من المعلوم أن العمل هو حق أساسي لكل إنسان، وهو مصدر للكرامة والرزق والتطور؛ لكن في سوريا، يواجه العمال السوريين تحديات كبيرة في الحصول على فرص عمل مناسبة ومستقرة، وفي ظل هذه التحديات، يضطر العديد من العمال السوريين إلى ممارسة عمل يخالف المؤهلات الدراسية التي حصلوا عليها، أو ما يطلق عليه اسم “الشغل الناقص”، وهذا يعني أن هؤلاء العمال يفقدون جزءا من قدراتهم وإمكاناتهم، ويتعرضون لظروف عمل غير ملائمة أو مجزية.

في إحصائيات جديدة حصل عليها “الحل نت” من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أضاءت على جانب مؤلم آخر من هذا الواقع؛ ارتفاع عدد العمال الذين يعملون في مجالات لا تتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية، ما يدل على أنه ما تزال التحديات تتفاقم، والأمور تتعقّد أكثر فأكثر.

في العام الجاري وحده، ارتفع عدد العمال السوريين الذين يمارسون أعمالا تخالف مؤهلاتهم الدراسية إلى ما يقارب نصف مليون شخص، وهذا الرقم يثير القلق ويدفع للتساؤل عن الأسباب وراء هذه الزيادة الكبيرة في عدد الأشخاص الذين يجدون أنفسهم مضّطرين للعمل في مجالات لا تتناسب مع تعليمهم ومهاراتهم.

بطالة الشباب… اقتصاد سوريا لا يستوعب الخريجين

طبقا لما حصل عليه “الحل نت” من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا، فقد ارتفع عدد العمال السوريين الذين يمارسون عملا يخالف المؤهلات الدراسية التي حصلوا عليها، إلى نحو ما يقارب نصف مليون في العام الجاري، وكان عدد السوريين الذين يعانون من العمل في غير مجالاتهم ويطلق عليه اسم “الشغل الناقص”، قد وصل بحسب البيانات المسجلة إلى 450 ألف حتى نهاية عام 2022.

تعليقا على هذا الرقم، أوضح المراقب في مؤسسة الأشغال السورية، وسيم الزعبي، أن بطالة الشباب هي حالة عدم امتلاك الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما لأي عمل مدفوع الأجر، سواء كان ذلك بسبب عدم توافر فرص عمل، أو بسبب عدم مطابقة المؤهلات الدراسية أو المهارات العملية لمتطلبات سوق العمل، ويمكن قياس معدل بطالة الشباب بقسمة عدد الشباب العاطلين على إجمالي عدد الشباب في سكان البلاد.

الزعبي بيّن لـ”الحل نت”، أن  أسباب بطالة الشباب في سوريا، دمار كبير في البنية التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية، مما أثر سلبا على نشاط القطاعات الاقتصادية، وخفّض من مستوى الإنتاج والتصدير والإيرادات. كما أدى إلى نزوح ملايين السوريين داخليا وخارجيا، مما زاد من حجم الفقر والحاجة والإغاثة.

فضلا عن ذلك، يعاني النظام التعليمي والمهني في سوريا من عدة مشاكل، أبرزها انخفاض مستوى الجودة والكفاءة، وعدم مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية، وعدم تلبية احتياجات سوق العمل، وعدم توفير فرص التدريب والتأهيل، وهذه المشاكل تؤدي إلى تخرج الشباب من المؤسسات التعليمية والمهنية بدون المؤهلات أو المهارات اللازمة للحصول على عمل مناسب، ووفقا لتقرير البنك “الدولي”، فإن نسبة التخرج من التعليم الثانوي في سوريا بلغت 52 بالمئة في عام 2018.

كذلك أشار الزعبي إلى أن القطاع العام في سوريا يعتبر أحد أهم مصادر التشغيل للشباب، خصوصا الذين يحملون شهادات عُليا، لكن هذا القطاع يواجه صعوبات كبيرة في توسيع قدرته التشغيلية، بسبب نقص الموارد المالية والإدارية، وزيادة المخصصات والرواتب، وانخفاض الإنتاجية والكفاءة. 

كما يواجه هذا القطاع مشكلات في تحديث قوانين وآليات التشغيل، وتحسين ظروف العمل، وتقديم حوافز وتسهيلات، ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فإن نسبة التشغيل في القطاع العام في سوريا بلغت 25 بالمئة في عام 2017، و15 بالمئة عام 2022.

واقع خريجي الجامعات السورية

 وفقا لدراسة جامعة “دمشق”، فإن نسبة اضطرابات المزاج لدى الشباب العاطل عن العمل في سوريا بلغت 35 بالمئة في عام 2022، حيث يواجه الخريجون الجدد صعوبة في العثور على فرص عمل مناسبة في سوريا نتيجة للوضع الاقتصادي الصعب وقلة فرص العمل، وغالبا ما يضطرون إلى العمل “الناقص” في مجالات لا تتناسب مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية.

الجامعات السورية بحد ذاتها وفق وصف الزعبي، تعاني من تراجع في مستواها العلمي والتعليمي، بسبب النقص في الكوادر التدريسية والإمكانيات المادية، كما تعاني من تزوير الشهادات والغش في الامتحانات والترفيعات الإدارية، وهذا أثّر سلبا على سمعة وكفاءة خريجي هذه الجامعات، سواء داخل سوريا أو خارجها.

خريجو الجامعات يواجهون صعوبة في الحصول على فرص عمل مناسبة لمؤهلاتهم وتخصصاتهم، بسبب انخفاض الطلب على الكفاءات العلمية والفنية، وزيادة المنافسة على الوظائف المتاحة، وانتشار ظاهرة الواسطة والمحسوبية. 

كما يواجهون ظروف عملٍ غير ملائمة أو مجزية، بسبب انخفاض الرواتب والحوافز، وانعدام الأمن والضمان، وتدهور المستوى المعيشي؛ لذلك يضطر بعضهم إلى ممارسة عملٍ يخالف تخصصهم أو مستواهم، أو يُطلق عليه اسم الشغل “الناقص”.

وحتى خارج سوريا يؤكد الزعبي، أن خريجي الجامعات السورية يواجهون عقبات في اعتراف بلدان اللجوء أو التغرّب بشهاداتهم، بسبب اختلاف المناهج والنُظم التعليمية، أو بسبب شكٍّ في صحة هذه الشهادات، كما يواجهون صعوبة في مواصلة دراساتهم أو تطوير مهاراتهم، بسبب نقص المِنح أو التدريبات أو التأهيلات؛ لذلك يضطرون إلى قبول أي عمل يتاح لهم، حتى لو كان دون مستواهم أو تخصصهم.

حالة سكان سوريا عام 2025

مؤشرات النمو السكاني التي أوردها تقرير حالة سكان سوريا عام 2010، كشفت عن أن نسبة الحاصلين على تعليم جامعي سترتفع إلى 17 بالمئة من مجموع السوريين بحلول عام 2025، و زيادة أعداد الطلاب في المرحلة التعليم الأساسي من 4.66 ملايين طالب في عام 2009 ليصل إلى 5.95 ملايين تلميذ في عام 2025.

وفقا لموقع “بابيوليشن بيرميد” المعني بالهرم السكاني، من المتوقع أن يبلغ عدد سكان سوريا حوالي 25.4 مليون نسمة في عام 2025، كما أن معدل الزيادة السنوي سيكون بحوالي 1.1 مليون نسمة.

تقرير حالة سكان سوريا الذي أصدرته الحكومة السورية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، لفت إلى أن حالة السكان في سوريا تأثرت بشكل كبير بالصراع المسلح والعقوبات الاقتصادية والحراك السكاني، وأشار التقرير إلى أن التغيرات الديموغرافية التي طرأت على البلاد منذ العام 2011، تسببت انخفاض معدل النمو السكاني من 3.3 بالمئة خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، إلى 0.04 بالمئة بين عامي 2010 و2014.

كذلك ارتفاع معدل المغادرة من البلاد من 0.7 بالمئة في عام 2010 إلى 6.8 بالمئة في عام 2019، بسبب نزوح وهجرة ملايين السوريين داخليا وخارجيا. وانخفض معدل المواليد من 28.7 في عام 2010 إلى 23.8 بالمئة في عام 2019، بسبب تأثيرات نفسية وصحية واقتصادية وثقافية.

بحسب “مركز جسور للدراسات”، فإن هناك ثلاثة أنواع من العوامل التي تؤثر على التغير السكاني في سوريا، منها العوامل التي تتعلق بالديناميكية السكانية داخل سوريا، مثل معدلات الميلاد والوفاة والزواج والطلاق والخصوبة والموروثية، والعوامل التي تتعلق بالحركة السكانية بين سوريا والدول المجاورة أو البعيدة، مثل معدلات الهجرة والنزوح والعودة والتغرب والاندماج.

كذلك العوامل التي تتعلق بالظروف السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي تؤثر على العوامل الداخلية والخارجية، مثل الصراع المسلح والعقوبات الاقتصادية والأزمات الإنسانية والأوبئة.

هذا الوضع يعكس الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا، والتي تجعل الكثير من الشباب والعائلات يواجهون تحديات هائلة في سبيل توفير احتياجاتهم الأساسية؛ فالعمل “الناقص” في مجال غير مؤهل لهم يمثل ضغطا إضافيا على هؤلاء العمال، إذ يجدون أنفسهم في مأزق بين ضرورة كسب لقمة عيشهم وبين تطلعاتهم للعمل في مجال يناسب تعليمهم ومهاراتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات