من خلال الإحصائيات الصادرة عن مراكز بحثية، يبدو أن هناك هروب جماعي للمستثمرين من سوريا في الأيام الأخيرة، حيث فشلت جهود الحكومة لجذب استثمارات مَن ما تسميهم بـ “الدول الصديقة” مثل إيران في أن تؤتي ثمارها. 

الحكومة السورية منذ عدة سنوات تكافح ضد أزمة اقتصادية حادة، تفاقمت بسبب الحرب التي استمرت عقدا من الزمان وتركت البلاد في حالة خراب. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها سوريا لتشجيع الاستثمار والنمو الاقتصادي، وجذب التمويل والدعم اللازمين لإعادة بناء البلاد واستقرارها، يبدو أن هناك أسباب الكامنة وراء فشلها وتداعيات هذا الهروب الجماعي على مستقبل الاقتصاد السوري.

تعثر الاستثمار الإيراني في سوريا

البيانات الأولية التي رصدها موقع “تقرير سوريا” المعني بالمعلومات الاقتصادية الموثوقة عن سوريا، تظهر أن الحكومة السورية واجهت انخفاضا حادا في عدد الشركات التي أنشأها مستثمرون إيرانيون في سوريا العام الماضي. يعكس هذا الاتجاه المسار التصاعدي السابق لمثل هذا الاستثمار منذ بدء الحرب عام 2011.

سوريا تبحث مع إيران تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين - إنترنت
سوريا تبحث مع إيران تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين – إنترنت

سابقا وصفت مؤسسات الدولة الاستثمار الإيراني بأنه نقطة مضيئة اقتصادية رئيسية للاقتصاد السوري المتعثّر. ومع ذلك، يشير تضاؤل الاستثمار الإيراني بشكل قوي إلى بيئة الأعمال السيئة في سوريا.

بحسب حديث رجل الأعمال السوري، منير الزعبي، لـ”الحل نت”، فإن العنف المستمر في سوريا جعل من الصعب على المستثمرين التفكير في بدء أي نوع من الأعمال التجارية داخل البلاد. هناك أيضًا خطر كبير يتمثل في عدم استمرار استثماراتهم، خصوصا ألّا حلّ سياسي في الأفق واستمرار الصراع غير المنضبط بين قوات الحكومة السورية والمعارضة وقوى أخرى.

المعلومات المتداولة بحسب الزعبي، تشير إلى أن المستوى العددي للمشاركين في قطاع الاقتصاد السوري قبل الحرب لم يتم بلوغه بعد. وتهدد التجارة بشكل أكبر بين الدولتين العقوبات المالية بقيادة الولايات المتحدة وغيرها من العقوبات المالية التي يقودها الغرب ضد إيران.

لم تستهدف العقوبات الغربية سوريا، لكن الشركات والمستثمرين الإيرانيين وفقا للزعبي، قلقون من بدء أعمال تجارية جديدة في البلاد بسبب الصراع المستمر، وتعنت الحكومة في مسار التطبيع الاقتصادي مع جيرانها أو مع الغرب، حيث لا تزال تتبنى رواية أن “الغرب لم يرفع العقوبات عن سوريا وادعاءاته كاذبة ومخادعة”، كما تحدث رئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس، أمس الثلاثاء خلال مؤتمر بخصوص مساعدة منكوبي الزلزال.

أسباب قلة الاستثمار

بيانات المسح التي جمعها “البنك المركزي” الإيراني، أثبتت تراجع التجارة في السلع غير النفطية إلى سوريا، حيث قامت الحكومة السورية في الماضي بمحاولات لجذب المساعدة من المستثمرين. لكن الآن حتى الدول التي تعتبر نفسها صديقة لسوريا مترددة في إعادة النظر في الاستثمارات بسبب الاعتراف بأن هذا النوع من الصراع الذي شوه البلاد اقتصاديا وسياسيا وغير ذلك، هو أمر يقوّض التجارة بشكل أو بآخر.

إزداي بو، المتخصص في المجموعة المالية المتحدة، ذكر في تصريحات خلال العام الجاري، أنه بصفتهم شركة تقدم حلول تحوّطٍ شاملة ماليا وقانونيا لرجال الأعمال والمديرين وأصحاب المستوردين والمصدرين، “فإننا نتعامل مع حالات الخسارة المختلفة باستمرار، لا يمكن أن ننصح أو نقترح المشاركة في أي معاملات تجارية أو حضانة تشمل موردين سوريين في هذه المرحلة”.

طبقا لحديث رجل الأعمال السوري، فإن هناك عدة عوامل ساهمت في تراجع عدد الشركات التي أسسها مستثمرون إيرانيون في سوريا. أحد العوامل الرئيسية هو الحرب المستمرة على الرغم من توقف الأعمال العسكرية إلا أن المنطقة مصنفة ضمن أجواء حرب مستمرة، والتي خلقت بيئة أعمال غير مستقرة وغير مؤكدة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض عقوبات دولية على إيران جعل من الصعب على الشركات الإيرانية الاستثمار في سوريا. علاوة على ذلك، أدى افتقار الحكومة السورية إلى سياسات فعّالة لدعم الاستثمار الأجنبي إلى ثني المستثمرين الإيرانيين عن دخول السوق السورية.

تراجع عدد المستثمرين الإيرانيين في سوريا له تأثير سلبي على الاقتصاد السوري، لا سيما على صعيد خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي. علاوة على ذلك، يواجه المستثمرون الإيرانيون الذين أقاموا بالفعل أعمالا تجارية في سوريا تحديات مثل الصعوبات في الحصول على التمويل وتأمين المواد الخام ونقل البضائع بسبب نقص النقد الأجنبي في البلاد.

آثار الاضطراب في سوريا

تراجع الاستثمار الإيراني في سوريا يعكس الأوضاع الاقتصادية والسياسية في كلا البلدين. تسبب عدم رغبة الحكومة في خلق حل سياسي للبلاد بنفور النخب الاقتصادية، مما جعل من الصعب على المستثمرين العمل داخل بلد معرض للانهيار في أي وقت. بالإضافة إلى ذلك، حدّت العقوبات المفروضة على إيران من قدرتها على الاستثمار في الخارج.

الرئيس السوري بشار الأسد يلتقي خامنئي في طهران - وكالات
الرئيس السوري بشار الأسد يلتقي خامنئي في طهران – وكالات

حضور القطاع الخاص الإيراني في سوريا، بحسب تصريحات سابقة لحسن شمشادي، أمين غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، فإن هذا القطاع مهتم جدا بالوجود في السوق السورية وهي سوق جذابة بالنسبة له، إلا أن هذا الاهتمام والجاذبية خاطئ عند البعض، لأنهم لا يعرفون عن السوق السورية.

شمشادي يؤكد على أنه يجب معرفة السوق السورية، مشيراً إلى أن بعض التجار والمصدرين الإيرانيين يقارنون السوق السورية بالسوق العراقية، في حين أن الموضوع غير قابل للمقارنة، لا من حيث عدد السكان، والدخل، والنقل، ومستوى الدخل، وما إلى ذلك.

لدى الحكومة السورية خياران لإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية لتحسين بيئة الأعمال وجذب المستثمرين. الخيار الأول هو خلق بيئة أعمال مستقرة وآمنة من خلال إنهاء الصراع في البلاد وتنفيذ السياسات التي تشجع الاستثمار الأجنبي. الخيار الثاني هو العمل مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية لتطوير إطار عمل للاستثمار يشجع المستثمرين الأجانب.

إذ إن هناك دول أخرى تجذب المستثمرين الإيرانيين أكثر من سوريا. بعض هذه الدول تشمل العراق ولبنان وتركيا. تتمتع هذه البلدان ببيئات سياسية واقتصادية أكثر استقرارا من سوريا، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، فقد وضعوا سياسات تدعم الاستثمار الأجنبي وتوفر الحوافز لجذب المستثمرين.

ربما ينبغي أن تعترف السلطات السورية بأن إقناع الشركات الأجنبية بالاستمرار في الاستثمار يتطلب الآن جهودا سليمة ومتضافرة، فضلا عن استئناف العمل لعودة النازحين السوريين لتقوية المشاريع الهادفة إلى إعادة تأهيل الشؤون الإنسانية التي تنسج أهدافها حول جانبين من الاستقرار الاقتصادي وإعادة التنمية بمجرد استعادة السلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة