العصابات في السويداء: هل سيصبح رجال المجموعات الإجرامية قادة المجتمع الجدد؟

العصابات في السويداء: هل سيصبح رجال المجموعات الإجرامية قادة المجتمع الجدد؟

مسألة العصابات في السويداء تتصاعد بشكل كبير، وتثير دائماً مزيداً من الارتباك والنقمة بين الأهالي. فبعيداً عن الخدمات السيئة والبنية التحتية المتهالكة. بات الوضع في المحافظة أكثر  تدهوراً من السابق. بسبب الفوضى الأمنية، وانتشار السلاح العشوائي.

وعلى الرغم من أن كثيراً من العصابات في السويداء أجرت تسويات عاجلة مع الأجهزة الأمنية. وخرج عدد من أفرادها وقادتها من البلاد. وأصبحوا موزعين في لبنان والإمارات وتركيا، إلا أن عصابات جديدة ظهرت إلى العلن. وبدأت تحاول لعب دور أساسي في المحافظة.  

وشهدت السويداء مؤخراً أحداثاً عاصفة. بعد مقتل الشاب “يوسف نوفل”، يوم الاثنين، الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير. والذي تحوّلت قضيته إلى قضية رأي عام. إذ خرج مئات من أبناء المحافظة الجنوبية بمظاهرة احتجاجية. واعتصموا أمام القصر العدلي بمدينة السويداء. للمطالبة بالثأر من قتلته، وتحرير القضاء من الوصاية الأمنية.

من جهتها استغلّت العصابات في السويداء هذه الأحداث. فأعلنت تأييدها للمظاهرة. والتفت حول المتظاهرين. بل وسعى بعض عناصرها للظهور بمظهر الحريصين على العدالة. وعملوا على ملاحقة الجناة وتسليمهم للعدالة. فيما أغلقت المخافر الشرطية أبوابها. رافضة استلام أي مجرم.

هذا الوضع الملتبس يطرح أسئلة عديدة عن حالة الانفلات الأمني في المنطقة. ودور العصابات في السويداء، في المجالات السياسية والأمنية، وارتباطاتها مع الأطراف المحلية والخارجية، المتداخلة في ملف الجنوب السوري.

كيف اختفت العصابات في السويداء ثم عادت للظهور؟

 نشر أفراد من العصابات في السويداء. مثل عصابة “عريقة”، والمجموعتين المسلحتين التابعتين لـ”راجي فبحوط” و”معتز مزهر”، المرتبطتين بفرع الأمن العسكري، صوراً لهم من عدة أماكن خارج الحدود، وكانت غالبيتها في لبنان والإمارات (أمام برج خليفة) وتركيا. وقد عقد هؤلاء تسويات مع فرع الأمن العسكري. لتسهيل خروجهم من سوريا، بعد انتفاضة أهالي مدينة شهبا ضدهم. إثر اغتيال الناشط السياسي “صقر الطويل”، وإهانة أحد قادة حركة رجال الكرامة.

وكان من أكثر ما أثار للاستنكار في السويداء، صورة “عذاب عزام”، زعيم عصابة “عريقة”، من مطار دمشق الدولي. والمذيّلة بعبارة «ما قصّرت يا وطن». على الرغم من أنه متهم بجرائم قتل خطيرة. مثل اغتيال الطالب “وسيم الطرودي” في جامعة عريقة.  

وعن طريقة هروب رجال العصابات نحو الخارج قال الإعلامي “ريان معروف”، المحرر في “شبكة السويداء”، لموقع «الحل نت» إن «فرع الأمن العسكري في السويداء أجرى تسوية جديدة في المحافظة. وقام أحد المتعاقدين مع الفرع من مدينة شهبا، بالتنسيق مع أحد المسؤولين فيه، بأخذ مبالغ مالية من المتقدمين لإجراء التسويات. تتراوح قيمتها حسب الشخص والتهم الموجهة بحقه. لتصل في بعض الحالات إلى ألف دولار أميركي».

انتكاسة المدنيين نحو “وعي العصابات”

إلا أن الأمر الأكثر غرابة، بحسب “معروف”، هو أن «ممثلي التيارات المدنية في السويداء، يطالبون حالياً، عبر مظاهراتهم الاحتجاجية، بممارسات انتقامية مثل الشنق والقتل. ما قد يعتبر انتكاسة للوعي المدني، ورضوخاً لعقلية الثأر، التي تحملها العصابات في السويداء. ولذلك فليس من المستغرب أن يعود أفراد المجموعات الإجرامية للظهور بين المحتجين. بل ولعب دور مركزي في الاحتجاجات».

وكان النائب العام في السويداء، القاضي “فؤاد سلوم”، قد قال للمحتجين على مقتل “يوسف نوفل” إن «القضاء العادل سوف يحقق العدالة للجميع». غير أن أحد المحتجين الغاضبين ذكّره بأفعال شقيقه “رشيد سلوم”، قائد ميلشيا الدفاع الوطني في المنطقة الجنوبية. وقال له: «حاكم أخاك أولاً. عن أي قضاء عادل تتكلم؟». في حين صرخت عليه أم الشاب المقتول سابقاً “وسيم الطرودي”. قائلةً إن «دم ابنها راح هدراً. والقاتل بات خارج البلاد».  

ويعلّق “معروف” على هذه الأحداث بالقول: «يبدو السؤال الشعبي اليوم عن دور الدولة الغائب مفهوماً، في ظل ضعف وسائل الردع الشعبية الأخرى. إلا أنه يتضمن مغالطة كبيرة: الدولة، التي يطلب الناس اليوم بتفعيل دورها، هي ذاتها من أطلقت سراح المجرمين. وتعاقدت معهم، ووزّعت عليهم البطاقات الأمنية. لحماية طرق تهريب المخدرات والسيارات المسروقة. الدولة اليوم أيضاً مخطوفة».

هل العودة إلى العرف العشائري هي الحل؟

يطرح زعماء العصابات في السويداء أنفسهم قادةً للمجتمع. خاصة بعد انكفاء الزعامات التقليدية، أو خضوعها للأمر الواقع. وعجز رجال الدين عن الخروج للشارع، وهجرة غالبية المثقفين. وهو ما مكّن العصابات المدعومة أمنياً ومادياً من التصدي لأية مشكلة. وتفعيل الحلول العشائرية.  

 ويلاحظ الناشط المدني “عقبة جمال”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «بعض الزعامات التقليدية تسوّق لنشاط العصابات في السويداء، باعتبارها قادرة على ضبط إيقاع الشارع».

كاشفاً أن «”معتز مزهر”، أحد قادة العصابات، ذهب مع “لؤي الأطرش”، الوجيه المحلي الكبير، وأمير “دار عرى”، لمقابلة الضباط الروس في العاصمة دمشق. وكذلك قام مع “راجي فلحوط” بتسليم قتلة “يوسف نوفل” إلى القضاء».

وأشار “عقبة” إلى أن «”فلحوط”، رجل العصابات المعروف بجرائمه. يعتبر نفسه نصير المظلومين والفقراء. وكل هذا يساهم بتحويل المجتمع في السويداء إلى مجتمع بدائي. يعتمد على الحلول العشائرية. فيما يبقى القصر العدلي مفتوحاً لتمرير قضايا الفساد، وتوثيق المصالحات فقط».

من جهته يحذّر المحامي “أيمن شيب الدين” من «سيادة الحل العشائري، عبر المطالبة بتعليق المشانق بمساندة رجال العصابات، على حساب دولة القانون. ويبدو أن الأجهزة الأمنية تريد تكرّيس الثّأر والانتقام. والمزيد من التّردي الأمني».

مقالات قد تهمك: الصراع على الزعامة المحلية في السويداء: هل يختار أهالي المحافظة “علمانية” الأمراء أم “تواطؤ” المشايخ و”نخوة” العصابات؟

ولا يرى “شيب الدين” في طروحات “العودة للعرف العشائري” سوى «أفكاراً طوباويّة بعيدة عن الواقع. فقد انفرط عقد العشيرة نفسها اليوم. وهي متشظّية كما لم تكن من قبل. وعليه فسوف تسود العصابات في السويداء، وتقود المجتمع».

مختتماً حديثه حديثه لـ«الحل نت» بالقول: «الوضع كارثيّ بالعموم، ويحتاج إلى تغيير سياسي جذري. وذلك سينعكس إيجاباً على القضاء، وعلى عموم حياة السوريين».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.