بعد أكثر من عقد من الصراع، تواجه العائلات السورية الآن أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق في البلاد. إذ يعاني 12.4 مليون سوري – ما يقرب من 60 بالمئة من السكان – من انعدام الأمن الغذائي الآن، فأصبحت الأغذية الأساسية لإطعام عائلة لمدة شهر – الخبز والأرز والعدس والزيت والسكر – تكلف الآن ما لا يقل عن 120 ألف ليرة سورية، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط ​​الرواتب.

سعران للمادة

مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، يشعر الجميع بتأثيره بشكل حاد، فوصل سعر المواد الأساسية في السوق السوداء إلى ارتفاعات جديدة وتجاوز عتبة السعر المقبول. حيث بلغت تكلفة أسطوانة الغاز أكثر من راتب أستاذ جامعي. وتنكة المازوت تجاوزت 100 ألف ليرة، و “بيدون” البنزين وصل إلى 90 ألف ليرة. وبات لتر الزيت النباتي الأكثر تقلبا في سعره من الليرة السورية.

وفي هذا السياق، قال اقتصاديون لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الاثنين، إن السوق السوداء لها عمر طويل بسبب الأرباح الكبيرة التي يحققها المتعاملون داخلها، وأن حجم السوق في سوريا ليس صغيرا، بل هو اقتصاد مواز. وانتشار الأسواق السوداء كثيف في البلدان التي تبنت نظام الاقتصاد الموجه الذي يقيد الحريات الاقتصادية والتجارة الدولية.

وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، فقد تم اتخاذ الإجراءات لتخفيض فاتورة الاستيراد لحماية المنتج المحلي، حيث تم تخفيض فاتورة الاستيراد بنسبة 80 بالمئة في عام 2021. كما انخفضت قيمة الواردات من 17.5 مليار يورو عام 2010 إلى 4 مليارات يورو عام 2021.

تحليل الدكتور إبراهيم العدي، الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق، كان قد خلص إلى أن السبب الرئيسي لانتشار السوق السوداء هو وجود سعرين أو أكثر للمادة. ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، غير قادرة على مراقبة الأسواق والسيطرة عليها. خاصة عندما تكون السلعة نادرة أو قليلة الأسواق.

ويرى العدي، أن الوضع الراهن للسوق السوداء كارثي. وأن الفوضى الاقتصادية الموجودة داخل الأسواق سيئة وتسيء إلى كرامة المواطنين. وأن على الحكومة إيجاد مخرج من هذه الفوضى، وأن الحل موجود؛ فأساتذة الجامعات لديهم آراء لا يقبلها أحد.

للقراءة أو الاستماع: سوريا.. ليتر المازوت يتجاوز 5 آلاف ليرة

وزارة التموين عاجزة

ومع انخفاض قيمة الليرة السورية، والذي تزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء سوريا، يشير الأستاذ الجامعي، إلى أن السبب الرئيسي لنشاط السوق السوداء هو نقص الإمدادات، وأن التدخل الحكومي القوي ليس حلا، كما إن التعهدات بتوزيع لتر واحد من الزيت ليس حلا، وأن سياسات اللجنة الاقتصادية للتعامل مع الوضع غير مناسب.

وحول من هو الأكثر تضررا من قيود الاستيراد التي تفرضها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، أوضح العدي، أن حظر الواردات يؤثر على الطبقة الفقيرة أكثر من الأغنياء، لأن الأغنياء يمكنهم الحصول على ما يريدون بشكل قانوني أو غير قانوني.

والمثال على ذلك في حالة احتكار استيراد الزيت دفع ثمنه الفقراء، حيث وصل سعر اللتر اليوم إلى 15 ألف ليرة. وتشير جميع الدراسات الاقتصادية إلى أن اللتر لا يكلف ربع ما معروض في السوق اليوم، حتى لو كانت الواردات مفتوحة.

ووفقا لحديث الاقتصادي، فإن الأسواق السوداء ستستمر، طالما أن هناك أسعارا كثيرة لنفس المادة وسعرين رسميين. وطالما أن تدخل وزارة التموين مقيد وغير مؤثر. مبيّنا أنه يجب أن يطالب، بالنظر إلى أن تأثير ارتفاع سعر الصرف على السلع أقل بكثير من تأثير السوق غير المشروعة. والذي أدى إلى زيادة أسعار السلع ثلاثة أضعاف سعرها المعقول دون تفسير.

وذكر العدي، أن تأثير العمليات العسكرية في أوكرانيا على توسع نشاط السوق السوداء كان أكبر في سوريا منه في دول أخرى بسبب عدم وجود رقابة. وأن السبيل الوحيد لمكافحة السوق السوداء هو السماح للتجار بالاستيراد، لاسيما بعد عجز الحكومة عن تأمينها.

للقراءة أو الاستماع: ارتفاع ملموس لسعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء

الأعباء تتحملها العائلة السورية

الوضع لم يكن أسوأ من أي وقت مضى، إذ يقدر تقييم الأمن الغذائي وسبل العيش لعام 2020 الذي أجراه برنامج الأغذية العالمي، أن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد – مما يعني أنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة دون مساعدة غذائية – قد تضاعف في عام واحد فقط ليقف عند 1.3 مليون شخص.

وحذر البرنامج، أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن 1.8 مليون شخص إضافي معرضون لخطر الوقوع في حالة انعدام شديد للأمن الغذائي.

فعلى مدار العام الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء سوريا، وارتفعت أسعار المواد الأساسية بنسبة 236 بالمئة، مع انخفاض قيمة الليرة السورية. وفي المتوسط، ارتفع سعر الوقود من 1000 ليرة سورية في كانون الثاني/يناير 2020، إلى 5000 ليرة سورية في كانون الثاني/يناير 2021.

الجدير ذكره، أنه يعاني السوريين في مناطق الحكومة السورية من صعوبات في الحصول على مواد التدفئة. وذلك بالتزامن مع غياب التيار الكهربائي، فضلا عن الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية. فيما زاد الأمر سوءا الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى لارتفاع أسعار النفط عالميا.

للقراءة أو الاستماع: ارتفاع “جنوني” لأسعار المواد الغذائية.. السَلَطة والمجدرة محرمات على السوريين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.