إيران الدولة الإسلامية كما يدعي القائمون عليها تُعرف بأنها “دولة المخدرات” للتهريب الذي يقوم به “الحرس الثوري” وينفذه لتمويل الأنشطة الإرهابية في الخارج، ولإثراء أعضائه ووكلائه. فالنظام الذي يدعو إلى الالتزام بالمبادئ الإسلامية الصارمة، ويوظف “شرطة الأخلاق” ويحظر الكحول، ليس لديه مشكلة في تهريب المخدرات دوليا.

غسيل الأموال يُعد جريمة خطيرة تنطوي على التحويل غير القانوني للأموال من الأنشطة الإجرامية إلى القنوات المشروعة لإخفاء أصولها غير المشروعة. هذه الجريمة تُعد من أكبر التحديات للحكومات ووكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن التقليل من تأثيره على الأمن العالمي، لكن كيف سيكون الأمر إذا كانت إحدى الدول هي من تقوم أو تيسّر هذه الجريمة.

لطالما اتُهمت العاصمة التركية أنقرة بأنها مركز للأنشطة المالية غير المشروعة، لكن في السنوات الأخيرة، برزت مخاوف متزايدة بشأن دور المدينة في تبييض أموال “الحرس الثوري” الإيراني، الذي فُرضت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى لتورّطه في أنشطة إرهابية وانتهاكات لحقوق الإنسان. لكن على الرغم من هذه العقوبات، واصل “الحرس الثوري” البحث عن طرق لتمويل أنشطته، وأصبحت أنقرة لاعبا رئيسيا في هذا النشاط.

الجسر الجوي إلى تركيا

بحسب حديث الكاتب والخبير في شؤون منطقة الشرق الأوسط، إيمانويل رضوي، في مقابلة صحفية أجراها أمس الأحد، فإن بعض الطائرات من شركة إيرانية تدعى “ماهان إير” تسافر وفي حوزتها كميات كبيرة من الأسلحة والذهب والأموال إلى بلدان مختلفة ، ويتم غسله وتحويله إلى نقد في تركيا، في إسطنبول، وفي السوق السوداء”.  

شركة الطيران الإيرانية "ماهان إير" في تركيا - موقع "ترك برس"
شركة الطيران الإيرانية “ماهان إير” في تركيا – موقع “ترك برس”

“ماهان إير” التي يديرها “الحرس الثوري” الإيراني، تنقل هذه الأموال بعد ذلك، ووفقا لما يصفه رضوي بأنها شبكة من المخبرين، تجد هذه الأموال طريقها إلى الحسابات المصرفية لأشخاص ليسوا بالضرورة من النظام ولكن في بعض الأحيان إلى أصدقاء وأفراد من عائلات المتنفذين في السلطة الإيرانية لتكون بوليصة تأمين على حياتهم إذا ساءت الأمور في البلاد.

قصة رضوي تتوافق مع ما أبرزته مصادر الدفاع الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، بأن فنزويلا ترسل الذهب إلى إيران كدفعة مقابل النفط الذي لا تستطيع إيران بيعه في مكان آخر، ثم يتم صرف الذهب في بلدان ثالثة. يتم توجيه الأموال لتمويل “حزب الله” اللبناني وأنشطته، مما يجعل الحروب بالوكالة مشتعلة وبعيدة عن الأراضي الإيرانية.

بينما تقول بعض المصادر إن حركة الطائرات والذهب هذه ثابتة، فإن رضوي أكد أن المهربين الإيرانيين زادوا في نقل الذهب منذ أن بدأت المظاهرات في الخريف الماضي إثر مقتل الشابة مهسا أميني.

ثمة مَن يرى أيضا وفقا لتقارير الاستخبارات الأميركية بأن وزير الداخلية الفنزويلي، ذا الأصول السورية طارق العيسمي، ساهم بشكل كبير في خلق شبكة لغسيل الأموال تخص جماعات تابعة لإيران و”حزب الله” اللبناني. حتى باتت هذه الجماعات تعبر العديد من القارات والدول لتصل إلى العراق وسوريا ولبنان، وفنزويلا وغيرها، الأمر الذي عزز من أواصر العلاقة التجارية وتبادل عمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات مع أنقرة.

الفساد ينخر المؤسسات التركية؟

تركيا برزت كمركز لغسيل الذهب لصالح “الحرس الثوري” طبقا لما يؤكده الباحث في العلاقات السياسية والدولية التركية، محمد أمين أوغلو، لـ”الحل نت”. فـ “الحرس الثوري” الإيراني، هي منظمة عسكرية إيرانية تتمتع بقدر كبير من القوة والنفوذ على الاقتصاد الإيراني، وتم توثيق تورطه في تجارة الذهب التركية بشكل جيد من قبل العديد من الصحفيين الاستقصائيين والوكالات الحكومية، حيث يستغل “الثوري” الإيراني وفروعه بنشاط سوق الذهب التركي للالتفاف على العقوبات الأميركية.

إيطاليا تحظر رحلات "ماهان" الإيرانية - موقع "العربية"
إيطاليا تحظر رحلات “ماهان” الإيرانية – موقع “العربية”

طريقة عمل هذا المخطط بسيطة، وفقا لأمين أوغلو، حيث يقوم “الحرس الثوري” بتهريب ذهبه إلى تركيا ثم تحويله إلى نقد عن طريق شراء وبيع الليرة التركية. ثم يتم استخدام الأموال النقدية في شراء سلع يمكن بيعها أو شحنها بسهولة إلى إيران. 

تجارة الذهب غير المشروعة ساعدت إيران على التّهرب من العقوبات الأميركية والاستمرار في تمويل عملياتها العسكرية. ومن المعروف أن شبكة مهربي الذهب هذه في تركيا مرتبطة بالنُّخب السياسية والشركات المرتبطة بالحزب الحاكم في تركيا.

السلطات التركية اتخذت إجراءات للحدّ من تجارة الذهب غير المشروعة، طبقا لحديث أمين أوغلو، لكن هذه الجهود غالبا ما تُحبط بسبب التدخل السياسي والفساد. اللوائح التنظيمية المتساهلة في تركيا وسجلّها السيئ من الحوكمة تجعل البلاد وجهة جذابة للشبكات الإجرامية المتورطة في غسيل الأموال. 

في آب/أغسطس 2020، الطيران الإيراني استأنف الرحلات إلى تركيا، وفي نيسان/أبريل الجاري، دعت إيران إلى تنظيم رحلات طيران مباشرة بين ولاية طرابزون التركية ومدنها، مبيّنة أن ذلك سينعكس إيجابا على الحركة السياحية والتجارية بين البلدين، وأنهم يرغبون في نقل التبادل التجاري بين طرابزون وإيران، إلى مراحل متقدمة.

مناجم الذهب الجوية

تورط أنقرة في غسيل الأموال لصالح “الحرس الثوري” الإيراني، يُعتقد أنه قد بدأ في أوائل عام 2010، عندما كانت العلاقات التجارية التركية الإيرانية تتوسع بسرعة. وبحسب التقارير، فقد استُخدمت البنوك التركية لتحويل مليارات الدولارات نقدا إلى إيران، للالتفاف على العقوبات الدولية. 

بعض هذه الأموال استُخدمت لتمويل أنشطة “الحرس الثوري”، فموقع تركيا الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا يجعلها أيضا مركزا جذابا للأنشطة المالية غير المشروعة.

“ماهان إير” هي شركة طيران إيرانية متهمة بنقل أسلحة وأموال وأفراد من “الحرس الثوري”. تم فرض عقوبات على شركة الطيران الإيرانية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى لتورّطها المزعوم في أنشطة إرهابية. تشير تقارير الاستخبارات الأميركية إلى أن “ماهان إير” استخدمت رحلاتها لنقل النقود والذهب وأشياء ثمينة أخرى إلى إيران، والتي تُستخدم بعد ذلك لتمويل عمليات “الحرس الثوري”.

تبعا لما أشار له أمين أوغلو، فإن موقع تركيا وسوقها الواسع للذهب جعل منها وجهة مثالية لغسيل الذهب وتحويله إلى نقود لـ “الحرس الثوري”. حيث شارك تجار الذهب الأتراك في شحن الذهب إلى دبي، حيث يتم بيعه نقدا ونقله إلى إيران. ثم يتم استخدام هذه الأموال لتمويل أنشطة “الحرس الثوري”.

فنزويلا بدورها أيضا متهمة بنقل الذهب إلى إيران للمساعدة في تمويل أنشطة “حزب الله” اللبناني. فوفقًا للتقارير، باعت شركة التعدين المملوكة للدولة في فنزويلا الذهب إلى المصافي التركية، التي تقوم بعد ذلك بمعالجة الذهب وتحويله إلى أموال  للنظام الإيراني.

برأي أمين أوغلو، من المتوقع أن تورّط أنقرة في غسيل الأموال لصالح “الحرس الثوري” الإيراني، سيؤدي إلى توتر علاقات تركيا مع الولايات المتحدة ودول أخرى. فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد وشركات أتراك يُعتقد أنهم متورطون في أنشطة مالية غير مشروعة. كما ساهم قرب تركيا من الصراع في سوريا وتوتراتها المستمرة مع الدول المجاورة مثل إسرائيل في توتر العلاقات الإقليمية.

الصراع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحروب بالوكالة التي تشارك فيها مجموعات مثل “حزب الله”، أدى إلى زيادة صعوبة مكافحة تمويل الإرهاب على الحكومات. إن الشبكة المعقدة من الجهات الفاعلة المتورطة في النزاع، بما في ذلك الجهات الحكومية وغير الحكومية، تجعل من السهل القيام بالأنشطة المالية غير المشروعة. يمثل تدفق الأموال والموارد إلى الجماعات المسلحة مثل “الحرس الثوري” و”حزب الله” تحديا كبيرا للحكومات ووكالات إنفاذ القانون، ويتطلب جهودا دولية منسّقة للتصدي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات