لوموند 8/9/2015

كان ذلك منذ سنتين وبضعة أيام، عندما استعدت #فرنسا لضرب ثكنات الجيش السوري جنباً إلى جنب مع #الولايات_المتحدة رداً على قصف النظام السوري لضواحي #دمشق بالأسلحة الكيماوية. ذلك المخطط الذي تم تعليقه في آخر دقيقة بسبب التراجع الأمريكي. اليوم تغير المشهد، لم تعد دمشق معقل #الأسد هي محط أنظار هيئة الأركان الفرنسية، وإنما الرقة وجرابلس وإعزاز معاقل الدولة الإسلامية في شمال #سوريا.

 

إن إعلان فرانسوا #هولاند في 7 أيلول بأن الطائرات الفرنسية المشاركة في التحالف الدولي ضد الجهاديين قد استعدت للتدخل في سوريا، حيث كان يقتصر دورها حتى ذلك الحين على #العراق، هو تحول دبلوماسي كبير. عبارة إسقاط النظام، الخط الأحمر للسياسة الخارجية الفرنسية منذ بداية الثورة ضد الأسد في 2011، يخلفها اليوم موقف أكثر تدني على غرار الموقف الأمريكي الذي يفضل احتواء الأزمة ومحاربة الإرهاب الجهادي.

يشير الأستاذ الجامعي توماس بيريت المختص في الشؤون السورية إلى أن “فرنسا تصطف تدريجياً مع الموقف الأمريكي والروسي بحماية دمشق والساحل العلوي. هو ليس تحول بقدر ما هو تنازل. القادة الفرنسيين لن يتوجهوا إلى دمشق لمصافحة الأسد. فهو أمر غير مقبول بينما يستمر الأسد بذبح شعبه بطائراته. لكن فرنسا تصطف مع الموقف الأمريكي الذي يقول: لا يمكننا فعل شيء باستثناء تنظيم مؤتمرات حول بحيرة “ليمان” ( #جنيف ). هذا الرفض بإضعاف النظام السوري يندرج ضمن ما يعتبر سياسة الأمر الواقع في الحفاظ على دمشق والساحل العلوي حيث معاقل الأسد، وحيث لا يرغب الغرب ولا روسيا أن يقعا في أيدي الثوار.

بحسب رئيس الدولة في مؤتمره الصحفي، فإن طائرات استطلاع ستبدأ جولاتها فوق سوريا يوم الثلاثاء. وأكد أنه: “بحسب المعلومات المتجمعة سنكون جاهزين لتنفيذ ضربات”. وعلى خلاف ما طالبت به بعض الأصوات اليمينية، فقد استبعد هولاند أي تواجد عسكري على الأرض السورية معتبراً ذلك خطوة غير محسوبة العواقب وستكون بمثابة قوة احتلال وهي غير واقعية. ولا يمكن لفرنسا أن تقوم لوحدها بهذا عمل.

باريس رفضت حتى الآن المشاركة في الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية في سوريا منذ أيلول 2014 لسببين: عدم المشاركة بلعبة بشار الأسد الذي يعتبر كل من يقاوم سلطته إرهابياً، والقناعة بعدم جدوى هذه الضربات في ظل عدم وجود تغييرات على الأرض ضمن عملية سياسية ذات مصداقية. وقد رفضت الدبلوماسية الفرنسية التمييز بين الدولة الإسلامية ونظام الأسد، فهي ترى أن أحدهما يغذي الآخر. من هنا جاء دعمها للمعارضة المسلحة المعتدلة لمحاربة كلتا الجبهتين.

هجمات كانون الثاني في باريس:

لتبرير تغير موقفه، يستند هولاند لظاهرتين حديثتين: ازدياد خطر الإرهاب في #أوروبا الذي تغذيه عودة الجهاديين غير السوريين الذين طوعتهم الدولة الإسلامية، وأزمة اللاجئين.

هذا التحول الذي نعترف به بعد صدمة هجومي #شارلي_إبدو و #هيبر_كاشير في بداية العام، وضع مبدأ “لا بشار ولا الدولة الإسلامية” على المحك. طبعاً كرر فرانسوا هولاند أنه لا يمكن لبشار الأسد أن يكون جزءاً من الحل. لكنه ترك الباب مفتوحاً على مرحلة وسطية بإعلانه بأن مسألة رحيل بشار ستطرح “في لحظة أو في أخرى”. بمعنى ليس على الفور.

بطبيعة الحال، الطائرات الفرنسية لن تخترق الأجواء السورية دون علم النظام. فالتنسيق مع الجيش السوري لا مفر منه. الولايات المتحدة ترى أن الإزعاج الذي يسببه التعاون غير المرغوب فيه، لا يقارن بفوائد الوجود في الأجواء السورية. لكن بالنسبة لفرنسا فإن هذه العملية الحسابية تبدو أكثر جدلية.

“ماذا سيحدث لو صادفت طائرة الرافال طائرة ميغ سورية عائدة من قصف حلب؟ – يسأل محلل فضل عدم الكشف عن اسمه – ألا تكون مصداقيتنا قد انتهت؟”.

فاعلية التدخل الفرنسي تعتمد بشكل كبير على التنسيق بين باريس عندما تشن غاراتها مع المعارضة السورية. فهم يسيطرون على عشرات الكيلومترات من الجبهة شرق #حلب، ومحاربو الأسد يمتلكون الكثير من المعلومات عن أعدائهم الجهاديين.

البنتاغون يرفض دوماً الاستفادة من التعاون مع مجموعات المعارضة وحتى المعتدلة منها. موقف سخيف لواشنطن عندما لم تنجد القوى السورية المحاربة للدولة الإسلامية وهي من صنع هذه القوى، فهم لم يصلوا حتى وجدوا أنفسهم تحت مرمى نيران #جبهة_النصرة الفرع المحلي للقاعدة.

من الواضح أن هولاند يأمل أيضاً ببعض التداعيات الدبلوماسية للضربات المستقبلية. ففي طول فترة الصيف كانت وزارة الخارجية تتابع المشاورات بين جون كيري ونظيره سيرغي #لافروف. وفي مشاركتها بالقتال ضد الدولة الإسلامية في سوريا فإن فرنسا تمد يدها لشريكها الأمريكي الوحيد في هذه الجبهة وتقوي موقفه بمواجهة #موسكو. لكن إن لم يتم إيجاد مخرج ذو مصداقية للأزمة سريعاً فإن هناك خطراً كبيراً بأن يصبح موقف فرنسا غير مسموع. وللحفاظ على هامش من المرونة، فإن رئيس الدولة بيّن أن فرنسا ستعمل بالاتصال مع التحالف وليس ضمنه. لكن ليس من المؤكد إن كان هذا كافياً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.