في القوقاز “رمضان قاديروف” عرّاب الجهاديات

في القوقاز “رمضان قاديروف” عرّاب الجهاديات

نشرت صحيفة ليبراسيون، أمس، تقريراً عن “رمضان قاديروف”، الرئيس الشيشاني المعروف باستبداده والذي يقوم باستقبال النساء الجهاديات العائدات إلى روسيا بكل لطف كي يتمكن من مراقبتهن والسيطرة عليهن فيما بعد، واصفةً إياه بعرّاب النساء الجهاديات. حيث يُقدر عدد نساء وأطفال عوائل جهاديي تنظيم “داعش” والذين تمت إعادتهم إلى روسيا بحوالي 200 شخص حتى الآن.

فبحجابها الأحمر اللامع الذي يحيط بوجهها الرقيق، تنفجر “زاجويدات أباكاروفا” صارخةً في وسط ركّاب روس يجلسون حولها في الباص. وفي إحدى المقاهي الغير معروفة في حي سكن الطلبة في موسكو، تروي قصتها عن امرأة شابة من داغستان، شمال القوقاز، اقتادها زوجها عنوةً إلى سوريا في العام 2014، حيث كان هذا الزوج قد أقسم بالولاء لتنظيم “داعش”. وقد عادت إلى بيتها بعد موت زوجها في العام 2017. وما زاجويدات إلا واحدة من حوالي 200 امرأة وطفل من عوائل الجهاديين الذين تمت إعادتهم إلى روسيا تحت رعاية الزعيم الشيشاني رمضان قاديروف.

وبصوتٍ رقيق وبحرصٍ شديد وهي تنتقي كلماتها بعناية، تقول هذه المرأة الشابة: “لقد بحثت عن حل للخروج من ذلك المأزق لمدة ستة أشهر دونما جدوى. وبعد ذلك، سمعت من بعض النساء الشيشانيات اللواتي كنت أعرفهن بأنه بإمكاننا التوجه بالنداء لرمضان قاديروف الذي يساعد النساء الروس على العودة إلى بلادهن”. وبذلك اتصلت زاجويدات بالسلطات الشيشانية التي أرسلت لها بدورها تعليمات بضرورة أن تسلم نفسها إلى القوات الكردية. وتضيف مستذكرةً: “لقد تمكنا من إيجاد دليل قام بإيصالنا إلى خطوط الجبهة الأمامية، ومن ثم أخذنا الأكراد. وقد بقيت مع أطفالي ومجموعة من النساء الأخريات في سجون الأكراد لمدة أربعة وعشرون يوماً. وبعد ذلك، تم تسليمنا للروس، حيث قاموا بوضعنا على متن طائرة تابعة للجيش والتي أخذتنا إلى اللاذقية (ألقاعدة الرئيسية للجيش الروسي في سوريا). وبذلك تمكنا من أن نأخذ حماماً ونغير ثيابنا. لقد كنا متسخين وجائعين بشكل لا يمكن تصوره وكدنا نموت من البرد. بعد ذلك، حملتنا طائرة أخرى إلى غروزني، بلادنا”.

بروباغاندا فعّالة جدا لتنظيم “داعش”
ويشير التقرير إلى أنه وفي ذروة نشاطات تنظيم “داعش”، فإن المواطنين الروس كانوا يشكلون ثالث أكبر مجموعة بين الأجانب في دولة “الخلافة”. ومنذ عام 2017 وبداية هزيمة التنظيم عسكرياً في كلّ من سوريا والعراق، تمكن الناطقون باللغة الروسية من احتلال المرتبة الأولى. ومن الصعب إحصاء عدد هؤلاء الجهاديين الروس بشكلٍ دقيق، لكن وبحسب الخبراء والمختصين، فإنه يمكن القول إن هناك حوالي ثلاثة آلاف شخص يتوزعون ما بين جيب إدلب والسجون الكردية وكذلك السجون السورية والعراقية. والغالبية العظمى من هؤلاء الجهاديون الروس آتية من القوقاز في الشمال. ففي هذه المنطقة من روسيا، التي تعاني منذ ما يقارب من ثلاثين عاماً من النزاعات العرقية والدينية المستمرة والتي تعاني كذلك من الفقر والفساد، كانت دعاية تنظيم داعش فعّالة جداً. حيث تقول إيكاترينا سوكيريانسكايا، مديرة مركز تحليل النزاعات والوقاية منها في الاتحاد السوفييتي السابق، موضّحةً: “لقد تزامن ظهور تنظيم داعش وازدياد قوته في العام 2014 مع اشتداد قمع الحركات الأصولية في شمال القوقاز”. وتضيف: “إن تنظيم داعش ومع ثمانية ملايين مواطن يقطنون دولته المزعومة وإمكانية العيش في ظل مجتمع إسلامي، أظهر نفسه وكأنه “جهاد خمس نجوم””. لذلك، فإن عدّة آلاف من المقاتلين الروس أقسموا بالولاء لهذا التنظيم الإرهابي والتحقوا بصفوفه في كلّ من سوريا والعراق.

وبحلول شهر حزيران من العام 2017 وسقوط الموصل، تعرّفت أم على طفلها ويدعى بلال تاجويروف وهو يتجوّل بين الأنقاض، وذلك من خلال صور تم بثها في تقرير على التلفزيون الروسي. فقبل عدّة سنوات من هذه الحادثة، تم اقتياد هذا الطفل عنوةً من قبل أبيه إلى سوريا ومن ثم إلى العراق، مستغلاً طلاقه من أمه. فتوجّهت أم بلال إلى الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف كي تتمكن من استعادة طفلها. هذه القضية التي تم تداولها بشكلٍ كبير في وسائل الإعلام المختلفة، أثارت الكثير من التعاطف في روسيا. وفي الثامن من شهر آب من العام ذاته، عاد بلال تاجويروف إلى حضن أمه.

وتروي خيدا ساراتوفا، المقرّبة من رمضان قاديروف كيف بدأت القصة، قائلةً: “مع بلال، بدأ كل شيء”. حيث وجدت هذه السيدة، العضو في مجلس حقوق الإنسان والوجه البارز في المجتمع المدني الشيشاني، نفسها في قلب شبكة لإعادة نساء وأطفال الجهاديين الروس في تنظيم داعش. وبذلك بدأت ساراتوفا العمل. حيث تقول: “إنها المهمة الأهم التي أسندت إلي في حياتي”. وتضيف: “بعد عودة هذا الطفل، تلقينا المزيد والمزيد من الطلبات. وبدأنا في معالجتها تباعاً”.

شبكة قوية
ويبين التقرير آلية عمل فريق قاديروف. فليس هناك عمليات منتظمة في منطقة مزّقتها الحروب ولا شيء ثابت فيها، وإنما يتم معالجة كل حالة على حدة. حيث تتمثل المرحلة الأولى في تحديد أماكن تواجد الأشخاص المطلوبين. ويتم ذلك من خلال مجموعات الحوار على الواتس أب أو على التلغرام والتي تجمع النساء المتبقيات على الأرض هناك وتلك اللواتي عدن إلى روسيا، ومن خلال المشتتين الشيشان في الشرق الأوسط لاسيما في الأردن، وكذلك من خلال شبكات العلاقات الشخصية للمسؤولين الشيشان في الدول العربية. ورمضان قاديروف نفسه، ابن أحمد قاديروف المقاتل والمجاهد السابق من أجل الاستقلال عن الكرملين، لديه شبكة قوية جداً في الشرق الأوسط.

وتوضح ساراتوفا أنه وبمجرد أن يتم تحديد مكان الشخص المطلوب، تقوم هي شخصياً بإرسال كافة المعلومات والإحداثيات عنه إلى جهة اتصالها في قوات الأمن الشيشانية. وبذلك يتخذ رجال هذه القوات على الأرض ما يلزم لتنظيم إعادة هذا الشخص. فمن ضمن القوات الروسية العاملة في سوريا لمساندة نظام بشار الأسد، هناك في الحقيقة مجموعة مهمة من الشرطة العسكرية ومعظم مقاتلي هذه المجموعة هم من أصل شيشاني. وإن كان هؤلاء المقاتلون يتبعون رسمياً لوزارة الدفاع الروسية وليس للسلطات الإقليمية الشيشانية، فإنهم يشكلون إمداداً وبديلاً حقيقياً للسلطات الشيشانية على الأرض هناك. حيث يتم التسفير من خلال المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية. الأمر الذي يسمح بإعادتهم دون المرور عبر النظام السوري الذي لا يبدو متشجعاً كثيراً على تركهم يعودون.

وبحسب الخبراء والمختصين، فإن عدد نساء وأطفال الجهاديين الروس الذين لا يزالون في سوريا يصل إلى حوالي ألفي شخص. وبطبيعة الحال، فإنه لم يعد من الممكن للرجال أن يعودوا. حيث تقول سوكيريانسكايا جازمةً: “لم يعد الرجال يحاولون العودة إلى روسيا منذ حين، فلا شيء ينتظرهم هناك سوى التعذيب وسنوات السجن الطويلة. وقد بات من الأفضل لهم أن يموتوا على الأرض هناك أو أن يهربوا إلى منطقة أخرى من مناطق النزاعات”.

وبعد الوصول إلى غروزني، العاصمة الشيشانية، يتم إرسال العوائل إلى مناطقهم الأصلية. ولا يوجد حتى الآن أي برنامج للمتابعة الصحية والنفسية لهؤلاء الأشخاص. حيث تؤكد سوكيريانسكايا، قائلةً: “السلطات تتفهم ضرورة وجود برنامج لإعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص، لكن كل هذا لا يزال في مراحله الأولى”. وعلى وجه الخصوص، فإنه وبحسب ساراتوفا، فإن أطباء المعهد النفسي يربسكي في موسكو يعملون على إيجاد شراكة مع مجلس الإفتاء، أعلى سلطة للمسلمين في روسيا، بهدف إيجاد برنامج متابعة يجمع ما بين الأطباء النفسيين ورجال الدين.
أما فيما يتعلق بالعواقب القضائية المترتبة على عودة النساء الجهاديات إلى روسيا، فهي تختلف بشكلٍ كبير باختلاف الإقليم الأصلي لهذه النسوة. ففي كلّ من جمهورية قبر دينو – بلقاريا وداغستان، فإن النسوة العائدات يتم الحكم عليهن بشكلٍ عام بعقوبة السجن والتي تتراوح ما بين ستة وثمانية عشر عاماً بتهمة “دعم الإرهاب”. وهي عقوبة يتم تأجيلها ريثما يبلغ أطفال المرأة، إن كان لديها أطفال، عمر الرابعة عشر. أما في الشيشان، فإن السلطات تبدو أكثر تساهلاً مع هاتين النسوة، حيث لم يتم حتى الآن إصدار أي حكم بالسجن بحق امرأة عادت من أراضي تنظيم داعش. لكن في المقابل، يتم إخضاع هذه النسوة لرقابة قضائية شديدة ووثيقة.

ولعل من المفارقات أن الإقليم الأكثر تشدداً مع الجهاديين الإسلاميين المحليين هو ذاته الأفضل من حيث شروط المعيشة لنساء الجهاديين السابقين. حيث يقول ألكساندر تشيركاسوف، مدير منظمة ميموريال الغير حكومية والمختصة بالقوقاز الروسي، محللاً: “يعلم رمضان قاديروف جيداً أن أول شخص سيحكم عليه بعقوبة ثقيلة سيكون آخر من يعود إلى الشيشان”. وبالتالي فإن هذه القضية تعتبر فرصة للزعيم الشيشاني والذي لا ينوي تفويتها. حيث يوضّح تشيركاسوف قائلاً: “لقد جعل رمضان قاديروف من نفسه شخصاً لا غنى عنه من قبل الكرملين في كل مسألة تمس الشيشان. ومشكلة إعادة عوائل الجهاديين تشكل جزءاً من اللغز الروسي في سوريا، والتي لا يستطيع أحد غير قاديروف التحكم بها. وبذلك بات الزعيم الشيشاني عنصراً أساسياً في السياسة الخارجية الروسية. ومن خلال مساعدته في عودة هذه العوائل إلى القوقاز، فإن قاديروف يظهر نفسه وكأنه قائد للمسلمين في روسيا”.

اضطهاد ممنهج
وتشير ليبراسيون إلى أنه وبحسب عدّة مصادر ومنذ بداية عام 2019، فإن موسكو، التي كانت قد أعطت كرتاً أبيضاً لرمضان قاديروف، قد عادت ووضعت يدها على ملف العائدين من عوائل الجهاديين من خلال وزارة الخارجية والمخابرات الفيدرالية. ومنذ ذلك الحين، تقلّص عدد العوائل الجهادية العائدة بشكلٍ ملحوظ ولم تعد تشمل سوى الأطفال. لكن وبكل الأحوال فإن الزعيم الشيشاني يبقى شريكاً أساسياً في هذه المبادرة. والتزام قاديروف هذا كان عرضةً لانتقادات مجموعة المدافعين عن حقوق الإنسان في روسيا. فبالنسبة لهذه الأخيرة، تبقى السلطة الاستبدادية عدوّها الأول. ويبقى قاديروف مسئولاً عن العديد من عمليات اغتيال المعارضين والصحفيين، بالإضافة إلى الاضطهاد الممنهج للمثليين الجنسيين في منطقته.

وتنبري سوكيريانسكايا للدفاع عن قاديروف في ملف إعادة عوائل الجهاديين، منتقدةً: “في هذه المسألة بالذات، فإن رمضان قاديروف قد تخطى ما يمكن أن تفعله أوربا نفسها!”. وتضيف: “حتى الأشخاص الأكثر انتقاداً للزعيم قاديروف لا يمكنهم سوى إقرار ما يفعله في هذا الملف”. ويشير تشيركاسوف بهذا الخصوص بأن قاديروف هو الزعيم الوحيد الذي يمتلك رؤية على المدى البعيد في القوقاز “فهو لا يريد أن يتكرر الشتات الشيشاني في الخارج”.

من جهتها، تختم ساراتوفا حديثها لليبراسيون بالقول: “في هذه الحرب، يمكن شراء الحرية. هؤلاء الأطفال سيعودون إلى روسيا عاجلاً أم آجلاً سواء راقبناهم أم لم نفعل. لا يمكننا أن ندير لهم ظهرنا. لكن السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه هو: كيف نريد لهم أن يعودوا؟ هل نعيدهم كأشخاص تحت السيطرة وكأناس ممتنين لأنه تم إنقاذهم من قبل بلادهم، وحيث يمكن للشرطة والمخابرات متابعتهم ومراقبتهم؟ أم يعودوا بشكل سري حاملين سلاحهم في يدهم كأناس تخلت عنهم بلادهم؟”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.