تركيا والغزو الروسي لأوكرانيا: هل يمكن لإحدى أهم دول الناتو البقاء على الحياد؟ 

تركيا والغزو الروسي لأوكرانيا: هل يمكن لإحدى أهم دول الناتو البقاء على الحياد؟ 

موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا أحد أهم الأسئلة، التي تشغل المحللين والمتابعين للتطورات الدولية الأخيرة. إذ وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى تركيا، مطلع الأسبوع الحالي، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لمناقشة تطورات الغزو الروسي لأوكرانيا، ولدعم جهود الوساطة، التي تقوم بها تركيا بين موسكو وكييف.
وتحدث المستشار الألماني، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد اجتماعه مع الرئيس التركي، عن “الدعم العسكري، الذي ستقدمه كل من تركيا وألمانيا للقوات الأوكرانية”. فيما قال الرئيس التركي إن بلاده “ستواصل مساعيها للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في أوكرانيا”.
وتسعى تركيا حاليا إلى  تنسيق  لقاء يجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تركيا، بعد فشل المفاوضات، التي نسقتها تركيا بين وزيري خارجية البلدين في مدينة أنطاليا التركية.
ورغم مساعي تركيا الديبلوماسية للوساطة بين الطرفين، ودعوتهما الى التفاوض، إلا أن طائرات بيرقدار التركية تلعب دورا أساسيا في المقاومة الأوكرانية، وتعرقل تقدم القوات الروسية. وكانت هذه الطائرات قد تسببت بتوتر العلاقة بين روسيا وتركيا، عندما تسلمت كييف شحنات منها العام الماضي.
ويرى محللون أن أنقرة قلقة على مصالح تركيا السياسية والاقتصادية مع أوكرانيا، كما أنها تطمح، عبر مساعيها الديبلوماسية، والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي في الملف الأوكراني، إلى رفع عقوبات أوروبية مفروضة عليها، إضافة الى إلغاء تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى أوروبا، وربما إعادة طرح ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت نفسه يُطرح حاليا سؤال عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه تركيا في موقفها الداعم لكييف، بالنظر لمصالحها وعلاقاتها مع روسيا.
فكيف يمكن تحليل وفهم التناقض في موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا، بين ادعائها الحياد ديبلوماسيا، ودورها العسكري في الحرب، الذي يعتبر مناصرا لأوكرانيا؟ وهل تملك أوراق ضغط على الطرفين، قد تستعملها للاستفادة من الوضع الحالي لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا؟

هل تركيا محايدة فعلا تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا؟

زيد العظم، مدير موقع” فرانس بالعربي”، يرى أن “تركيا، منذ إعلان الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، لم تقف في صف روسيا أو أوكرانيا. أما طائرات بيرقدار، التي يستخدمها الجيش الأوكراني في مقاومة تقدم القوات الروسية، فقد تم تسليمها قبل الغزو. وحسب معلوماتي لا يوجد شيء يثبت تصدير طائرات مسيرة تركية الى أوكرانيا بعد الغزو الروسي”.
ويخلص العظم، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن “تركيا فعلا محايدة في مسألة الغزو الروسي لأوكرانيا، لأن هذه الحرب مضرة بمصالحها. فجانب مهم من اقتصادها وصناعتها، وحتى أمنها الغذائي، معتمد على مواد أولية تستوردها من روسيا وأوكرانيا. لذلك كلما طال أمد الغزو الروسي لأوكرانيا فسوف ترتفع أسعار السلع والمحروقات في تركيا، وتفقد العملة التركية مزيدا من قيمتها. لذلك تحاول تركيا المساهمة في التوصل لوقف إطلاق نار بين الطرفين”.
وبالنسبة للعظم فإن اجتماع وزيري خارجية أوكرانيا وروسيا في تركيا يعني “إيمان الدولتين بحياد تركيا، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي داعمان لكييف بشكل علني، منذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا. وقد حاولت إسرائيل لعب دور وساطة مماثل، ولكن باعتقادي أن أوكرانيا رفضت الوساطة الإسرائيلية، لأنها اعتبرت أن إسرائيل لا تستطيع أن تضغط كما يجب على روسيا، بينما تمتلك تركيا أوراقا أكثر للضغط”.
إلا أن العظم يضيف: “السؤال الأساسي الآن: هل ستبقى تركيا محايدة فيما لو تحرشت روسيا بدولة في حلف الناتو، أو قصفت بولندا والمساعدات العسكرية القادمة عبرها؟ ماذا سيكون موقف تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، في حال تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، ما يعني ضرورة تدخل تركيا عسكريا ضد الغزو الروسي لأوكرانيا”.
مختتما حديثه بالقول: “لا نستطيع أن نجزم بأن روسيا سوف تصعّد غزوها باتجاه قصف بولندا. وما دامت الحرب محصورة في أوكرانيا فسيبقى الموقف التركي محايدا”.

أوراق الضغط التركية تجاه الغزو الروسي

وعن الدور الذي يمكن لتركيا أن تلعبه لإيقاف الغزو الروسي لأوكرانيا، وما إذا كانت تملك أوراق ضغط على الطرفين، يقول الإعلامي والباحث جورج كدر: “لا أعتقد أن تركيا سيكون لها دور كبير، فهي في موقف لا تحسد عليه، نظرا لعلاقتها مع طرفي الصراع، الذي لن تنخرط فيه لسببين: أولا لعدم إغضاب روسيا، إذ أن تركيا لديها تجربة سابقة في التوتر العسكري مع موسكو، عندما أسقطت طائرة روسية شمالي سوريا، فقطع بوتين علاقته مع تركيا، واضطر أردوغان للاعتذار شخصيا؛ وثانيا لأن تركيا تملك علاقات تجارية مهمة مع أوكرانيا، وهي أكبر مستثمر أجنبي فيها. وفي شباط/فبراير الماضي وقّع البلدان اتفاقية تجارة حرة بينهما”.
ويضيف كدر في حديثه لـ”الحل نت”: “هناك أيضا مشكلة تتار شبه جزيرة القرم، الذين تركوا المنطقة بعد ضمها لروسيا، ويقدّر عددهم بخمسة ملايين شخص، تعتبرهم تركيا بمثابة مواطنين أتراك، وتسعى لعدم تعقيد ملفهم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا”.
من الناحية العسكرية يرى كدر أن “هناك تعاونا وثيقا بين تركيا وأوكرانيا، لا يقتصر على مجال الطائرات المسيرة، فهنالك اتفاقيات عسكرية أخرى بين البلدين. إلا أن اتفاقيات تركيا الاقتصادية والعسكرية مع روسيا أكثر وأوسع. ولذلك لن يضحي أردوغان بعلاقاته مع روسيا لأجل أوكرانيا”.
ورغم صعوبة الموقف التركي وسط الحرب الدائرة، إلا أن كدر يعتقد أن “تركيا يمكن أن تستفيد من الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال لعب دور ديبلوماسي، واستخدام كل الأوراق التي تملكها، من علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، للضغط على الطرفين. وقد يكون هذا فرصة لتحسين علاقاتها مع أميركا وأوروبا. وإن لن يحصل تغير جذري في تلك العلاقات، فتركيا بالأصل عضو أساسي في حلف الناتو”.
مختتما حديثه بالقول: “أكثر ما يمكن أن تفعله تركيا، لدعم حلف الناتو في الظرف الحالي، هو إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل، وهو ما قامت به بالفعل على أساس اتفاقية مونترو، التي تنظم الموضوع. وهذا لن يكون مؤثرا في الصراع، فهذه الاتفاقية يمكن التحايل عليها من قبل روسيا، لأن لها تشعبات كثيرة”.

الغزو الروسي والانتخابات التركية

د.زكوان بعاج، الناشط السياسي والحقوقي السوري، يرى أن “هناك عوامل كثيرة، أثّرت في تشكيل موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي يمكن وصفه بالموقف المطاطي”.
موضحا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الانتخابات التركية باتت على الأبواب، ولها تأثير كبير في اتخاذ الرئيس أردوغان موقفا شبه حيادي من الغزو الروسي لأوكرانيا، فهو يريد تفويت الفرصة على أحزاب المعارضة التركية، وعدم السماح لها بالاصطياد بالماء العكر. وذلك لأن الاقتصاد التركي مرتبط بشكل كبير بالسوق الروسية، وتطبيق العقوبات الغربية سيؤثر سلبيا عليه، وبالتالي على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية، التي قد تفوز بها المعارضة”.

مقالات قد تهمك: التفاهمات التركية-الروسية حول سوريا: هل ستحافظ موسكو وأنقرة على “الهدنة الهشة”؟

ويضيف: “العلاقات التركية الروسية مرت بمراحل مختلفة، منذ إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك. ومن أهم هذه المراحل الاتفاقيات الأمنية والسياسية حول سوريا، وكذلك الحرب الآذرية الأرمنية، وقد نجح الطرفان التركي والروسي بتجاوز التوترات، والحفاظ على علاقاتهما. واليوم يتطلب الغزو الروسي لأوكرانيا من تركيا أن تقف متضامنة مع دول حلف الناتو، وخاصة أن هناك تخوفا من اتساع نطاق الحرب الروسية نحو الدول الأعضاء في الحلف، مثل دول البلطيق وبولندا. ولهذا فإن الموقف التركي دقيق جدا، إذ تسعى أنقرة لعدم إغضاب روسيا وحلف الناتو في الوقت نفسه، وبالتالي فإن مصلحتها الأساسية هي لعب دور الوسيط لإيقاف الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنع توسع الحرب”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.