تعتبر الأزمة الصحية في إدلب وشمال غرب سوريا عموما واحدة من الأزمات الأشد وطأة على المنطقة، التي يعيش فيها حوالي أربعة ملايين نسمة.
وتواردت أنباء عن توقف الدعم الطبي واللوجستي عن ثمانية عشر مشفى في محافظة إدلب وريفها، تساهم بتخديم مئات آلاف السكان المحليين والنازحين، الذين نزحوا إلى إدلب بفعل العمليات العسكرية في مختلف المناطق السورية. الأمر الذي جعل الكوادر الطبية والإنسانية والنشطاء الإعلاميين في إدلب وريف حلب يطلقون حملات إعلامية تناشد الجهات المانحة بالاستمرار في دعم المشافي والنقاط الطبية في المنطقة.

تدمير القطاع الصحي في إدلب

ومن أهم عوامل الأزمة الصحية في إدلب صعوبة استجلاب الدعم المادي من جهة؛ واستهداف النقاط الطبية من مشافٍ ومستوصفات ومراكز صحية بالقصف المباشر والمركّز، من الطيران الحربي الروسي والقوات النظامية السورية؛ إضافة إلى قلة الكوادر الطبية الموجودة في المنطقة. نتيجة الهجرة واللجوء إلى دول الجوار أو أوروبا.
وخلال السنوات العشر الماضية تعرضت المشافي السورية لخسائر مادية وبشرية كبيرة جدا. إذ أكدت منظمة الصحة العالمية أن “قرابة ثلاثمئة وسبعة وثلاثين هجوما استهدفت مرافق طبية في شمال غرب سوريا، من قبل القوات النظامية، وحلفائها من الروس والإيرانيين وغيرهم، بين أعوام 2016 و2019”.
وأضافت المنظمة، في بيان لها نشر في آذار/مارس من عام 2020، أن “نصف المنشآت الطبية في الشمال السوري فقط. البالغ عددها قرابة خمسمئة وخمسين. ما بين مرفق طبي ومشفى ومستوصف ونقطة طبية، ظلت قيد الخدمة”.
وأوضحت لجنة الإنقاذ الدولية أن “نحو سبعين بالمئة من العاملين في القطاع الصحي غادروا البلاد”. مؤكدةً أن “نسبة الأطباء المتبقين تقدّر بطبيب واحد لكل عشرة آلاف نسمة. ما يضطر العاملين في القطاع الصحي للعمل أكثر من ثمانين ساعة أسبوعيا”. وهي أرقام توضح حجم الأزمة الصحية في إدلب.

أبعاد الأزمة الصحية في إدلب

الدكتور “حسام قره علي”، معاون مدير صحة إدلب، ومدير أحد المشافي في المحافظة، أكد أنه “في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2021 تصاعدت الأزمة الصحية في إدلب بقوة. بعد أن أوقفت بعض المنظمات الانسانية الدعم عن تسعة مشافٍ في محافظة إدلب. وكان ذلك في ذروة انتشار فيروس كورونا”.
وأضاف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الأمر تفاقم الآن. ليزداد عدد المشافي، التي توقف الدعم عنها، إلى ثمانية عشر مشفى. وهي مشفى الرحمة بمنطقة دركوش. ومشفى السلام في مدينة حارم. إضافة لمشفى العزل ومشفى الأمومة ومشفى وسيم حسينو في كفر تخاريم. ومشفى القنية ومشفى إنقاذ روح في سلقين. ومشفى حريتان في قرية دير حسان. ومشفى الرجاء بمنطقة قاح. أما في ريف حلب فتوقف دعم مشفى المحبة ومشفى السلام بمدينة عفرين. إضافة إلى مشفى معاذ شمارين ومشفى الأمومة في قرية كللي. ومشفى النفسية في سرمدا. ومشفى الليمضية ومشفى الرفاه في جنديرس. ومشفى الإخاء في منطقة مخيمات أطمة”.
وأكد قرة علي أن “الاحتياطي من المواد الطبية شارف على الانتهاء. فضلا عن بدء نفاذ الموارد المالية. ما أثار تخوّف الكوادر الطبية والسكان. فانقطاع الدعم عن عدد كبير من المشافي سيؤدي إلى ضغط على المشافي المتبقية. في ظل التحذير من بدء موجة جديدة من فيروس كورونا. إضافة إلى الخشية من حملة قصف روسي جديدة على المنطقة. ما سيوصل الأزمة الصحية في إدلب، وشمال غرب سوريا عموما، إلى مرحلة شديدة الخطورة”.
تجدر الإشارة إلى أن جميع المشافي في المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق تعتمد على المنح المقدمة من المنظمات الإنسانية والإغاثية، ما يجعلها غير مستقرة ماديا وتشغيليا.

الأمم المتحدة والأزمة الصحية في إدلب

في الحالة الطبيعية، وبدون أية معوقات تمويلية، تواجه المشافي والنقاط الطبية والمرافق الصحية تحديات وصعوبات كبيرة في شمال سوريا، بسبب الضغط الكبير الذي تتعرّض له. مع اكتظاظ المنطقة بالسكان، وقلة الكوادر الطبية والتجهيزات. وتزداد الأزمة الصحية في إدلب والشمال السوري مع وجود أكثر من مليون إنسان يعيشون في المخيمات. ما يزيد من إلحاح وجود المشافي والنقاط الطبية بشكل أكبر. فغالبا ما تكون المشافي بعيدة عن مخيمات النازحين. ما يفاقم مع معاناتهم. 
ويبدو أن السبب الأساسي لتوقف الدعم عن كثير من مشافي شمال غرب سوريا، وبالتالي تفاقم الأزمة الصحية في إدلب وريف حلب، هو تضاؤل الدعم الدولي لملف النازحين السوريين.
“حسام قره علي” بيّن أن “كثيرا من الجهات المانحة باتت تقيّد ارسال المساعدات، وخصوصا الطبية منها، للمنطقة. ويشار هنا إلى أن معظم الجهات التي أوقفت الدعم تتبع للأمم المتحدة وصناديقها الخيرية”.

“ادعموا مشافي إدلب”

وجّه كثير من النشطاء والصحفيين والكوادر الطبية رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “ادعموا مشافي ادلب”، لتسليط الضوء على الأزمة الصحية في إدلب، والحالة الصعبة التي يواجهها القطاع الطبي في المنطقة عموما.
الصحفي عبيدة دندوش يقول لموقع “الحل نت” إن “إيقاف الدعم عن المشافي والنقاط الطبية في شمال غرب سوريا جريمة تضاف للجرائم الكثيرة بحق السوريين. ولابد من العمل على إعادة الدعم بشكل أكبر من السابق. وليس إيقافه أو تخفيضه”.
وفي سياق متصل، أصدرت منظمة “منسقو الاستجابة في شمال سوريا” بياناً طالبت فيه الجهات المانحة بـ”إعادة دعم المنشآت الطبية التي توقف عملها”.
وقال البيان إن “أزمة جديدة تعاني منها مناطق شمال غرب سوريا، تضاف إلى عديد من الأزمات الموجودة سلفا في المنطقة. وهي انقطاع الدعم عن ثماني عشرة منشأة طبية. تقدم خدماتها لأكثر من مليون ونصف المليون مدني يقيمون في المنطقة. وسط تزايد المخاوف من توقف منشآت أخرى جديدة”. 
وحذّر البيان من أن “توقف الدعم عن المنشآت الطبية المذكورة، خاصة مع ازدياد الضغوط على المنشآت الأخرى، سيؤدي إلى عدم القدرة على تقديم الخدمات لكل المدنيين في المنطقة”. مطالباً “جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري بإعادة الدعم المقدم لتلك المشافي. خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من احتمالية ظهور موجة جديدة من فيروس كورونا. وبقاء مئات آلاف المدنيين في المخيمات. دون وجود أي بدائل أو حلول على المدى المنظور”.

مقالات قد تهمك: بسبب فصل الكهرباء.. مشافي خاصة مهددة بالإغلاق في ديرالزور

ويجمع معظم الأهالي والكوادر الطبية أنه في ظل الأزمة الصحية في إدلب وشمال غرب سوريا عموما فإن معاناة السكان ستتضاعف. مع تردي الوضع الأمني واقتتال الفصائل العسكرية الحاكمة. إضافة لقلة فرص العمل والغلاء. وضعف المساعدات الغذائية. وظروف الشتاء القاسية. وغيرها من المشاكل، التي قد تجعل المنطقة تواجه كارثة إنسانية بكل المقاييس

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.