معدلات الجريمة في العراق باتت الشغل الشاغل لكثير من المواطنين. وسط التدهور الأمني والاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد. وقد ضجت الأوساط العراقية مؤخراً بجريمة بشعة. راحت ضحيتها فتاة عابرة جنسياً، على يد أخيها، في محافظة دهوك شمالي العراق.

القضية أعادت التحليلات والنقاشات عن أسباب ارتفاع نسب الجريمة في العراق. إذ يربطه كثير من المحللين بالظروف السياسية والاقتصادية القاسية. والطبيعة العشائرية للمجتمع، والمشاكل النفسية التي يعاني منها كثير من الأفراد.

الجريمة في العراق: الواقع والأرقام الرسمية

وعلى الرغم من أن الاحصائيات عن الجريمة في العراق تشير إلى تراجعها نسبياً من الناحية الكمية، إلا أن البلاد ما تزال تحتل مركزاً متقدماً على مؤشر الجريمة العالمي.

“خالد المحنا”، المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، كشف لـ«الحل نت» عن احصائيات الجريمة لعام 2021: «بلغت جرائم القتل 1077 حالة. تم اكتشاف فاعل 660 منها، أي بنسبة 61%. أما حالات الشروع بالقتل فكانت 1646 حالة. تم اكتشاف الفاعل في  907 حالة منها. أي بنسبة 55 %. فيما بلغت قضايا الاحتيال 11216 حالة. والمكتشف منها 7961 حالة. أي بنسبة 70%. وقضايا السطو المسلح على الشركات او المحال بلغت سبع حالات. اكتشف منها أربعة فقط. أما عن الخطف فقد شهد العراق 158 حالة سنة 2020، وانخفض الرقم عام 2021 إلى 125 حالة. أي أن هنالك انخفاضاً بمقدار 20%».

ويؤكد “المحنا” أنه «حسب الاحصائيات هناك انخفاض في بعض الحالات المتعلّقة بالعنف الخطف والقتل والتهديد. وارتفاع في أنواع أخرى من الجرائم، ومنها الجرائم التي تقوم على أساس اقتصادي، مثل الاحتيال والسرقات» .

إلا أن “د.علي البياتي”، عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، لديه رأي آخر. إذ أكد لموقع «الحل نت» أنه «حسب مؤشر الجريمة العالمي يحتل العراق المركز الثامن عالمياً من مجموع 193 دولة. والمؤشر يعتمد على مجموعة عوامل، منها حجم الإصابات، ونوع الجريمة المنظّمة وخطورتها. كذلك احتل العراق المركز الأول عربياً في خطورة الجريمة المنظمة. وهذا أمر خطير جداً، يدّل بشكل أساسي على وجود ضعف في الأداء الأمني في مواجهة الجريمة في العراق».

“البياتي” ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول: «الجريمة في العراق، وخاصة المنظّمة منها، ترتبط بشبكات إقليمية، تعمل مع مجاميع مسلّحة في العراق، تؤمن لها باباً لممارسة جرائمها بحرية. وكذلك يساعدها الوضع السياسي المتوتر في العراق على ذلك».

مختتماً حديثه بالقول: «نحتاج إلى سياسة واستراتيجية جديدة، تكون الأولوية في المرحلة المقبلة. نحارب عن طريقها الجريمة في العراق. بالتوازي مع الحرب على الفساد في مؤسسات الدولة».

عامان قاسيان أمنياً على العراق

مصدر آخر في مفوضية حقوق الإنسان، رفض ذكر اسمه، عزا سبب انتشار الجريمة في العراق إلى «ضعف الأجهزة الأمنية والرقابية. فضلاً عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. إضافة الى انتشار المخدرات، وعدم السيطرة على الإنترنت، الذي ترتكب من خلاله كثير من الجرائم».

وأضاف المصدر، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «العامين الماضيين كانا الأقسى على العراق. ومن خلال الرصد والتوثيق الذي قامت به مفوضية حقوق الإنسان، فإن الجريمة في العراق أصبحت أكثر تعقيداً وانتشاراً. وتنوّعت بين الاتجار بالبشر، وجرائم السطو المسلّح، والجرائم التي فيها مساس بأمن الدولة. فضلاً عن القتل والعنف الأسري».

المصدر يرى أن «القضاء عالج نسباً قليلة من الجرائم المرتكبة في العراق. وتركزت الجهود على مواجهة ظواهر اجتماعية مثل “الدكة العشائرية“».  

الجريمة في العراق بين القانون وعلم النفس

«انها جرائم طارئة على العراق»، بهذه الجملة يبدأ الخبير القانوني “علي التميمي” حديثه لـ«الحل نت».  مضيفاً: «ما نراه من جرائم حرق واغتصاب صغار وتقطيع جثث، واستخدام أساليب وحشية في ارتكاب الجريمة. فضلاً عن النزعة العدائية لدى الجناة في تنفيذ جرائمهم، تشير إلى علل نفسية انتشرت في البلاد، وساهمت بارتفاع نسب الجريمة في العراق. إذ نواجه ما يسمى في علم النفس “المجرم السايكوباثي”، أي الحاقد على المجتمع. أو المجرم الذي يعاني من “الشيزوفرينيا”، أي انفصام الشخصية. و”البارانويا” أي الخوف من المجتمع. وغيرها من الأمراض المعروفة في علم النفس الجنائي. وكل هذه الأمور مستجدة على المجتمع العراقي. ما يجعل الحاجة ماسة لإجراء دراسات مستفيضة حول هذه الظواهر. ومحاولة نشر الوعي في المجتمع، عن طريق الإعلام ورجال الدين والمدارس».

“التميمي” أكد أن «أهداف العقوبة الجنائية هي الردع وليس علاج الأسباب». منوهاً إلى أن «قانون العقوبات العراقي تشدد في مواجهة مثل تلك الجرائم. فمثلاً القتل بالحرق عقوبته الإعدام وفق المادة ٤٠٦ /١/أ. وكذلك اغتصاب الصغيرات وفق المادة ٣٩٣ /٢. وتنصّ المادة 406 من قانون العقوبات العراقي على الحكم بالإعدام على كل من قتل نفساً عن سبق إصرار وترصّد».

وحول الأسباب النفسية لارتفاع نسب الجريمة في العراق، يقول “د.عامر الحيدري”، الاختصاصي في علم نفس أن «الجانب النفسي عامل مهم. فالاضطرابات السلوكية والاعتلالات النفسية قد تؤدي إلى العنف. وبعض مرضى الفصام لديهم ميل أكبر من غيرهم لارتكاب الجرائم. إلا أن جرائمهم لا تكون منظّمة. وكثيراً ما يتصرفون بشكل خارج عن إرادتهم».

مقالات قد تهمك: أزمة السكن في العراق: ما علاقة الاكتظاظ السكاني بالمحاصصة الحزبية وانتشار العنف والجريمة؟

ويتابع “الحيدري” بالقول: «أما من يمارسون الجريمة المنظمة فقد يكونون مصابين باضطرابات شخصية، تبدأ منذ الطفولة. نتيجة نشأتهم في بيئة غير سوية. ومعاناتهم من الفقر والعنف. ولذلك فالأفضل متابعة الأفراد قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة، لمنع انحرافهم».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.