التنمر في العراق: انعكاس للعنف الاجتماعي في بلد يسوده الفقر والاضطراب

التنمر في العراق: انعكاس للعنف الاجتماعي في بلد يسوده الفقر والاضطراب

تنتشر ظاهرة التنمر في العراق بين طلاب المدارس، ومجموعات الشباب والفتيات، وصولا للأشخاص من الفئات العمرية الأكبر داخل العائلات والعشائر. ويؤكد كثير من المختصين أن المجتمع العراقي لم يدرك بعد أن التنمر ظاهرة عدوانية غير مرغوب بها، وتنطوي على ممارسة العنف من قبل فرد أو مجموعة أفراد تجاه غيرهم. إذ يعتبر كثير من العراقيين التنمر نوعا من السخرية البريئة. أو مجرد مزاح سمج.

مثال عن التنمر في العراق

بدأ الأمر بـ”أمي ما الخلل بلون بشرتي؟”، وصولا إلى “لا أود الذهاب إلى المدرسة بعد الآن”. هكذا كانت الحكاية مع عذراء، الطفلة من محافظة كربلاء التي تبلغ من العمر ستة أعوام ونيف، والطالبة في إحدى المدارس الخاصة في المحافظة.

تعرضت عذراء لما اعتبرته والدتها في البداية محادثة طبيعية بين طالبات صغيرات في الصف الأول الابتدائي. إلا أنها اكتشفت فيما بعد أبعاد المشكلة. “جاءت طفلتي بعد أسبوع واحد فقط من بدء الدوام المدرسي تبكي وتتساءل عن الخلل بلون بشرتها الحنطي، وكيف لها أن تتحول إلى فتاة بيضاء بسرعة، وهل لها أن تستخدم منتجات التجميل الخاصة بي لتفتيح لون بشرتها”، تقول الأم لموقع “الحل نت”.

مضيفة: “حاولت إفهام الطفلة أن عليها مواجهة التنمر هذا بطريقة أخرى، وعدم الانصياع لكل ما تسمعه من الأخريات. إلا أن هذا لم يكف. فقصدت مع طفلتي مرشدة المدرسة الاجتماعية، إلا أن الأخيرة لم تفعل شيئا سوى الاتصال بي، وإخباري أن بنتي تكذب، وتحاول الإيقاع بصديقاتها. وحين توجهت إلى المدرسة وأجبرت مديرتها على تشغيل كاميرات المراقبة لاكتشاف ما يحدث، تبيّن أن طفلتي محقة، وانتهى الأمر بنقلي عذراء إلى مدرسة حكومية بدلا من الخاصة، بعد معاناتها لأكثر من ثلاثة أشهر من حالات تنمر متعددة، دون أن تقوم المدرّسات بأية رد فعل”.

وكانت والدة عذراء تدفع ما يقارب المليون ومئتي ألف دينار سنويا للمدرسة الخاصة التي سجلت ابنتها فيها. أي ما بعادل 785 دولارا أميركيا.

التنمر بين المتابعة التربوية والعلاج النفسي

حيدر البياتي، المرشد الاجتماعي في إحدى مدارس محافظة كربلاء، يرى أن “البيئة هي الأهم في تحديد مدى ظاهرة التنمر في العراق. فشدة هذه الظاهرة تختلف من مدرسة إلى أخرى. وهناك مدارس يكون فيها التنمر كبيرا وواضحا، ومدارس أخرى يعاني طلابها من هذا بشكل أقل. وكل هذا يعتمد على البيئة وثقافة الأسرة داخل المنزل أيضا”.

ويوضح البياتي، في حديثه لـ”الحل نت”، الأسلوب التربوي الأمثل للتعامل مع ظاهرة التنمر في العراق: “إن حصلت حالة تنمر فيجب أولا أن يتم الاستماع للطرفين، لتحديد الطالب المتنمر. ويتم بعدها معرفة الأسباب التي دفعته للتنمر، ووضع حلول كي لا يكرر هذا التصرف، تتراوح بين التنبيه، مرورا بالفصل لعدة أيام، وصولا إلى الفصل النهائي من المدرسة. لأنه إذا لم تُعالج الحالة فمن المحتمل أن يتراجع أداء الطالب المتنمر عليه، بسبب تفكيره الدائم بكونه ضحية تنمر، وكيفية التخلص من هذا الوضع، مما يشغله عن دروسه، وصولا إلى خوفه من القدوم للمدرسة”.

إلا أنه يؤكد أن “المعالجات تبقى في إطار المدارس عادة، وقليل من ضحايا التنمر في العراق يذهبون إلى الأطباء النفسيين. فلا توجد في المجتمع العراقي للأسف ثقافة العلاج النفسي، رغم ضرورته لمن تعرضوا للتنمر الشديد”.

التنمر جانب من العنف الاجتماعي في العراق

“المشكلة قد تكمن وتبدأ في العائلة”، كما يقول الباحث الاجتماعي د.عبد الواحد مشعل، الذي يرى أن “التنمر ظاهرة متفاعله في مجتمعنا العربي. وقد باتت تؤثر في شخصية الفرد بشكل متزايد، مع ارتفاع وتيره التنمر داخل الأسر ضد الأبناء. وما يلقاه الطفل من تعسف وظلم، سواء من قبل الأب أو الأم أو الأخ الأكبر، أو من الأقران. ومع تفاقم مشكلات الأسر، وازدياد متطلباتها الحياتية، تصبح مساحة الحوار بين أفرادها ضيقة. خاصة وأن الكبار يلقون بأزماتهم وغضبهم على الصغار، لتبدأ بذرة العدوانية بالنمو لدى الجيل الجديد”.

وعن التأثير الاجتماعي لظاهرة التنمر في العراق يقول مشعل في حديثه لـ”الحل نت”: “ينعكس التنمر على جمله العلاقات الأسرية، فتنشأ شخصية المظلوم الذي يقع عليه الاعتداء، ويكون لذلك أضرار وانعكاسات سلبية على بنية الأسرة والمجتمع معا. إذ أن التنمر يؤثر على شخصية الفرد، وعلاقاته مع الآخرين، فيظهر عليه الاضطراب والخوف والتردد، وهذا بدوره يؤدي إلى أمراض نفسية، مثل الاغتراب والهروب من مواجهة الكثير من المواقف الحياتية. ويمكن القول في هذا الصدد إن التنمر ينبع من حقائق اجتماعية تمارس بشكل يومي في المجتمع العراقي. الذي يعاني من العنف والفقر والاضطهاد”.

مقالات قد تهمك: العنف الاجتماعي في العراق: هل بات الرجال أيضاً ضحية للتعنيف المنزلي؟

حلول الظاهرة، كما يرى مشعل، هي في “وضع  إستراتيجية َمحكمة، من أهم جوانبها إعادة مناقشة الرسائل المرسلة من المتنمر إلى الناس، ومحاولة إيجاد حلول اجتماعية للدوافع العنصرية التي تحرّك المتنمرين. كما لا بد من تطوير العلاج النفسي في البلاد، ونشر الوعي بضرورته بين المواطنين، كي يصبح قادرا على مواجهة آثار تفشي التنمر في العراق”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.