العشائر السورية بعد عشر سنوات من الحرب: هل نجحت بتعويض انهيار مؤسسات الدولة؟

العشائر السورية بعد عشر سنوات من الحرب: هل نجحت بتعويض انهيار مؤسسات الدولة؟

تنتشر العشائر السورية العربية على رقعة واسعة من جغرافية البلاد. وتشكّل جانباً مهماً من التركيبة الاجتماعية السورية. وعلى الرغم من النظرة السلبية التي يحملها البعض تجاه العشائرية عموماً، إلا أن العشائر لعبت دوراً مهماً في التاريخ السوري. وعاد دورها للبروز بعد الاحتجاجات والحرب السورية بشكل خاص. ليشمل كل المجالات، السياسية والعسكرية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.

يتركز القسم الأكبر من العشائر السورية في شمال وشرق البلاد. ما جعلها تواجه كثيراً من التقلبات السياسية والحربية منذ عام 2011. فما الدور الذي تلعبه العشائر اليوم، بعد أكثر من عشرة سنوات على بداية الحرب السورية؟ وكيف تتعامل مع ازدياد دورها، عقب الانهيار الكبير لمؤسسات الدولة السورية؟

تغيير الصورة النمطية عن العشائر السورية

“حسين المامو”، عضو “مجلس القبائل والعشائر السورية” عن قبيلة “الفواعرة”، يحاول، في حديثه لـ«الحل نت»، تقديم تصوّر مغاير عن الصورة النمطية حول العشائر. موضحاً أن «كثيراً من السوريين ينظرون إلى العشيرة نظرة تقليدية بعيدة عن الواقع. والحقيقة أن العشيرة لم تعد عبارة عن أفراد من رعاة الغنم والبدو الرّحل. بل أصبحت تذخر بالمتعلمين والكفاءات العلمية، إناثاً وذكوراً. وهذه الكفاءات فاعلة ومؤثّرة. وتحاول أن تواكب الأحداث المحيطة بها».

متابعاً: «اجتهدت العشائر السورية على تطوير أنفسها اجتماعياً على مستويات عدة. إذ لم يعد يتفرّد في قيادة العشيرة شيخ تقليدي. بل تُدار من خلال مجلس مُنتخب على أساس الكفاءة. ممن لديهم القدرة على حل المشاكل الداخلية في المجتمع بشكل عادل وقانوني. وبناءً على علاقات مدروسة مع المكوّنات المدنية والمجتمعية الأخرى. في سبيل بناء مجتمع متماسك، والمشاركة في بناء دولة مدنية. تحفظ حقوق جميع المكونات». حسب تعبيره.  

ويشير “المامو” إلى أن «دور العشائر يقوم على محورين: محور المساهمة في حل الإشكالات الناشئة عن اقتتال الفصائل المختلفة. فقد ساهمت العشائر، في أكثر من موقف، بنزع فتيل الاقتتال بين الفصائل. وكذلك بين العائلات والأفراد. وحل الخلافات عبر العرف العشائري. وذلك من خلال عقد مجالس للصلح. المحور الثاني لعمل العشائر السورية كان على المستوى الإغاثي والإنساني، الذي لم يقتصر على تقديم المساعدات للنازحين واللاجئين فحسب. بل وصل إلى محاولة توطينهم. ونقلهم من الخيم إلى البيوت. وكذلك العمل على تغيير المفاهيم السائدة، التي تصف المُهجّرين المتواجدين داخل البلد بالغرباء».

ويدلّل “المامو” على كلامه بوجود «مجموعة إغاثية تابعة للعشائر اسمها “إحسان”،  تقدّم الدعم لبعض الأسر المحتاجة للمساعدات العينية والنقدية. وجمعية “رحمة” لرعاية الأيتام في الشمال السوري، التي تسعى حالياً إلى توطين خمسمئة عائلة. بهدف توفير بيئة آمنة للمُهجّرين، وتنمية قدراتهم، وإيجاد فرص عمل لهم. ما يجعلهم يستغنون عن الحاجة للسلل الإغاثية. وتعمل الجمعية على بناء قرية “رحمة” لتوطين المهجّرين،  التي تبلغ مساحتها ثلاثة وستين دونماً. ويتم بناؤها بدعم من منظمة “ihh”  التركية».

دور العشائر في فض نزاعات فصائل المعارضة

من جهته يرى “د.صالح الإبراهيم”، الطبيب الميداني في مخيمات الشمال السوري، أن «العشائر تشكّل جانباً كبيراً من النسيج المجتمعي السوري. وينتمي إليها عدد مهم من النخب في البلاد. من مثقفين وسياسيين وضباط منشقين».  

ويتحدث “الابراهيم”، في إفادته لـ«الحل نت»، عما يعتبره إنجازات العشائر السورية. مثل «قيام العشائر في ريف إدلب بوقف الاقتتال بين فصائل الشمال المعارضة. فقد ساهمت بجمع الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات. وعقد الصلح لوقف نزيف الدماء. ما جعلها تصبح صمام أمان اجتماعي. يساهم بتوطيد السلم الأهلي».

المقدم “أيمن الفدعوس”، الضابط المنشق عن القوات النظامية، يؤكد لموقع «الحل نت» أن «العشائر السورية دخلت مرحلة جديدة، مواكبة لتطورات المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد. وقد قامت عدد من العشائر بتشكيل مجموعات لإدارة المجتمعات. وحل المشكلات والنزاعات بما يتوافق مع القوانين والنظم الحديثة. وبهذا يمكن للعشائر أن تسهم ببناء الدولة السورية الحديثة. بالتعاون مع المكونات الأخرى».

تعقيدات مسألة “السلم الأهلي”

“د.سلوى محمد الصالح”، الناشطة السياسية والطبيبة في إحدى عيادات بلدة سرمدا في محافظة إدلب، تعتبر أنه «في ظل الظروف الراهنة، التي تتسم بانهيار مؤسسات وخدمات الدولة، استطاعت العشائر السورية أن توحّد صفها ورأيها. وتعدّى دورها إدارة شؤونها الداخلية. فصار يشمل جميع فئات المجتمع».

وتركز “الصالح”، مثل معظم المتحدثين الذي التقاهم «الحل نت»، على «دور العشائر في فض النزاعات بين الفصائل المسلّحة. ودفع قادتها إلى الحوار والتفاوض. والاحتكام إلى الحق والقانون».

ورغم هذه الصورة الإيجابية إلا ان بعض المتابعين يتحدثون عن دور ملتبس لبعض العشائر السورية في الصراعات الدائرة. خاصة مع سعي تركيا للتواصل مع عدد من الزعامات العشائرية، بغية إشراكها في عملياتها العسكرية المتوقعة على شمال وشرق سوريا.

فقد دعت أنقرة إلى اجتماع للعشائر السورية في منطقة إعزاز الحدودية. تلاه اجتماع في منطقة “سجو”. حضرته نحو مئة وخمسين شخصية عشائرية. وانتهى إلى الإعلان عن تشكيل “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية”، و”مجلس الأعيان”.

مقالات قد تهمك: موسكو تقود معركة استقطاب عشائر الجزيرة السورية

وأكد شيوخ العشائر المجتمعين في البيان الختامي للقاء على ما سموه «الالتزام بثوابت الثورة السورية». كما أعربوا خلال المؤتمر عن دعمهم للعملية العسكرية التركية المرتقبة ضد قوات سورية الديمقراطية شرقي الفرات. ما يطرح بعض الأسئلة عن دور جانب من العشائر السورية في ضمان السلم الأهلي في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.