والسلطات اللبنانية في استضافة اللاجئين واللاجئات في وقت كانوا هم اللبنانيون واللبنانيات في أضعف أوقاتهم، وأود أن أعرب عن امتناننا للتضامن المستمر”.

وأوضحت رشدي أن “الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الفئات الأكثر ضعفا وفقا لحاجاتهم بغض النظر عن جنسيتهم أو إعاقتهم أو دينهم أو نوعهم الاجتماعي أو جنسهم أو مسقط رأسهم، في ظل الانهيار الاقتصادي غير المسبوق في لبنان وارتفاع مستويات الفقر والحاجات الإنسانية”.

وبيّنت رشدي، إنه خلال الفترة الممتدة من 2021 حتى أيار/مايو 2022، “تم تقديم مساعدات إنسانية مباشرة لأكثر من 1.6 مليون لبناني ولبنانية، بما في ذلك المساعدات النقدية والغذائية والصحة والتعليم والحماية والمأوى وخدمات المياه؛ بالإضافة إلى دعم نحو 200 بلدية لبنانية في تعزيز تقديم الخدمات الأساسية، وتقليل ضغط الموارد في المجتمعات المعرضة للخطر”.

المذيعة تردّ على الانتقادات

المذيعة أحمد، ردت على الموجة الأخيرة التي طالتها بسبب تصريحها، التي وُصفت بـ”العنصرية”، بعد تطرّقها لملف النازحين السوريين، في برنامجها الساخر “فشة خلق”، على قناة “الجديد”.

واستهلّت حلقة البرنامج، مساء الخميس الفائت، بتخصيص فقرة ردّت فيها بشكل مطول على الانتقادات التي طالتها، معترفة أنها وفريق العمل، ولدى تقديم الفقرة في الحلقة السابقة، كانوا على علم أنها ستجلب ردود أفعال كالتي حصلت.

وقالت أحمد: “مجرد أننا قلنا في الحلقة الماضية إن لبنان بلد مفلس، وأوضاع اللبنانيين في الحضيض ولم يعد في إمكانهم بعد 11 عاما من الأزمة السورية تحمّل تبعات النزوح السوري الاقتصادية، تحولت أنا، من تعرضت لحملة عنصرية سابقة، في نظر البعض، إلى شخص عنصري، اليوم”، على حد قولها.

وأضافت، مبررة: “نعلم أن الموضوع إشكالي، والبعض، خصوصا المستفيدين ماديا ومستغلي أزمة اللاجئين، يعتبرون هذا الموضوع “تابو” وممنوع التطرق إليه، ومن يتكلم بالأرقام عن أزمة النزوح وأعبائها على الدولة والمواطنين اللبنانيين، يُتَّهم مباشرة بالعنصرية ويُنقَل إلى مكان من الصعب النقاش فيه”.

هذا ويعاني آلاف السوريين من العنصرية في لبنان، كما يعانون من أوضاع معيشية مأساويّة، فيما يحاول المئات منهم التقدم عبر المفوضية السامية للحصول على تسهيلات تمكنهم من الوصول إلى أوروبا، هربا من الوضع المعيشي في لبنان، في حين يؤكد المسح الأخير الصادر عن المفوضية، أن أكثر من 80 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت “خط الفقر المدقع”.


قد يهمك: سوريون في لبنان مهددون بالترحيل إلى بلد ثالث

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.