في ظل كورونا.. مسؤولية نساء الكوادر الطبية والتداعيات النفسية

في ظل كورونا.. مسؤولية نساء الكوادر الطبية والتداعيات النفسية

لم يتضح حتى الآن حجم التغيير الذي سببه انتشار جائحة كورونا على حياة السوريين والسوريات، فعوامل التكيف باتت عالية، لكن ورغم مرور أكثر من عام على انتشار المرض، إلا أن العواقب والآثار لا زالت قائمة وفي تزايد.

أثر كورونا على حياة النساء العاملات في القطاع الصحي

“هذه هي المرة الأولى التي نعاصر فيها مرضاً جديداً تماماً، حيث ما يزال خطره مستمرا لمدة تقارب العامين، وإلى الآن القطاع الطبي في سوريا ما يزال يعاني الأمراض المعروفة سابقاً كانت مدروسة، نعرف مسبقاً ما الذي يمكن أن يواجهه المريض وكيف ستكون الأعراض، وما الاحتمالات التي من الممكن الوصول إليها في سير المرض، أما في هذه المرة كنا نتعرف على المرض للمرة الأولى، الخوف يسيطر علينا وكل شيء مجهول ولا شيء متوقع”.

بهذه الكلمات بدأت السيدة منى نعمان (اسم مستعار لممرضة سورية تعمل في مشفى حكومي بمدينة دمشق) الحديث عن جائحة كورونا وتأثيرها على حياتها وهي التي تعمل منذ ثلاثة عشر عاماً في مجال التمريض.

وتتابع “كان من الصعب أن نكون حذرين من شيء لا نعرف ما هو وليس بمقدورنا رؤيته، أولى الآثار بحياتي كانت على الحالة الاجتماعية، كان الخوف يمنعني من المخالطة، بسبب خوفي على عائلتي، أصبحت أتعامل بحذر أكبر عند عودتي للمنزل وأحاول اتباع التعليمات وتنفيذها، والتقاط أكبر قدر من المعلومات عن الفيروس”.

تعتبر منى واحدة من الكثيرات اللواتي يعملن في الأطقم الطبية واللواتي عشن مراحل الخوف المرافق لانتشار المرض وصولاً إلى تأثيراته على جوانب الحياة المختلفة، تأتي حساسية وضع النساء العاملات كممرضات أو طبيبات من طبيعة عملهنّ بين المنزل والخارج فهن مسؤولات عن عوائلهنَّ وأطفالهنَّ في المنزل وعلى احتكاك مباشر مع المرضى في المشافي.

وتتابع “كان خوفي تحديداً على أمي وأختي وأطفالها فأنا أعيش معهم، لم يكن من السهل أخذ الاحتياطات، فالاحتكاك مع المرضى طوال الوقت لا يمكن تفاديه، قمت بفصل كل ما ألمسه أو أرتديه داخل المنزل في مكان خاص، حتى طعامي كنت أتناوله وحدي، بقيت لمدة شهرين وبعدها بدأت أضجر من ذلك”.

بين الخوف الذي يعانين منه على عوائلهن وضرورة العمل الذي يقمن به كممرضات، عاشت العديد من الممرضات السوريات، حالة من القلق الدائم، في سبيل سعيهن للخروج من هذه الأزمة الصحية بأقل الخسارات.

العمل خارج المنزل وداخله

تتسم حياة المرأة في سوريا بأنها نمطية إلى حد كبير، فالمرأة لا زالت هي المسؤولة الوحيدة عن أعمال المنزل والاعتناء بالأطفال، حتى في أوقات حرجة عليها أن تجد الحلول التي تجعلها قادرة على الموازنة بين عملها في خارج المنزل وداخله. معظم النساء اللواتي يعملن ضمن الكوادر الطبية، إما متزوجات ولديهن أبناء، أو لا زلن يعشن مع أهلهن ومسؤولات عن أعمال منزلية بحسب ظروف كل واحدة منهن.

تتحدث سهام العمر “اسم مستعار” عن حياتها بعد انتشار الجائحة العالمية، واشتدادها مؤخرا في سوريا، فتقول: “في القطاع الطبي الكفة دائماً راجحة للعمل على حساب المنزل و كنت معتادة على هذا، لكن ما تغير أنه بعد الجائحة أصبحت أستيقظ صباحا وأقوم بالطبخ من أجل أولادي وزوجي، وأقضي معظم وقتي في المستشفى، وعند إصابتي بالفيروس عزلت نفسي وانتقل زوجي وأولادي للعيش في منزلنا بالريف”.

سببت الجائحة ضغطاً كبيراً على الممرضات من ناحية زيادة ساعات العمل في المستشفى، وصعوبة التوفيق بينه وبين الأعمال المنزلية، وهذه إحدى المسائل الأساسية التي تشكل عبئا على العديد من النساء السوريات، فالعمل المنزلي استعباد للنساء واضطهاد لهن ويزداد ذلك في حال كن عاملات، فلا يمكن لأي امرأة أن تحرز تقدماً في حياتها إن لم تحقق التوازن، وتساهم في الإنتاج أو في تفادي المخاطر التي تصيب البشر، وتبقى حبيسة وظيفتها البيولوجية.

وفي ظل ظرف استثنائي مثل جائحة “كورونا”، زادت القيود على المرأة العاملة في القطاع الصحي، الضغط العملي الذي تعيشه في العمل وخطورة المرض على حياتها وحياة عائلتها من جهة، وانعدام الاهتمام والمساندة في الأعمال المنزلية من قبل الرجال من جهة أخرى، ويبقى من يحدد ما تكونه المرأة وما تفعله هو الرجل مهما كانت الظروف.

أهمية عمل المرأة في ظل كورونا

غالباً ما يطرح عمل المرأة خارج المنزل كموضوع للنقاش، وأهمية دخولها في عالم العمل والإنتاج والتوفيق بينه وبين وظيفتها البيولوجية التي حولتها العادات المجتمعية إلى حالة من الاستعباد.

لقد ترافقت جائحة “كورونا” مع تراجع اقتصادي كبير في سوريا، أدى إلى صعوبة تأمين الأفراد للمواد الأساسية اللازمة، وازدادت نسبة العطالة بعد إيقاف الكثير من الأعمال، في حين جعل ذلك عمل المرأة ضرورة ليس بهدف تحريرها من القيود، وإنما من أجل زيادة الدخل والحفاظ على مستوى معيشي مقبول، فلم يكن بمقدور النساء اللواتي يعملن في الكوادر الطبية التخلي عن عملهن حتى وإن كن مسؤولات عن أطفال صغار، أو والدين متقدمين في العمر.

تقول سمر سلام (اسم مستعار)، لـ”الحل نت”، “مع كل حالة وفاة أو تصريح عن زيادة الإصابات كان عليَّ أن أواجه عائلتي وأقنعهم بضرورة ذهابي للعمل، مواجهة يومية مع والدي الذي يعتقد بأنني غير مضطرة لتعريض حياتي للخطر، أصبحت مشتتة بين خوفي وواجبي لإنقاذ المرضى ومساعدتهم”.

من ناحية أخرى، فإن هناك بعض الظروف التي تجبر المرأة على التخلي عن عملها بسبب طبيعة حياتها كامرأة، فتقول سعاد حمدي (اسم مستعار)، “هناك حالات استثنائية تجبر المرأة على الابتعاد عن عملها، فضمن جائحة كورونا مثلاً لم يكن بمقدور السيدات الحوامل متابعة عملهنَّ، فتأثير المرض لم يكن معروفاً في هذه الحالات وهنا اضطرت الكثير من الممرضات والطبيبات إلى الابتعاد عن العمل و عدم الاحتكاك مع المرضى بشكل مباشر”.

التأثيرات النفسية

تتابع سعاد، الحديث لـ”الحل نت” عن حالتها النفسية ضمن الجائحة، فتقول “أولى التأثيرات النفسية كان الخوف، والإحساس بضرورة التباعد المكاني حتى مع عائلتي، ترافق معه تباعداً نفسياً. التأثير النفسي كان متبايناً بحسب كل حالة فمن الإحباط إلى التفاؤل، مررت كثيراً بإحباط وعجز أمام الحالات المعقدة، وبالمقابل حالات من الفرح عند شفاء أي مريض، العلاقة الروحية التي تُخلق بيننا وبين المرضى كان لها أثر كبير علينا أيضاً، في أحيان كثيرة كنت لا أشعر بجسدي من شدة التعب ويختفي كل ذلك أمام شفاء مريض، وفي حالات أخرى كنت أشعر بأن كل ما تعلمناه لا فائدة منه”.

أشارت منظمة “الصحة العالمية”، في اليوم العالمي للصحة النفسية، وذلك في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلى أن جائحة كورونا، كان لها أثر كبير في زيادات معدلات الاكتئاب والقلق في العالم.

وبحسب التقرير فإن أكثر المتضررين نفسيا هم العاملون في مجال الرعاية الصحية، بسبب احتكاكهم بشكل مباشر مع المرضى والخوف المترافق مع ذلك من العدوى. هنا يمكن القول بأن في سوريا كان للجائحة تأثير مضاعف فهي جاءت في وقت حرج لم فيه تخرج البلاد بعد من صدمة الحرب والخسارات، لتتبعها الجائحة والخوف والقلق، وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة، وكان لذلك أثر كبير على العاملين في المجال الطبي، لاسيما في ظل تدهور البنى التحتية لهذا القطاع، بدءاً بالقلق من المرض ونقص المعدات الطبية، بالإضافة إلى قلة المستشفيات والمراكز التي تستقبل المرضى.

وعن الآثار النفسية على نساء الكوادر الطبية تحدث المعالج النفسي، حسين الحلبي، لـ”الحل نت”، بأن “الآثار النفسية في الأزمات تتوقف على المرونة النفسية للأفراد، وفي الحالة السورية يمكن الاعتبار بأن الأثر النفسي للجائحة على السوريات في الكوادر الطبية هو أقل عند غيرهنَّ من نساء دول العالم، بسبب أنه جاء بعد حالة حرب صادمة مع بعض الاختلاف فالمرض هنا مجهول وما يمكن أن يسببه غير مدروس لذلك سبب قلقاً وخوفاً مختلفين”.

وتابع “غالبا ما تقاس شدة الاضطراب النفسي بتأثيره على ممارساتنا اليومية، وهذا يحتاج إلى بحث وقياس، هناك تكيف كبير ومرونة لدى نسائنا في التعامل مع المرض وتحمل الضغط في ذروة انتشار الجائحة، إلى أن ذلك لا ينفي بأنه قد تكون هناك آثار نفسية عميقة غير واضحة حتى الآن، ومن الممكن ظهور تداعياتها على حياتهن في المستقبل، فالانفعال الجماعي والإثارة العاطفية المشتركة التي سببتها الجائحة أدت لتضخم الإحساس بالتماسك. ما يجب أن تفعله هذه النساء في ظروف مماثلة هو التحلي بالهدوء والاستعداد النفسي لهذا الطارئ”.

لا يمكن رصد جميع التأثيرات النفسية للمرض، والتي لن تتضح بشكل كامل حتى يختفي، فما زال يشكل قلقاً وسبباً في خسارة الكثيرين، بالمقابل يمكن الاعتبار بأن النساء اللواتي يعملن بالمجال الصحي في سوريا واجهن تحديا كبيرا لهن ولعوائلهن، ولقدرتهن على الاستمرار في عملهن وإثبات ذواتهن، ويترتب على ذلك جهد مضاعف في الأيام المقبلة لمحاولة الفكاك من الآثار التي نتجت عن المرض والعودة للحياة الطبيعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.