التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في العراق: جريمة اجتماعية تُلقى مسؤوليتها على النساء

التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في العراق: جريمة اجتماعية تُلقى مسؤوليتها على النساء

إزدادت ظاهرة التخلّي عن الأطفال حديثي الولادة في العراق خلال السنوات العشر الأخيرة. وبالتحديد بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش عام 2014. ما دفع منظمات حقوقية ومختصين للتحذير من تفاقهم تلك الظاهرة. وضرورة إيجاد حلول عاجلة لحماية الأطفال.

منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) قالت إن «العالم مقصّر في انقاذ حياة الأطفال حديثي الولادة، الذين ما يزال معدل وفياتهم مرتفعاً بشكل خطير. لا سيما في البلدان الأشد فقراً». إلا أن التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في العراق لا يرجع فقط للفقر المستشري بين المواطنين. فقد ردت منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان أسباب هذه الظاهرة إلى تزايد حالات الاعتداء الجنسي، الذي تعرّضت له النساء العراقيات. سواء على أيدي تنظيم داعش، وغيره من الميلشيات. أو نتيجة تفشي العنف الاجتماعي والأسري. فضلاً عن حالات الحمل غير المرغوب فيه اجتماعياً. الناتج عن علاقات خارج إطار الزواج.

هكذا يزداد التخلي عن الأطفال حديثي الولادة. ويتم رميهم في مكبات النفاية، أو على أبواب المساجد والمؤسسات الخيرية. أو تركهم ببساطة في مستشفيات التوليد.

 

الاعتداء الجنسي أحد أهم أسباب التخلي عن الأطفال

“نادية”، اسم مستعار لفتاة إيزيدية، تعرضت للاعتداء الجنسي المتكرر من قبل عناصر تنظيم داعش. وكانت ممن قاموا بالتخلي عن أطفالهم.

الناجية الإيزيدية تقول، في حديثها لـ«الحل نت»، إن «الحمل كان الحل الوحيد، الذي يوقف عناصر التنظيم عن الاعتداء الجنسي على النساء. ولأنها كانت تخشى أن تلتزم بطفل لا تعرف هوية أبيه. قررت التخلي عنه بعد ولادته».

وتتابع: «كنت في شهر الحمل الثامن عندما تم تحريرنا من داعش. وتمكنت من الولادة على يد قابلة، في إحدى قرى شمال العراق. فطلبت منها أن تأخذ الصغير، لأني لا اعرف لمن أنسبه. وليست لديّ القدرة على تربيته والاعتناء به».

إلا أن التخلي عن الأطفال حديثي الولادة لا يقتصر على الناجيات من اعتداءات داعش. ففي حالة “ليلى”، وهي امرأة تعاني اختلالاً عقلياً، وتعيش في منطقة “الكرادة” ببغداد، كان المعتدون أشخاصاً مجهولي الهوية. ربما يكونون من أهالي المنطقة ذاتها. مستغلين عدم قدرة “ليلى” على الدفاع عن نفسها، بسبب مرضها وفقرها.

أحد أصحاب المحلات من جيران “ليلى” أكد لموقع «الحل نت» أن «أهالي المنطقة فوجئوا بـ”ليلى” حاملاً. واستطاعوا أن يفهموا منها أنها تعرّضت للاعتداء الجنسي. وبعد اختفائها لأشهر عادت إلى المنطقة. ولدى سؤالها عن طفلها قالت إنها رمته في إحدى الحدائق وهربت».

 

مدى ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة

«إن ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة باتت إحدى أهم القضايا التي تخيف المجتمع. فهناك جيل قد ينشأ في ظروف غامضة. تضطره الى التشرّد والإجرام. ما يجعلها جريمة بشعة بحق الإنسانية والطفولة». بحسب “ياسر إسماعيل”، رئيس “منظمة نايا لحفوف الإنسان”.

إلا أن “إسماعيل” لا يحمّل وزر الجريمة للنساء، اللواتي اضطرتهن الظروف للتخلي عن الأطفال حديثي الولادة. بل للدولة والمجتمع العراقي بأكمله. فـ«الأوضاع المادية السيئة. والحمل نتيجة الاعتداء الجنسي. وحالات الطلاق والتفكك الأسري. وتهديد النساء بالموت في حال قمن بعلاقة خارج إطار الزواج، كلها أسباب تترك النساء وحيدات في مواجهة المجتمع والظروف الصعبة. وتدفعهن للتخلي عن أطفالهن».

مبيناً، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «محافظة بغداد سجّلت في العام الماضي وحده خمس حالات تخلي عن الأطفال حديثي الولادة. منهم ثلاثة ذكور واثنتين من الإناث. تم رمي أربعة منهم على قارعة الطريق. والخامس تُرك في المشفى الذي ولد فيه. ولم نستطع معرفة أسباب التخلي عن هؤلاء الأطفال. أو تحدد هوية ذويهم»

ولا تتوقف حالات التخلي عن الأطفال حديثي الولادة على بغداد فقط، فقد شهدت محافظة كركوك شمالي العراق تصاعداً للظاهرة نفسها.

“نجم الدين نوري”، مدير مكتب كركوك لمنظمة “حماية الأطفال في كردستان”، يؤكد لموقع «الحل نت» أن «التخلي عن الأطفال حديثي الولادة بات ظاهرة معروفة  في المحافظة. فيما لا تملك الحكومة العراقية، ولا حتى المنظمات الخيرية والمدنية، أماكن لإيواء هؤلاء الأطفال».

ويتابع: «تقدمنا بمشروع لبناء مركز في بغداد لإيواء الأطفال المُتخلى عنهم. ولكننا نعاني من مشاكل مادية. ولا نستطيع البدء بالمشروع حالياً. ولم تبد أية جهة، حكومية أو غير حكومية، استعدادها لدعم المشروع».

 

هل تتخلى الدولة والقانون أيضاً عن الأطفال؟

وبناءً على إفادة “نوري” حاول موقع «الحل نت» التواصل مع أطراف في الدولة العراقية. لمعرفة الدور الحكومي في معالجة ظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة.

ضابط كبير، يعمل في مديرية حماية الأسرة والطفل، التابعة لوزارة الداخلية العراقية، أكد للموقع أن «الأطفال المتخلى عنهم يتم تسليمهم لشرطة الأحداث. بسبب تعذّر التعرف على هوية ذويهم».

الضابط، الذي رفض نشر اسمه، أضاف أن «مديرية حماية الأسرة والطفل في وزارة الداخلية العراقية تقوم بالإجراءات والمعاملات الرسمية لهؤلاء الصغار. إذ يوجد في كل المحافظات العراقية قسم لشرطة الأحداث، والشرطة المحلية، وقسم لحماية الاسرة. وعندما يتم التخلي عن الأطفال حديثي الولادة تُعدّ الشرطة أوراقاً رسمية لهم، وترفعها الى قاضي التحقيق. ومن ثم ترسلهم الى المشافي للحفاظ على حياتهم. وبعدها يقوم قاضي التحقيق بالأمر بإيداعهم في دور الأيتام التابعة للدولة».

ولم يدل المصدر بتصريحات حول أوضاع دور الأيتام الحكومية وإمكانياتها. وطبيعة المعاملة والرعاية التي تقدمها للأطفال.

ومن الناحية القانونية فإن التخلي عن الأطفال حديثي الولادة جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالسجن. ويوضح القانوني “وسام عبد العزيز” لموقع «الحل نت» أن «المادة ٣٨٣ من قانون العقوبات العراقي، رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩،  تنصّ على أن العقوبة تكون الحبس، إذا وقعت الجريمة عن طريق ترك الطفل أو العاجز في مكان خالٍ من الناس. أو وقعت من قبل أحد من أصول المجنى عليه. أو ممن هو مكلّف بحفظه أو رعايته».

وبالتالي فإن القانون العراقي يكتفي بمعاقبة من يقومون بالتخلي عن الأطفال حديثي الولادة، بصرف النظر عن الظروف الاجتماعية العامة. ومنها الفقر والاعتداء الجنسي والعنف الاجتماعي ضد النساء وعدم توفر دور الرعاية العامة للأطفال. ما يجعل المقاربات القانونية للمسألة قاصرة إلى حد كبير. فهي تحتاج عملاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لتغيير الحالة العامة، التي تدفع الناس للتخلي عن أطفالهم. وهذا ما أجمع عليه معظم من التقاهم الموقع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.