يأتي إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية المدنية والعسكرية، التي تقل جنودا إلى سوريا، بعد أسابيع من إعلان تركيا تطبيق اتفاقية مونترو في البحر الأسود، القاضية بمنع السفن الحربية الأجنبية غير المسجلة من عبور المضائق التركية.

وقالت أنقرة، حين الإعلان عن تطبيق اتفاقية مونترو، إنها “لا تنوي فرض عقوبات على موسكو، ولن تغلق مجالها الجوي في وجهها أيضا”. فيما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صرح سابقا : “لن نتنازل عن مصالحنا الوطنية، مع مراعاة التوازنات الإقليمية والعالمية، ولذلك نقول إننا لن نتخلى لا عن أوكرانيا ولا عن روسيا”.

ورغم موقف أنقرة، المندد بالغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها لم تُقدم على اتخاذ أي مواقف أو إجراءات صارمة تجاه موسكو، على غرار الدول الغربية، في مسعى منها للقيام بوساطة بين الجانبين. إضافة لتشابك مصالحها مع موسكو على الصعيدين السياسي والاقتصادي, ووجود البلدين معا في عدد من مناطق الصراع الإقليمي والدولي.

إلا أن إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية يأتي في الوقت الذي تصعّد فيه القوات الروسية قصفها لمناطق واقعة شمال غربي سوريا، حيث تتمركز القوات التركية. وبعد تبلور صورة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، بالتركيز على الجنوب الأوكراني، المقابل لتركيا. مما فتح مجالا للتساؤلات عن مضامين قرار أنقرة، وهل ينم عن حالة تصعيد ضد موسكو؟

إغلاق المجال الجوي التركي بين الملفين الأوكراني والسوري

وائل علون، الباحث في مركز جسور للدراسات، يرى أن “إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية جاء ضمن رد أوسع وأكبر على الخروقات التي تهز توافقات الجانبين في سوتشي، بعد القصف والغارات التي تعرضت لها القوات التركية المتمركزة في مناطق المعارضة السورية في الشمال السوري مؤخرا”.

ولا يستبعد العلوان، في حديثه لـ”الحل نت”، “ارتباط الخطوة التركية بملفات أخرى، غير الملف السوري، منها ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وتموضع تركيا ضمن حلف الناتو، مع عدم رغبتها في الانخراط في مواجهة مباشرة مع موسكو”.

إلا أن الباحث السوري يلاحظ أن “قرار إغلاق المجال الجوي التركي يشمل الطائرات المتجهة من روسيا إلى سوريا، وليس العكس، مما يدل على أن القوات الروسية الموجودة في سوريا ليس لها تأثير يذكر في الحرب الدائرة في أوكرانيا. وهذا  يدعم القول إن القرار متعلق بارتدادات الملف السوري، أكثر من علاقته بالغزو الروسي لأوكرانيا”.

الضغط على روسيا عبر إغلاق المجال الجوي

محمود الحمزة، الأكاديمي والخبير بالشأن الروسي،  ينظر إلى الخطوة التركية في ضوء ما يشاع عن تفاهمات تركية أميركية في شمال سوريا، تعارض المصالح الروسية هناك.

 الحمزة يقول في حديثه لـ”الحل نت”: “رغم صعوبة التأكد من هذه الإشاعات، إلا أنه في حال صحة بعض ما ورد فيها، فإن الموقف التركي سيتطور باتجاه أكثر حدة تجاه موسكو. ويمكن عندها قراءة قرار إغلاق المجال الجوي التركي باعتباره تصعيدا تركيا”.


وكان عمر أوزكيزيلجيك، محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة، قد أكد، في حديثه لموقع قناة “الحرة” الأميركية، أن “السبب وراء إغلاق المجال الجوي التركي هو زيادة الضغط على روسيا، لدفعها لأخذ المفاوضات مع أوكرانيا بجدية أكبر؛ ولزيادة النفوذ التركي ضد روسيا في سوريا. على اعتبار أن حرب أوكرانيا توفر فرصا جديدة لتركيا والحكومة السورية المؤقتة المعارضة لقلب ميزان القوى لمصلحتها”.

أنقرة تريد جني المكاسب من موقفها “المحايد”

محمود الحمزة يرجح أن “تركيا تريد الضغط على روسيا في عدد من الملفات، التي وقف الطرفان فيها على خط التماس، ومنها سوريا. مستفيدة من زيادة الاستقطاب والتموضع الدولي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة”.

ويتابع الحمزة أن “طرفي الصراع في أوكرانيا يحاولان خطب ود أنقرة،  فالروس يحاولون تحييد تركيا، فيما يحاول الأميركيون دفعها لاتخاذ موقف أكثر تشددا من روسيا، مما يعني إمكانية حلحلة الإشكالية التي شابت العلاقة بين واشنطن وأنقرة في عدد من المواضيع، ومنها الملف السوري”.

مقالات قد تهمك: تركيا والغزو الروسي لأوكرانيا: هل يمكن لإحدى أهم دول الناتو البقاء على الحياد؟

يذكر أن قرار إغلاق المجال الجوي التركي جاء بعد أيام قليلة  من زيارة وفد من أعضاء الكونغرس الأميركي إلى أنقرة، التقى خلالها مع مسؤولين في الرئاسة والخارجية التركية. لبحث عدد من الملفات الشائكة، وفي مقدمتها منظومة صواريخ (S 400) الروسية، التي تسعى أنقرة لتشغيلها على أراضيها. بحسب ما ذكرت وسائل إعلام تركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.