تواصل إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا، بهدف تقليص التمدد الإيراني في المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص، وكان آخر هذه الغارات مساء يوم أمس الأحد، حيث طال القصف عدة نقاط في ريف العاصمة السورية دمشق ومحافظة طرطوس، مما أسفر عن مقتل 3 جنود من الجيش السوري في حكومة دمشق وعدة جرحى واندلاع حرائق، واللافت أن إحدى النقاط المستهدفة كانت على مقربة من القاعدة الروسية في الساحل السوري.

استهداف مواقع إيرانية

وكالة الأنباء السورية “سانا” المحلية، أفادت أن صواريخ إسرائيلية استهدفت مواقع في ريف دمشق وجنوب محافظة طرطوس، يوم أمس الأحد، وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن المواقع المستهدفة يتواجد بداخلها ميليشيات إيرانية.

وذكر مصدر عسكري لوكالة “سانا” المحلية أنه في حوالي الساعة 20:50 من مساء الأحد، نفذت إسرائيل ضربات صاروخية من اتجاه جنوب شرق بيروت مستهدفة بعض النقاط في ريف دمشق، وتزامن هذا مع ضربة أخرى مستهدفة بعض النقاط جنوب محافظة طرطوس الساحلية.

وأضاف المصدر ذاته أن الهجوم أدى إلى مقتل ثلاثة عسكريين من الجيش السوري، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، ووقوع بعض الحرائق والخسائر المادية.

بينما أشار المرصد إلى أن الضربات استهدفت مواقع عسكرية لقوات حكومة دمشق يتواجد داخلها ميليشيات إيرانية في ريف طرطوس الجنوبي، حيث سقطت عدة صواريخ في محيط قرية أبو عفصة، وفي قاعدة دفاع جوي ورادار في المنطقة.

وتبتعد المواقع المستهدفة في محافظة طرطوس نحو 8 كيلومتر عن القاعدة الروسية هناك، وأضاف المرصد أنه دوت عدة انفجارات عنيفة في المواقع، في حين هرعت سيارات الإسعاف إلى المنطقة لإنقاذ الجرحى وإخلاء القتلى.

من جانب آخر، نادرا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ ضربات في سوريا، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفها بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري عبر وكلائها وميليشياتها في سوريا.

قد يهمك: الغارات الإسرائيلية على سوريا.. خلافات مع روسيا؟

استهدافات سابقة

في المقابل، هذه ليست المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل مواقع عدة في سوريا، حيث تكررت الاستهدافات خلال السنوات الماضية، وشنت القوات الإسرائيلية مئات الغارات التي استهدفت مواقع للجيش السوري، ونقاط تابعة للميليشيات الإيرانية وأبرزها “حزب الله” اللبناني.

كذلك، وقبل يومين، أُصيب مدنيان اثنان في استهداف إسرائيلي على محيط قرية الحميدية بريف القنيطرة الشمالي، وفق زعم وكالة “سانا” المحلية.

بينما “المرصد السوري” أفاد بأن القوات الإسرائيلية استهدفت بقذائف دبابة عسكرية، آنذاك، منطقة الحميدية بريف القنيطرة وأن هذا الاستهداف لإصابة شخصين اثنين لم تعرف هويتهما حتى اللحظة، ووفق المرصد، فإن دبابة إسرائيلية أطلقت 3 قذائف عند اقتراب الشخصين من منطقة “فض الاشتباكات” على حدود الجولان.

وفي تموز/يوليو الماضي، قتل 3 عسكريين سوريين، وجرح 7 آخرون، إضافة لخسائر مادية في قصف صاروخي إسرائيلي استهدف محيط العاصمة السورية دمشق، ونقلت آنذاك وكالة “سانا” عن مصدر عسكري أن إسرائيل نفذت غارات جوية برشقات من الصواريخ من اتجاه الجولان، مستهدفا بعض النقاط في محيط مدينة دمشق.

وفي حزيران/يونيو قصفت إسرائيل مطار دمشق الدولي الواقع جنوب العاصمة السورية دمشق، وألحقت أضرارا بالمباني ومهابط الطائرات، أدت لإخراجه عن الخدمة. ووفق تقارير إسرائيلية، فإن إسرائيل استهدفت مستودعات تابعة لـ”حزب الله” اللبناني وميليشيات إيرانية أخرى بالقرب من المطار، فوق مدرج التشغيل الوحيد المتبقي فيه.

هل تضبط روسيا هذه الغارات؟

“مركز جسور للدراسات” رأى خلال تقرير نشره، مؤخرا، بأن الخلافات بين موسكو وتل أبيب إثر الصراع في أوكرانيا، انعكست على التنسيق بين الطرفين في سوريا، تبعها فرض روسيا قيودا على حركة سلاح الجو الإسرائيلي بشكل غير مسبوق منذ نهاية عام 2015.

ويعتقد المركز أن إسرائيل لجأت نتيجة تلك القيود إلى تكتيكات خاصة من أجل ضمان استدامة الضربات التي تنفذها في سوريا.

ومن ضمن تلك التكتيكات، زيادة الاعتماد على الضربات الصاروخية “أرض – أرض”، منذ شباط/ فبراير الماضي، حيث بلغ عددها 8 هجمات مقابل 8 هجمات باستخدام الغارات الجوية، حيث يشير المركز إلى أن العديد من الطلعات الجوية كانت تتم باستخدام الأجواء اللبنانية والمجال الجوي لقاعدة “التنف”، تفاديا لأي صدام محتمل.

وفي هذا الإطار رأى الكاتب والمحلل السياسي محمد السكري، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن قدرة روسيا على تقييد الضربات الإسرائيلية مرتبطة بإحياء عملي لمسار “سوتشي” الذي بلور تفاهمات كل من روسيا وإيران، وخلال الفترة الماضية تعطل هذا المسار جراء الحرب الأوكرانية وانعكاساتها وارتداداتها أيضا بطبيعة الحال على موقف الفاعلين تجاه الملف السوري.

والأمر نفسه ينطبق على الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا، والذي أثر بشكل ما على العلاقات الروسية الإسرائيلية، وبالتالي، وفق حديث السكري السابق، فإن عملية فصل الملف السوري والأوكراني في هذا السياق عملية معقدة وشبه مستحيلة تتطلب تحييد ملفات عن بعضها البعض أو فصلهما، وقد يساهم ذلك لاحقا في عودة كل من إسرائيل وروسيا إلى طاولة المفاوضات.

وبحسب تقدير السكري، فإن طاولة المفاوضات بين الطرفين هي السبيل الوحيد للحد من الضربات الإسرائيلية على الساحة السورية، أو أن تقوم روسيا باحتواء التمدد الإيراني، الذي اتسع الأخير عبر ميليشياته بمعدل جيد خلال الفترة الماضية في سوريا.

ولذلك وفق اعتقاد السكري، فإن هذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بمدى قدرة كل من إسرائيل وروسيا على إنتاج مقاربات جديدة تتعلق بالملف السوري لاحتواء التمدد الإيراني والتأكيد على مسألة الأمن القومي الإسرائيلي.

إن الخلاف “الروسي – الإسرائيلي”، بدأ منذ إعلان تل أبيب معارضة غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي، وتعمّق هذا الخلاف بعد توجيه وزارة العدل الروسية قبل أيام إخطارا للوكالة اليهودية في روسيا بالإغلاق، وتلويح إسرائيل بعدها بالتخلي عن سياسة الحياد والاستعداد لتقديم الدعم لأوكرانيا.

وبالعودة إلى تقرير مركز “جسور للدراسات”، فإنه يشير إلى أن الخلاف بين الطرفين وتقييد روسيا لحركة سلاح الجو الإسرائيلي “أتاح لإيران توسيع هامش نشاطها في سوريا بشكل أكبر، لا سيما جنوب البلاد وبالقرب من خط وقف إطلاق النار لعام 1974، حيث عملت على نقل أنظمة توجيه متطورة لزيادة دقة الصواريخ التي تخزنها في سوريا”.

ورغم ذلك، يؤكد المركز أن روسيا وإسرائيل ما تزال تحتفظان بخط الاتصال والتنسيق العسكري، حيث ترسل تل أبيب إخطارا إلى موسكو بجميع الهجمات الجوية قبل تنفيذها، بما في ذلك استهداف شحنة صواريخ إيرانية في مطار دمشق في حزيران/ يونيو الماضي.

ويعتقد المركز أن روسيا يبدو أنها لا ترغب بمنع الهجمات الإسرائيلية في سوريا بشكل كامل، بل مجرّد تقييدها كنوع من ممارسة الضغط على إسرائيل بهدف تعديل مواقفها، ومنعها من تبنِّي أي سياسة تؤدي لتقديم الدعم إلى أوكرانيا.

قد لا تكون إيران بعيدة عن معرفة الخطوط العامة للتنسيق الإسرائيلي-الروسي بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية، لكنها مضطرة إلى الرضوخ له بحكم موازين القوى، بالإضافة إلى أنها تعتبر خسائرها نتيجة الضربات الإسرائيلية مقبولة مقارنة بمكاسبها الإجمالية في سوريا والمنطقة، بحسب مراقبين.

لكن، موسكو لن تتدخل في تقييد كامل الضربات الإسرائيلية، لأن القصف الإسرائيلي لا يمكن اعتباره فقط ضمن ما يوصف بالمنافسة بين طهران وموسكو، حتى وإن كانت الثانية لا تمانع في إضعاف الأولى قليلا، من أجل تحقيق مكاسب من الجانب الإيراني في غزوها في أوكرانيا، وهذا ما تبادله طهران حين زودت موسكو بالطائرات المسيرة وما إلى ذلك، على مبدأ “تبادل المصالح”.

قد يهمك: الهجمات الإسرائيلية على سوريا مهددة بالإيقاف.. ما علاقة الصين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.