مرحلة جديدة بدأت تشهدها منطقة شرق آسيا، مع تنامي مخاطر كوريا الشمالية والحزب “الشيوعي” الصيني، حيث بدأت دول المنطقة تستشعر هذا الخطر. بالتالي اتجهت إلى تكوين شراكات بين بعضها وتغيير في استراتيجياتها الدفاعية، تاركة خلفها أية خلافات تاريخية قد تعيق هذا التعاون.

رغم استبعاد كثير من المحللين دخول القوة الدولية العالمية في حرب مباشرة، نظرا لما يمرّ به المجتمع الدولي من أزمات مختلفة قد لا تؤدي بأية حرب إلى نتيجة إيجابية لأي طرف من الأطراف سواء الغالب أو المغلوب، لكن ذلك لم يمنع كوريا الشمالية ومن خلفها الصين من استمرار توسيع نفوذهما وتهديد الدول المجاورة.

الولايات المتحدة الأميركية عملت خلال السنوات القليلة الماضية، على إنشاء حلف مضاد لتحالف روسيا وكوريا الشمالية والحزب “الشيوعي” الصيني، عبر تشجيع الدول على زيادة ميزانيتها الدفاعية كما فعلت كندا واليابان، كذلك تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تعزيز العلاقات بين هذه الدول، خاصة وأن العلاقات ليست في أفضل أحوالها بين بعض الدول بسبب الخلافات التاريخية.

حلف لمواجهة المخاطر

كوريا الجنوبية واليابان دولتان لهما تاريخ طويل في النزاعات، تستعدان الآن لحل جميع الخلافات العالقة والانخراط في حلف لمواجهة المخاطر الكورية الشمالية وحلفائها، فبعد اللقاء الذي جمع الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، في أيلول/سبتمبر الماضي، والعديد من الزيارات المتبادلة، وصل رئيس كوريا الجنوبية إلى اليابان، أمس الخميس، سعيا لفتح “فصل جديد” من العلاقات بين البلدين، بعد ساعات فقط من إطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا بعيد المدى.

اللقاء الذي سيجمع الرئيس الكوري الجنوبي ورئيس الوزراء الياباني، يعد القمة الأولى بين زعيمي البلدين منذ 12 عاما، إذ يأتي بعد القرار الكوري الجنوبي، بهدف التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع التاريخي المتعلق بضحايا العمل القسري خلال الاحتلال الياباني بين عام 1910 إلى 1945.

التلميحات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، توحي بالتأكيد إلى وجود رغبة متبادلة لحل الخلافات التاريخية بأسرع وتيرة ممكنة، وذلك للتفرغ لتعزيز العلاقات وتقوية الحلف المواجه لمخاطر كوريا الشمالية والحزب “الشيوعي” الصيني، وهذه الخلافات تتعلق ببيانات قدّمتها سيول، تقول إن نحو 780 كوري جنوبي، تم إجبارهم على العمل القسري من قبل اليابان خلال سنوات الاحتلال الـ 35 دون احتساب النساء اللاتي خضعن للعبودية الجنسية.

حلّ الخلاف بين الجانبين، يعني الانخراط في الحلف الإقليمي التي تسعى من جانبها كذلك الولايات المتحدة الأميركية إلى دعمه، ويضم بشكل رئيسي كوريا الجنوبية واليابان وكندا، وغيرها من دول شرق آسيا كإندونيسيا والفلبين، لمواجهة تنامي تهديدات كوريا الشمالية ونفوذ الحزب “الشيوعي” الصيني.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن دول شرق آسيا أدركت التهديدات المحيطة بها، لذلك تعمل على اتباع طرق مواجهة قائمة على إنشاء التحالفات وتعزيزها. مشيرا إلى أن تطوير العلاقات الثنائية يأتي بدفع من قبل أميركا التي تقود الحلف ضد المخاطر القادمة من كوريا الشمالية وحلفائها، مشيرا إلى أن حربا عالمية ثالثة ربما بدأت لكن ليس بالشكل التقليدي المعتاد.

توطيد العلاقات الثنائية بين كوريا الجنوبية واليابان مدفوعة بعوامل عدة، أهمها وجود تهديدات مشتركة يواجهها الجانبين، أولها البرنامج النووي لكوريا الشمالية، إضافة لتنامي وصعود النفوذ الصيني في المنطقة، كذلك تداعيات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية”.

كذلك فإن دعم الولايات المتحدة الأميركية لكلا الطرفين برأي مشرف خلال حديثه لـ”الحل نت”، ساهم في تسهيل تعزيز العلاقات بينهما، بهدف مواجهة مشاريع كوريا الشمالية المتعلقة بالنووي وتطوير الصواريخ الباليستية، كذلك فإن تحول الصين من كونها عامل مؤثر على الصعيد الاقتصادي إلى عامل مقلق على الصعيد السياسي، جعل التحالف بين دول منطقة شرق آسيا أمرا بالغا في الضرورة.

حول ذلك زاد مشرف، “دعم الولايات المتحدة الأميركية بهذا الاتجاه لليابان للحد من القوى المتنامية للنفوذ الصيني، سواء في شرق آسيا أو غيرها من مناطق العالم، كذلك التوافق مع الغرب حول الحرب الأوكرانية، كان أبرز السمات التي ساهمت في التقارب الكوري الجنوبي الياباني، فكوريا الجنوبية واليابان تدعمان حلف أميركا في هذه الحرب ضد روسيا”.

كذلك تسعى كل من كوريا الجنوبية واليابان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري الذي لم يتوقف رغم التوتر بينهما في فترات سابقة، فبعد تعافي حركة التجارة العالمية منذ انتهاء وباء “كورونا” يطمح الجانبان إلى تعزيز حجم التبادل التجاري، خاصة وأن الجانبين لديهما اقتصاد قوي.

جميع من تحدث عن الحرب العالمية الثالثة، كان يرجح أن تكون شرارتها منطقة شرق آسيا، ومن هنا بدأت المرحلة التي تسبق مرحلة الحرب، وهي استقطاب القوى والحلفاء إضافة إلى التسليح، وهو ما بدأته كوريا الجنوبية واليابان، اللتان تعملان على تعزيز الشراكات الدفاعية، رغم العديد من الخلافات التاريخية بين البلدين.

برأي مشرف أن القرب الجغرافي بين كوريا الجنوبية واليابان، سيمكّن الجانبان من التعاون مع الحلفاء من تشكيل حد أمني قوي في المنطقة، قادر على مواجهة النفوذ الصيني وكوريا الشمالية، “هذا التعزيز يعمل لصالح كلتا الدولتين للحد من القوى المتنامية في المنطقة، خصوصا أن أميركا تريد أن تضم لهذا الحلف الهند والفلبين وإندونيسيا بالتالي تشكيل محور رئيسي بالقرب من كوريا الشمالية”.

هناك تغيير في استراتيجيات دول تلك المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية كما رأينا اليابان وكندا وغيرها، بسبب التهديدات الناتجة عن تحركات كورية الشمالية وتنامي النفوذ الصيني، في مقابل حلف قوي يتشكل في المنطقة لمواجهة هذه التهديدات.

حرب عالمية ثالثة؟

استقطاب القوى والحلفاء وانطلاق سباق التسليح في منطقة شرق آسيا، يؤشر ربما على اقتراب اندلاع حرب عالمية ثالثة، وذلك رغم استبعاد مراقبين لاندلاع هذه الحرب وإقدام أي طرف على إشعالها في الوقت الراهن، أمّا الباحث السياسي عبد اللطيف، فرأى “أن المنطقة تعيش الآن سيناريوهات ما قبل الحرب العالمية الأولى والثانية”، وباعتقاده أن “الحرب قد بدأت لكن ليس بشكل عسكري وإنما هي حرب اقتصادية أو حرب دبلوماسية ناعمة، وعملية تقليم لأظافر القوى المتنامية التي تتحدى الولايات المتحدة الأميركية وأبرزها روسيا والصين”.

في الوقت الذي تسعى فيه كوريا الجنوبية واليابان إلى توطيد العلاقات المتبادلة، فإن كوريا الشمالية لا تتوقف عن إطلاق الصواريخ الباليستية، وإجراء التجارب العسكرية وتطوير أسلحتها، حيث أطلقت يوم أمس الخميس صاروخا باليستيا في عملية استعراض للقوة هي الثالثة منذ الأحد، ذلك جاء في الوقت الذي تُجري فيه كوريا الجنوبية والولايات المتحدة أكبر مناوراتهما العسكرية المشتركة منذ خمس سنوات.

قد يهمك: أحزاب المعارضة التونسية تنكر شرعية البرلمان.. تصاعد للصراع على السلطة؟

المناورات الأخيرة لكوريا الشمالية، أثارت حفيظة معظم دول شرق آسيا، فوصف بيان للجيش الكوري الجنوبي عمليات إطلاق الصواريخ من قبل كوريا الشمالية، بأنها “استفزاز خطير يقوض عملية السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، في حين قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إن اليابان تعتزم طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي عقب أحدث عمليات إطلاق صاروخية لكوريا الشمالية”.

تحقيق التوازن لمنح الحرب

كندا واليابان والصين والكوريتين، هم في طليعة الدول التي تواصل لتعزيز قدراتها العسكرية خلال السنوات الماضية، وقد زاد هذا التعزيز خلال العام الماضي، من خلال زيادة الترسانة العسكرية والإنفاق على التسليح بأرقام غير مسبوقة، الأمر الذي أثار المخاوف العالمية من تبعات ونتائج هذا التعزيز العسكري.

زيادة اهتمام هذه الدول بالجوانب العسكرية، قد تؤدي بالضرورة إلى حدوث نوع من التوازن العسكري في المنطقة، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن كل طرف سيحسب حسابات معقدة قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة في الصدام، فاليابان مثلا خصصت 320 مليار دولار ما بين 2023 و2027، لتعزيز قدراتها القتالية، بشكل يمكّنها من رفع ميزانية الدفاع لديها من 51 مليار دولار في 2023، إلى أكثر من 80 مليار دولار في 2027، بعدما كانت 40.2 مليار دولار في 2022، لتتفوق بذلك على روسيا من حيث مخصصات الدفاع، وتصبح في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين.

بالتالي فإن هذا السباق في التّسلح، عزز من التوازن العسكري في شرق آسيا، كما أن دعم الولايات المتحدة الأميركية لحلفائها بشكل أوسع، ساهم أيضا بتراجع النفوذ الصيني، وجعل الحزب “الشيوعي” الصيني، يعيد حساباته في طموحه التوسعي في المنطقة إلى جانب كوريا الشمالية.

مستقبل المنطقة أمام شقّين ربما، إما حرب مباشرة كما حدث في الحربين العالميتين السابقتين، أو استمرار الحرب الباردة، والمواجهة على النفوذ الاقتصادي والسياسي حول العالم، وهو الخيار الأقرب للتنفيذ، خاصة مع امتلاك الأطراف المتصارعة للسلاح النووي، بالتالي فإن أي حرب مفتوحة لن تكون بصالح أحد، ولن تنتج بالتأكيد منتصرا إذا وصلت حدّ استخدام القنابل النووية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.