تسجيل المواليد في إدلب: عدم الاعتراف الدولي بالمعارضة يهدد بجيل من “مكتومي القيد”

تسجيل المواليد في إدلب: عدم الاعتراف الدولي بالمعارضة يهدد بجيل من “مكتومي القيد”

بات تسجيل المواليد في إدلب، وغيرها من مناطق سيطرة المعارضة في سوريا، مشكلة اجتماعية وإدارية ضخمة، تزيد من معاناة سكان تلك المناطق. إذ لم تنجح السلطات، سواء في إدلب أو ريف حلب، باكتساب اعتراف دولي بالوثائق التي تصدرها. ما يهدد مستقبل آلاف الأطفال حديثي الولادة، الذين لم يتمكن أهلهم من تسجيلهم في دوائر حكومة دمشق، التي تعتبر الجهة الوحيدة القادرة على إصدار وثائق تحظى بشرعية دولية.  

“مراد”، البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، يتردد على دوائر النفوس في “حكومة الإنقاذ”، التي تدير محافظة إدلب، بهدف تثبيت زواجه. ومن ثم تسجيل مولوده الأول. على الرغم من عدم وجود أي نوع من الاعتراف القانوني بما تقدمه دائرة السجل المدني التابعة للحكومة المذكورة. ويرى “مراد”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «عمليات تسجيل المواليد في إدلب وتثبيت الزواج ضرورية للسكان، حتى يتم تسجيلهم ضمن المنظمات الإغاثية. إضافة لتسجيل الأطفال في المدارس».

في المقابل يسعى آخرون، وخصوصاً مواليد دمشق وحمص وحماة، الذين يقيمون في إدلب، إلى تثبيت عقود زواجهم، وتسجيل مواليدهم، لدى دوائر الحكومة السورية. من خلال التواصل مع محامين، ودفع مبالغ مالية كبيرة.

“وليد”، البالغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً، دفع مبلغ ستمئة ألف ليرة سورية. لقاء حصوله على وثيقة بيان عائلي من دمشق. ويقول لـ«الحل نت» إن «المسألة سهلة ولا تحتاج إلا للمال. وبذلك جنّبت طفلي أن يكون من فئة “مكتومي القيد”. فلا أحد يعلم ما سيحصل في المستقبل. وتسجيل المواليد في إدلب لا يشكل أي ضمان».

«تسجيل المواليد في إدلب مجرد توثيق وليس تسجيلاً رسمياً»

تمنح الدوائر الحكومية في مناطق سيطرة المعارضة وثائق مدنية عديدة. مثل البطاقات الشخصية، دفاتر العائلة، إخراجات القيد المدني والبيانات العائلية. ما يجعلها تقوم بدور توثيقي هو «في منزلة بين المنزلتين. إذ لايمكن اعتبار المواليد المسجلين مكتومي القيد. كما لايمكن اعتبارهم مسجلين رسمياً». وفقا لـ”غزوان قرنفل”، مدير “تجمع المحامين السوريين”.

“قرنفل” يضيف، في حديثه لـ«الحل نت»، أنه «يمكن إطلاق تسمية “توثيق الوقائع المتعلّقة بالأحوال المدنية، لساكني المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق” على ماتقوم به الدوائر المختصة في تلك المناطق. لكن لا يمكن اعتبار تسجيل المولود في إدلب، وبقية الوثائق الصادرة عن هيئات المعارضة، تسجيلاً رسمياً بالمعنى القانوني. وذلك لأن عملية التسجيل يجب أن تتم في سجلات رسمية وفق الأصول القانونية. ومن قبل موظف يملك صفة وصلاحية قانونية، ممنوحة له من قبل سلطة معترف بها، بوصفها ممثلاً قانونياً للدولة. والحال أن موظفي مناطق سيطرة المعارضة لايملكون تلك الصفة. ولذلك لا تعتبر الوثائق الصادرة عنهم وثائق قانونية. ولا يعترف بها أحد».

من جانبه يوضح “عمار عز الدين”، مدير مكتب محافظة “هاتاي” التركية لـ”رابطة المحامين السوريين”، أن «عمليات تسجيل المواليد في إدلب، التي تقوم بها المؤسسات البديلة، غير معترف بها وفق القانون السوري. واستناداً لقانون الأحوال المدنية السوري رقم /26 /لعام 2007، والمعدّل بالقانون رقم 13 لعام 2021».

ويضيف، خلال حديثه لـ«الحل نت»، أن «عدم الاعتراف بالوثائق الصادرة عن مؤسسات المعارضة، كونها لم تسجّل في السجلات الرسمية للدولة السورية، وفق الإجراءات التي نصّ عليها القانون المذكور، يجعلها غير معترف بها دولياً. لأن التوثيق المدني موضوع سيادي وفقاً للقانون الدولي. لذلك بقيت عمليات تسجيل المواليد في إدلب، وغيرها من مناطق المعارضة، أشبه بعملية توثيق للواقعات. ولم تصبح وثائق بالمعنى القانوني. رغم أن معظم المؤسسات البديلة اتبعت الإجراءات المنصوص عليها في القانون السوري المتعّلق بالأحوال المدنية».

هل ينطبق توصيف “مكتوم القيد” على المواليد في مناطق المعارضة؟

إذا كان ما تقوم به مؤسسات المعارضة، من تسجيل المواليد في إدلب وغيرها من المناطق، غير معترف به قانونياً. فما هو التوصيف القانوني للأطفال المولدين حديثاً هناك؟ وهل يمكن الحديث عن بروز ظاهرة “مكتومي قيد” جديدة في سوريا، وهي الظاهرة التي سبق أن عانى منها آلاف السوريين الكُرد؟

المحامي “غزوان قرنفل” يرى أنه «لا يمكن اعتبار الأطفال حديثي الولادة في مناطق المعارضة، الذين تم توثيق ولاداتهم، مكتومي قيد». مشيراً إلى أنه «يمكن تضمين أي اتفاق للحل السياسي في سوريا بنوداً تتعلق باعتماد ما تم توثيقه في تلك المناطق. وبعد التدقيق فيه، والتثبّت من صحته، يمكن إعادة تسجيل المواليد رسمياً في سجلات الدولة السورية» .

أما المحامي “عمار عز الدين” فلا يتفق مع هذا التوصيف، معتبراً أن «مشكلة تسجيل المواليد في إدلب، والمناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، تجعل أي طفل يتم تسجيله ضمن الدوائر التابعة للمعارضة مكتوم القيد. فبحسب قانون الأحوال المدنية، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /26 / لعام 2007 وتعديلاته: يعدّ مكتوم القيد من كان والده أو والداه مسجلين في القيود المدنية السورية، أو ينتمي أصله للجمهورية العربية السورية، ولم يُسجل ضمن المدة المحددة للتسجيل في قيود السجل المدني، أي خلال ثلاثين يوماَ من حدوث الواقعة».

ويعتبر “عز الدين” أن «عودة ظاهرة مكتومي القيد إلى سوريا سببها سياسة حكومة دمشق الممنهجة منذ بداية النزاع. والتي تتمثل بتدمير الدوائر الحكومية في المناطق الخارجة عن سيطرتها. ومنها دوائر الأحوال المدنية. وعزل فئة من الشعب السوري ثارت ضد السلطات السورية، وحرمانها من حقوقها السياسية، التي كفلها الدستور السوري وميثاق الأمم المتحدة».

مقالات قد تهمك: جيل بلا جنسية في “الركبان”: هل تخلّت الحكومة والمعارضة السورية عن أطفال النازحين؟

ما حلول مشكلة تسجيل المواليد في إدلب؟

وعلى خلاف تسجيل المواليد في إدلب، وغيرها من الوثائق التي تصدرها المعارضة، والتي لا تكلّف إلا مبالغ زهيدة، تتراوح تكاليف استخراج الأوراق المطلوبة لتسجيل مواليد تلك المناطق من مؤسسات الحكومة السورية بين خمسمئة وسبعمئة  ألف ليرة سورية. بحسب مصادر أهلية وقانونية.

“عبير”، البالغة من العمر تسعة عشر عاماً، تمكّنت من تثبيت عقد زواجها من مكان إقامتها بإدلب. اعتمادا على توكيل أحد المحامين الموجودين في دمشق، الذي تكفّل بجميع الإجراءات، مع توصيل الوثائق إلى إدلب. تقول “عبير” لـ«الحل نت» إنها «تسعى لاستكمال عمليات تحصيل الوثائق الثبوتية، لها ولزوجها. والحصول على جواز سفر. لكن ذلك يتطلّب تسجيل مقطع فيديو لها ولزوجها ولطفلها. ثم يتكفّل المحامي ببقية الإجراءات. وتبلغ تكلفة الجواز الواحد ألفي دولار».  

يتفق المحامي “غزوان قرنفل” مع من يسعى لتسجيل الوقوعات بشكل رسمي وقانوني لدى الدولة السورية، عبر محامين. والحصول على وثائق رسمية، «لأن هناك كثير من الناس يحتاجون لوثائق رسمية معتمدة ومعترف بها دولياً. لإنجاز أعمال تتعلق بأوضاعهم القانونية، مثل السفر ولمّ الشمل وغيرها. وبالتالي لايستطيعون تعليق حياتهم بانتظار الحل السياسي النهائي».  

في حين يقترح المحامي “عمار عز الدين” على الآباء الموجودين خارج مناطق سيطرة حكومة دمشق «اللجوء إلى منظمات المجتمع المدني الحقوقية أو القانونية، الموجودة في مناطق إقامتهم. لطرح الحالة عليها. وطلب الاستشارة القانونية، وعدم اللجوء بأي حال من الأحوال للوثائق المزوّرة. لأنها تشكّل جرماً قانونياً على المُهجّر أو النازح. عند استعمال وإبراز تلك الوثائق».

ولأن تسجيل المواليد في إدلب، والوثائق التي تمنحها دوائر المعارضة، قد تستخدم بوصفها مرجعيةً، يمكن الاستعانة بها في مرحلة ما بعد النزاع في سوريا، يعتبر “عز الدين” أن «تسجيل الوقوعات لدى تلك الدوائر. والحصول على الأوراق الثبوتية أمر مطلوب. لكن في حال تمكّن أي شخص من الوصول إلى دوائر حكومة دمشق، سواء بالاستعانة بأحد أقاربه أو التواصل مع محامين. فعليه تسجيل الزواج والولادات. لكن مع ضرورة التأكد من قانونية الوثائق التي سينالها، وعدم كونها مزوّرة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.